قبل موعد صلاة الجمعة بنحو ساعة، اعتلى “طه العنبري” منبر مسجد الدسوقي، الذي عُين إمامًا وخطيبًا له منذ ستة أشهر، كان الشارع الموازي للكنيسة يعج بالباعة والزبائن كأنه يوم الحشر، لم يكن اعتلاء طه هذه الجمعة من أجل مناجاتهم للصلاة والحضور للمسجد قبل الخطبة بساعة كما يحب عادة أن يفعل، لكنه كان واجب وطني حملة هذا الشيخ الثلاثيني على عاتقه وحده:””هيا يا إخوان.. سارعوا لنصرة إخوانكم في الكنيسة.. كنيسة مار مينا تتعرض لهجوم إرهابي”.
أراد أن يحكم الطوق على الإرهابي الذي هاجم كنيسة مارمينا ليحول بينه وبين أبرياء يصلون إلى الله ويتأهبون لأعياد متتالية، “عرفت من أصحابي إنهم شافوا واحد أسمر ماسك بندقية آلي وجاي من ناحية الشارع الرئيسي داخل على شارع مصطفى فهمي”، ما إن وقع اسم الشارع على مسامعه، تدارك طه أن الكنيسة هي ضحية هذه الجمعة “أنا عارف إن أي مصيبة بتحصل كل جمعة، والحوادث دي تحديدًا، لذلك لم أشك لحظة بأن هذا الرجل متجه نحو الكنيسة”، يتحدث طه وأمارات الإرهاق تبدو على وجهه المائل للإمتلاء، بينما يغالب دموعه المختبئة وراء نظارة ذهبية سميكة.
حالة من الهرج سادت في محيط المسجد، تحولت ساحته لمعترك مع طرف مجهول لا يعلمه أحد، “أنا بعدها بعشر دقايق سمعت صوت ضرب النار جاي من ناحية الكنيسة، مكنتش عارف أعمل إيه ظلت اردد النداء وارفع صوتي”، هرع الأهالي متتبعين صوت طه، أما الباعة فانهالوا على بضائعهم، حملوها فوق أعناقهم وهربوا، “أهالي المنطقة هم الذين سارعوا لنصرة إخوانهم المسيحيين، وشعرت حينها أنني يمكن أن ألحق بمصيبة توشك أن تقع لكنها وقعت للأسف”.
“دور القرآن في الارتقاء بالنفس البشرية.. وسبل التعامل مع أهل الكتاب”، كان ذلك هو عنوان الخطبة التي أعدها طه ابن الأسرة الأزهرية أبًا عن جد، في مساء الخميس، بعبارات شبابية تتناسب وسنه الصغير، أراد أن يقوم نفوسا جنحت نحو العنف والتعطش إلى رائحة الدماء، يقول طه “الخطبة سبحان الله وكانت عن نفس الموضوع، كأني كنت أشعر بما سيحدث، لم أغير بها حرفًا”، بل ازدادت وازدانت بعبارات حماسية ووطنية، “ظللت بعد كل جملة أثناء الخطبة أقول لهم “سارعوا إلى نصرة إخوانكم.. بيت الله سيدنس بهذا العمل الإجرامي، وسارعنا جميعًا نحو الكنيسة، شاعرين بأن المصاب مصابنا نحن وليس هم فقط”.
ينتمي طه العنبري لأسرة أزهرية قرآنية أصيلة، فوالده إمام وخطيب لدى الأوقاف وكذلك الشيخ محمد أخيه الأكبر، تاق محمد إلى اعتلاء المنابر منذ كان في السابعة من عمره، “أنا خريج أصول دين دفعة السنة الماضية، وعينت بالمسجد لأنه قريب من بيتي بالشارع الخلفي”.