دراسات لتأثيرات انخفاض حركة الجنين على سلامة ولادته
ثمة حالات صحية تستدعي الاهتمام الطبي السريع لأنها تحمل في طياتها مخاطر صحية «مؤكدة» قد تهدد سلامة الحياة أو سلامة أحد أعضاء الجسم، ولذا يجدر بالمريض ألاّ يتهاون في شأنها أو يُؤجل مراجعة الطبيب. وبالمقابل هناك حالات مرضية تتطلب الاهتمام والمتابعة لدى الطبيب لأن لها مخاطر صحية «محتملة»، ولذا يجدر ألاّ تتسبب بالقلق أو الهلع، إنما ببذل الاهتمام ومراجعة الطبيب.
وغالبية الناس تعلم أن فكرة مراقبة الأم الحامل لحركة الجنين Fetal Movements في بطنها هي شيء مفيد وله أهميته في متابعة صحة الجنين وسلامة عملية الحمل. وخصوصا من أجل الإسراع في إبلاغ الطبيب عند ملاحظة تدني نشاط حركة الجنين، والاستفادة من ذلك لمنع حصول مكروه ما للجنين، ومن أجل العمل بالتالي على التأكد من سلامة الجنين وسلامة عملية الحمل، وربما الاضطرار إلى تسهيل إجراء الولادة لإنقاذ الجنين من حصول حالة الإملاص Stillbirth (ولادة جنين ميت بعد الأسبوع 28 من الحمل).
مراقبة حركة الجنين
ولكن السؤال الذي تطرحه عدة دراسات طبية حديثة حول هذا الأمر هو: ما هو مقدار تلك الأهمية، وما هو التصرف الطبي السليم للتعامل معه؟ ووفق الإجابة على هذا السؤال يكون مقدار حثّ الأمهات الحوامل على مراقبة هذا الأمر وانشغال أذهانهن به طوال تلك الأسابيع في فترة الحمل، وما يتبع ذلك من تفعيل للإجراءات الطبية لفحص الجنين وحالة الحمل. والأهم من ذلك: هل انخفاض حركة الجنين يعني وفاة الجنين؟
ومن بين تلك الدراسات التي طرحت هذا الأمر، دراسة «أفّيرم» AFFIRM لباحثين دوليين من بريطانيا والنرويج وآيرلندا، وكان موضوع البحث فيها هو: مدى الدلالات الطبية لمتابعة التغيرات في حركة الجنين بعد تخطي الأسبوع 28 من عمر الحمل. وهي الدراسة التي تم نشرها ضمن عدد 27 سبتمبر (أيلول) من مجلة «لانست» الطبية The Lancet، تحت عنوان «الوعي بحركة الجنين وحزمة الرعاية الطبية للحد من وفيات الأجنة». وشملت الدراسة متابعة أكثر من 410 آلاف حالة حمل وولادة، في 37 مستشفى بأوروبا، وذلك في الفترة ما بين يناير (كانون الثاني) 2014 وديسمبر (كانون الأول) 2016.
حركة الجنين والإملاص
وفي مقالة تحريرية مرافقة بمجلة «لانست»، تحت عنوان «أضرار، لتشجيع الوعي بحركة الجنين»، لكل من الدكتورة كيت واكر والدكتور جيم جي ثورنتون، من كلية الطب بجامعة نوتنغهام، تم توضيح الإشكالية الطبية الحالية في الممارسة الإكلينيكية للحالات التي يتم فيها ملاحظة انخفاض حركة الجنين RFM، وذلك بقول ما ملخصه إن فكرة مراقبة حركة الجنين هي فكرة منطقية. ومع ذلك، لم يتم من قبل إجراء تقييم دقيق لنتائج الإجراءات الطبية العلاجية في حالات ملاحظة الأم الحامل انخفاض حركة الجنين في بطنها. وصحيح أن اللجوء إلى إجراء عملية الولادة في بعض تلك الحالات مفيد، ولكنه في الوقت نفسه قد يكون ضاراً لبعض الحالات الأخرى.
وفي إحدى المراجعات العلمية عام 2015 لجدوى السلوك الروتيني في كل من: مراقبة الحامل للتغيرات في حركات الجنين ورصد عدد الحركات تلك، وذلك لدى نحو 70 ألف حالة حمل، تمت ملاحظة أن هذه الطريقة لم تقد إلى انخفاض في معدلات وفيات الأجنة في الفترة المحيطة بوقت الولادة الطبيعية Perinatal Mortality.
وكان الباحثون في الدراسة، موضوع عرض هذا المقال، قد قالوا ما ملخصه أيضاً إن أكثر من 2.6 مليون حالة إملاص بولادة جنين ميت حصلت في عام 2015. وتحدث معظم حالات الإملاص دون وجود خلل في الجنين ودون وجود عوامل ترفع من خطورة حصول الإملاص. وملاحظة الأم للتغيرات في نشاط حركة الجنين أحد المنبهات ذات الأهمية في الوقاية من حصول الإملاص، ذلك أن في 50 في المائة من حالات الإملاص تلاحظ فيها الأمهات الحوامل حصول انخفاض في حركة الجنين خلال الأسبوع السابق لوفاة الجنين. كما تمت ملاحظة أن انخفاض حركة الجنين له علاقة بضعف نمو الجنين وبتشوهات بالمشيمة في الحالات التي لا تحصل فيها وفاة للجنين.
وأضاف الباحثون: «ليس من الواضح علمياً، هل حصول انخفاض حركة الجنين علامة على حتمية حصول وفاة الجنين أم أنه علامة تحذيرية تتطلب التعامل الطبي الفوري. وكان الهدف من دراسة أفّيرم هو اختبار مدى صدق الفرضية القائلة بأن زيادة وعي الحوامل بضرورة مراقبة حركة الجنين سيكون فاعلاً في تقليل حصول الإملاص، وأن حصول انخفاض في الحركة جنينية يُعتبر حافزاً لبدء الأطباء في التفعيل الفوري لتقديم حزمة من إجراءات الرعاية الصحية للحامل، والتي من بينها ضرورة سرعة إبلاغ الحامل للطبيب حصول ذلك الانخفاض في الحركية الجنينية، وضرورة بدء الأطباء في معالجة ذلك الوضع بإجراء حزمة من الفحوصات والمعالجات التي من بينها تسهيل الولادة». وهي مجموعة الإجراءات التي أطلق عليها الباحثون اسم «حزمة الرعاية لحالات انخفاض الحركة الجنينية»RFM Care Package.
نتائج غير مكتملة
وبتحليل نتائج اللجوء إلى بدء تطبيق «حزمة الرعاية لحالات انخفاض الحركة الجنينية» في حال حصول ذلك، تبين للباحثين أن: «تفعيل تطبيقها لم يقلل من خطر حصول حالات الإملاص».
ولكن بعض المراجعات العلمية لهذه الدراسة نبهّت إلى أن نتائجها لا تقول لنا تلقائياً إن مراقبة الأم الحامل لحركة جنينها أمرٌ لا جدوى منه، بل إن حصول ذلك الانخفاض في الحركة الجنينية لا يزال مؤشراً على أن شيئا ما غير طبيعي يحصل للجنين. ولذا لا يزال من المفيد أن تبلغ الأم الحامل طبيبها عن ذلك عند ملاحظته، وذلك بناء على النصيحة الطبية التي مفادها أن على الأمهات الحوامل مراقبة أي تغيرات في حركة الجنين بدءا من بلوغ الأسبوع 24 من عمر الحمل، وأن عليهن سرعة مراجعة الطبيب لو لاحظن أي تغير سلبي في حركة الجنين بعد بلوغ الأسبوع 28 من عمر الحمل.
والأمر الآخر الذي تجدر ملاحظته أيضاً، أن هذه الدراسة هي واحدة من بين ثلاث دراسات عالمية يتم إجراؤها في الوقت الحالي. وأوساط طب النساء والتوليد تترقب نتائج دراستين لم تصدر نتائجهما بعد، الأولى هي دراسة الباحثين من أستراليا، بعنوان «حركة جنيني»My Baby›s Movements، والتي تشمل أكثر من 250 ألف حالة حمل وولادة. والدراسة الثانية هي دراسة «مايندفيتال» Mindfetal للباحثين من السويد، والتي تشمل نحو 40 ألف حالة حمل وولادة. ولذا حتى فريق الباحثين في دراسة «أفّيرم»، موضوع عرض هذا المقال، قالوا بأن من الضروري عدم الاستعجال في تغيير الإجراءات الحالية، المتبعة في حالات انخفاض الحركة الجنينية، إلى حين صدور نتائج الدراستين الأخريين لكي يتبين لنا ما هو الصواب الطبي في التعامل مع تلك الحالات أثناء المراحل الأخيرة من الحمل.
* استشارية في الباطنية