دراما ناضجة صنعت بإخلاص، من فريق عمل حرص على الدقة بشكل كبير فى التفاصيل الخاصة بالمسلسل «رسالة الإمام»، عن حياة الإمام ابن إدريس الشافعى، أحد الأئمة الكبار الأربعة، الذين يمثلون أبرز مدارس السنة فيما يتعلق بالفقه بعد فترة الرسالة والخلافة، وصاحب المذهب الشافعى فى الفقه، ومؤسس علم أصول الفقه، ويعالج العمل السنوات التى قضاها الإمام الشافعى فى مصر منذ جاءها عام 198 هـ / 813 مـ وألقى دروسه فى جامع عمرو بن العاص، ونبغ على يديه العديد من العلماء المصريين، ويقدم تجربة تحول فيها فكر الإمام بعد وصوله إلى مصر، واطلاعه على ما بها، فالشافعى مولود فى العراق، فى القرن الثانى للهجرة، حيث كان العراق يضم مدارس فى اللغة والفكر والفقه، بينما مصر كانت مجالا آخر لبلد يضم تفاصيل حضارية تتقاطع مع أفكار العالم، من هنا فقد كان هناك تحول فى فكر الشافعى، اعترف هو نفسه به.
مسلسل رسالة الإمام، يقدم بجانب قصة الشافعى تفاصيل الحياة الاجتماعية والسياسية والفكرية وقتها فى العالم الإسلامى، والاختلافات التى حكمت هذه الفترة، والأفكار الدينية والتساؤلات الفلسفية، التى تقاطعت مع السياسة، وفرضت معاناة بعض الفقهاء ومنهم الشافعى نفسه، وبشكل عام فإن الدراما هى محاولة لتمثيل الحدث، بخليط من التوثيق والخيال، الذى يكمل هذه الصور، ويمنح الدراما حياتها وقدرتها على تصوير الواقع، ومن الواضح أن هناك جهدا فى البحث والعمل لمعالجة هذه الفترة الدقيقة من تاريخ المسلمين، وأيضا علاقة مصر بهذا العالم، وتفاعلات الأفكار التى استقرت فى مصر، ومنحت الفقه طبيعة تنبع من جغرافيا وثقافة وحياة اجتماعية واقتصادية، مثلت واقعا ومجالا مختلفا للتفكير ظهر فى أفكار الإمام الشافعى.
وقد استعانت الشركة المنتجة بمراجع تاريخى يلازم فريق المسلسل طوال فترة التصوير، إضافة إلى مراجعة الحلقات بشكل مستمر من قبل مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر الشريف، وكذلك وجود مراجع لغوى للسيناريو لا سيما أنه يتم تقديم العمل باللغة العربية الفصحى، بالإضافة إلى أن الفترة الماضية شهدت تدريب الفنانين المشاركين فى البطولة على ركوب الخيل والمبارزة بالسيف.
مسلسل «رسالة الإمام» بطولة خالد النبوى، أروى جودة، نضال الشافعى، خالد أنور، وليد فواز، وأحمد الرافعى، سلمى أبو ضيف ونخبة من النجوم العرب خالد القيش وهافال حمدى، والأردنية فرح بسيسو، والعمل سيناريو وحوار ورشة كتابة تحت إشراف المؤلف محمد هشام عبية، وإخراج السورى ليث حجو، وإنتاج «ميديا هب سعدى جوهر»، ويعرض على قنوات المتحدة للخدمات الإعلامية، ضمن عدد من الأعمال المهمة التى تقدم دراما متنوعة، تناسب كل الأمزجة، ويأتى مثل هذا العمل عن الإمام الشافعى، ليناسب طبيعة شهر رمضان، ويدخل ضمن الأعمال الكبيرة، التى تجمع بين الدراما، والتاريخ، والفكرة.
ويقدم خالد النبوى أحد أدواره الصعبة، والتى تمثل نقلة فنية فى حياته، وهو بالفعل فنان متعدد المواهب، ومثقف، يبدو دائما صاحب قدرة على تفهم الدور، والاطلاع على مراحله التاريخية، وهو أمر لا يظهر بمباشرة، لكنه يظهر من خلال أداء هادئ، وقدرة على استيعاب مفردات العصر، ولكون الدراما نوعا من تمثيل الواقع، فإنها تتطلب الكثير من الجهد، للمزاوجة بين الحدث التاريخى، وبين الإيحاء، والإقناع بأن ما يجرى إنما حدث فى التاريخ، وهو أمر صعب، لأنه يخضع لاختيارات المؤلفين، وقدرتهم على انتقاء أدق الروايات أو أقربها إلى الحقيقة، خاصة أن المسلسل يعالج فترات تاريخية، تختلف فيها الروايات وتتداخل.
رسالة الإمام فى حلقاته الأولى، نجحت إلى حد كبير فى نقل الصورة التاريخية، وتقديمها فى ثوب عصرى، خاصة مع إجادة الممثلين لدورهم وقدرتهم على التفاعل مع روايات تاريخية فى مرحلة مهمة، وشخصية ثرية، ضمن محيط تاريخى، متشابك، وهو نجاح يذكر لمؤلفى العمل ومنتجيه الذين سعوا لتقديم عمل جاد وشخصية مهمة بتاريخ المسلمين، والعرب، والمصريين، الذين تفاعل معهم الإمام الشافعى، ثالث الأئمة الأربعة وصاحب المذهب الشافعى فى الفقه.
العمل فى بداياته نجح فى جذب المشاهدين وهناك اتفاق على أنه أحد الأعمال التى تستحق المشاهدة، وتحقق رسائل مهمة من دون مباشرة.