تشكل الزيارة القادمة للرئيس عبد الفتاح السيسي الى العاصمة النمساوية فيينا التي تبدأ غدا الأحد وتستمر حتى 18 ديسمبر الجاري فرصة مواتية لتعزيز الشراكة الاوروبية الافريقية في المجالات السياسية والاقتصادية والأمنية في ضوء العلاقات التاريخية التي تربط بين القاهرة وفيينا وتولي النمسا الرئاسة الدورية للاتحاد الاوروبي واقتراب موعد رئاسة مصر للاتحاد الافريقي في فبراير القادم.
وسيجري الرئيس السيسي خلال الزيارة مباحثات هامة مع سيباستيان كورتز مستشار النمسا تتناول سبل تعزيز العلاقات الثنائية في المجالات السياسية والاقتصادية والتجارية وعدد من القضايا الاقليمية والدولية ذات الاهتمام المشترك.
كما يشارك الرئيس السيسي ايضا في اجتماعات منتدى أفريقيا – أوروبا رفيع المستوى يومي الاثنين والثلاثاء القادمين لبحث سبل تعزيز التعاون بين أفريقيا والاتحاد الاوروبي في مجالات الهجرة والابتكار والاقتصاد الرقمي.
وبدا حرص الجانبين المصري والنمساوي على تعزيز العلاقات الثنائية جليا في تأكيد كبار المسئولين بالبلدين على أهمية تدعيم التعاون في كافة المجالات وخاصة السياسية والاقتصادية وتبادل الزيارات بين مسئولي البلدين ، ومن بينها الزيارة التي قام بها سيباستيان باستيان كورتز مستشار النمسا الى القاهرة برفقة دونالد توسك رئيس المجلس الأوروبي في 23 سبتمبر الماضي ومباحثاته مع الرئيس عبد الفتاح السيسي والتي ركزت على قضايا التنسيق العربي الأوروبي لمواجهة التحديات الإقليمية والتهديدات المشتركة ومن بينها الهجرة غير الشرعية .
وفي ذلك الصدد أكد الرئيس السيسي – خلال اتصال هاتفي مع مستشار النمسا سيباستيان كورتز يوم الثلاثاء الماضي – حرص مصر على تعزيز العلاقات التاريخية التي تربطها مع النمسا، لا سيما من خلال تعظيم التعاون الاقتصادي وزيادة حجم التبادل التجاري بين البلدين، عن طريق تشجيع كبار رجال الأعمال وكبرى الشركات في النمسا على الاستثمار في مصر خاصةً مع التطورات الإيجابية التي تحققت مؤخرًا في مجال الإصلاح الاقتصادي.
ومن جانبه أعرب مستشار النمسا عن رغبة بلاده في الارتقاء بمجمل العلاقات الثنائية مع مصر، مشيدًا بالإنجازات الملموسة التي حققتها مصر في مجالات التنمية الاقتصادية والاجتماعية، وإقامة المشروعات القومية الكبرى وتحسين مناخ الاستثمار وتطوير البنية التحتية، ومؤكدًا أن النمسا كرئيس حالي للاتحاد الأوروبي تعتبر مصر شريكًا مركزيًا في ضوء الروابط المتشعبة التي تجمعها بأوروبا والتحديات المشتركة التي تواجههما على ضفتي المتوسط، كما أنها تعول على دور مصر المحوري والفاعل كمركز ثقل لاستقرار منطقتي الشرق الأوسط وأفريقيا.
وفى الرابع عشر من سبتمبر الماضي عبر مستشار النمسا – في اتصال هاتفي مع الرئيس السيسي – عن الرغبة في تطوير العلاقات مع مصر على كافة المستويات مشيدا بجهود مصر الفاعلة في مجال مكافحة الاٍرهاب وتحقيق الاستقرار والأمن، وكذلك جهودها الناجحة في مواجهة الهجرة غير الشرعية لاوروبا عبر حدودها.
كما أعربت النمسا مؤخرا على لسان وزيرة خارجيتها كارين كنايسل – التي تتقن اللغة العربية – عن تطلع القيادة والحكومة النمساوية لاستقبال الرئيس السيسي في فيينا تلبية للدعوة الموجهة له لزيارة النمسا .
وفي السياق ذاته زار وزير الخارجية سامح شكري فيينا في السادس من يوليو الماضي لاجراء مباحثات مع المستشار النمساوي سيباستيان كورتز ، ونظيرته النمساوية تناولت سبل تعزيز العلاقات الثنائية في مجالات التجارة والاستثمارات و تشجيع القطاع الخاص النمساوي على الاستثمار في مصر، فضلا عن تدعيم آليات التنسيق والتشاور السياسي حول القضايا الاقليمية والدولية محل الاهتمام المشترك.
وتسعى النمسا الى الاستفادة من خبرة مصر في مواجهة الهجرة غير الشرعية القادمة من الدول الافريقية الى دول الاتحاد الاوروبي في ضوء التوقعات التي تشير الى ان اجمالي عدد سكان القارة الافريقية سيصل الى ملياري شخص بحلول نهاية القرن الواحد والعشرين ، وهو ما اعتبره المستشار النمساوي كيرتز مبررا قويا للعمل عن قرب مع الدول الافريقية وفي مقدمتها مصر لدعم التنمية في تلك الدول.
وفي ذلك الصدد أكدت الحكومة النمساوية مؤخرا ان العلاقة مع افريقيا لا تتعلق بالمساعدات التقليدية فقط ولكنها يجب ان تركز على التعاون الاقتصادي والصناعي طويل المدى ، منوهة الى ان التحديات يمكن مجابهتا عن طريق المشاركة بين الجانبين .
وفي السياق ذاته أبدت الحكومة النمساوية مرات عديدة دعمها لجهود مصر في مجال مكافحة الاٍرهاب وتحقيق الامن والاستقرار والتحديات المشتركة ، في ضوء عدم تسجيل مصر لاَي حالة للهجرة غير الشرعية لأوربا من سواحلها منذ شهر سبتمبر ٢٠١٦ .
وفي المجال الاقتصادي .. تسعى مصر والنمسا الى زيادة حجم التبادل التجاري والاستثمارات المشتركة ، حيث تعد النمسا بوابة مواتية لزيادة صادرات مصر الى دول الاتحاد الاوروبي ، كما تمثل مصر بوابة مواتية لنفاذ الصادرات النمساوية الى الاسواق العربية والافريقية .
وتشير احصائيات جهاز التمثيل التجاري التابع لوزارة التجارة والصناعة المصرية الى ان حجم التبادل التجاري بين مصر والنمسا خلال الأشهر العشرة الأولى من عام 2017، بلغ نحو 3ر 330 مليون يورو، منها 7ر 46 مليون يورو صادرات مصرية، و6ر 283 مليون يورو واردات مصرية بينما بلغ حجم التبادل التجاري بين البلدين خلال عام 2015، حوالى 7ر 292 مليون يورو، مقابل 4ر 289 مليون يورو خلال 2014 ، من بينها صادرات مصرية بقيمة 7ر 55 مليون يورو، وواردات مصرية 237 مليون يورو.
وتمثلت أهم الصادرات المصرية الى النمسا في الخضروات والفاكهة، خاصة البصل والفاصوليا والعنب والفراولة، والعصائر الطبيعية ، والنباتات الطبية والعطرية والتوابل، والأسمدة الخام والمصنعة بينما تضمنت أهم الواردات المصرية من النمسا آلات ومعدات النقل، والورق المقوى، والمنتجات الطبية ، وحديد الصلب والمصنوعات المعدنية ، والالياف النسجية، وأعلاف الحيوانات.
وبلغت قيمة الاستثمارات النمساوية في مصر حوالي 26 مليون دولار أمريكي، غطت قطاعات استثمارية متنوعة كالصناعات الكيماوية، والنقل، والصناعات الهندسية، ومواد البناء، وصناعة الأغذية، والعقاقير الطبية.
كما وقعت مصر والنمسا عددا من اتفاقيات التعاون الاقتصادي من بينها اتفاق لحماية الاستثمارات ومنع الازدواج الضريبي وتعزيز السياحة ، كما تم تأسيس مجلس الاعمال المصري النمساوي عام 2006 لدعم الاستثمارات المشتركة بين القطاع الخاص بالبلدين.
ويبلغ اجمالي عدد الشركات النمساوية العاملة بالسوق المصرية 600 شركة بالاضافة الى وجود تمثيل (توكيلات) لأكثر من 20 شركة نمساوية في مصر.
وفي مايو عام 2015 تم تنظيم بعثة استكشافية لرجال الأعمال والشركات النمساوية (6 شركات تعمل في مجالات تكنولوجيا الري وإدارة المخلفات والطاقة، وتكنولوجيا إدارة الأعمال، والبترول والغاز) إلى القاهرة بالتعاون بين الغرفة الاقتصادية الفيدرالية النمساوية والمكتب التجاري بالسفارة النمساوية في القاهرة لبحث فرص الاستثمار المتاحة بالسوق المصرية.
وفى يناير 2016 أصدر المهندس طارق قابيل وزير التجارة والصناعة “السابق” ، قرارًا باعادة تشكيل الجانب المصري في مجلس الأعمال المصري النمساوي لضخ دماء جديدة قادرة على تعظيم التعاون المشترك مع الجانب النمساوي ليس فقط على المستوى التجاري وإنما على المستوى الإستثماري أيضًا.
وفى 11 فبراير 2016 قامت جمعية رجال الأعمال المصريين بتوقيع بروتوكول تعاون مع مجلس الأعمال المصري النمساوي المشترك، يهدف إلى تعزيز التعاون الاقتصادي والتجاري بين رجال الأعمال بالبلدين .
وترتبط السوق النمساوية بشكل وثيق باقتصادات الاتحاد الأوروبي / أكبر شريك تجارى لمصر التى وقعت معه أيضا اتفاقية للشراكة الاقتصادية / ، ويشكل قطاع الخدمات نحو ثلثي الناتج المحلي الإجمالي البالغ حوالى 232 مليار يورو بالنمسا ، بينما تشكل التجارة والصناعة بنحو ثلث إجمالي الناتج المحلي الاجمالي، وتساهم الزراعة بحوالي اثنين بالمائة من الناتج المحلي بتلك الدولة.
وعلى الصعيد القنصلي قامت مصر نهاية عام 2012 بإتمام إجراءات التصديق على اتفاق إعفاء حاملي جوازات السفر الدبلوماسية والخاصة ولمهمة من التأشيرات بين مصر والنمسا، ودخل الاتفاق حيز التنفيذ اعتبارا من يناير 2013 .
وتؤكد المؤشرات أن زيارة الرئيس السيسي القادمة الى فيينا سوف تعزز الشراكة بين الاتحاد الاوروبي والقارة الافريقية مع اقتراب رئاسة مصر للاتحاد الافريقي ،واطلاق منطقة التجارة الحرة للتكتلات الافريقية الثلاث : الكوميسا وسادك وإياك ، ورئاسة النمسا للاتحاد الاوروبي ، وحرصها على العمل بشكل وثيق مع مصر لمواجهة التحديات المشتركة .