تلك الأمسية
هدوء يقبض على المكان.. ترتفع معه لغة صامتة تعلن إشارة البدء.. ذبذبات مرتعشة.. موجات غاضبة.. إشارات آمرة.. وانحناءات حالمة.
ثورة وغضب، حب وخداع، موت وحياة، فرحة.. بكاء، صراع وفراق.. اعترافات تدوى وسط سكون النفوس تنطق بها عصا متواضعة يحركها جسد متوهج ينبض بقلب وروح مبدع ذابت أحاسيسه واختلطت بين تناقضات العقل وانفعال الذكريات.. متفجرة فى قالب سيمفونى ملحمى من الأوتار والنغمات يعزفه أوركسترا يقوده المايسترو.
نعم.. هذه هى الموسيقى.. هى هذا المحرك للعقل والوجدان.. هى هذه العصا الرفيعة التى يمسك بها المايسترو ليعلن بها فى كل إشارة مصوبة نحو العازف عن خفقه من روح المؤلف.. وأين نحن؟؟.. نحن هذا السكون والصمت الذى كان يجلس مستمعاً لهذا الفن الراقى فى تلك الأمسية بدار الأوبرا.. كان منا من سحرته العصا!! وكان منا من آلمته لأنه كان عليه أن يجلس أكثر من ساعتين يستمع لموسيقى لا يقدر معناها.. ولكن الوجاهة الثقافية الاجتماعية الآن حتمت عليه أن يكون موجوداً ضمن هذه الطبقات والجاليات المثقفة.. هو مجال
جديد يفتح الباب أمام «المزيفين» للوجود والاختلاط تحت مظلة جديدة من الوجاهة لم يطرقوها من قبل حتى تكتمل الصورة!! وحتى تتحول معهم هذه المزارات إلى موضة.
ينتهى الحفل.. يتنفسون الصعداء..!! أما نحن فنخرج محلقين خارج الزمان والمكان!!
كلنا عايزين صورة!
صورة يا مدام.. صورة.. اتفضلى حضرتك.. قفى هنا.. تعالى شوية كده.. صورة كده مع بعضينا.. اتفضل يا بيه.. قف.. أيوه كده قربوا من بعض.. حلو قوى.. صورة كمان.. فين الباقى.. تعالى يا مدام.. صورة لك وحدك.. والله يا بيه.. يا بيه المدام بتتصور تيجى جمبها.. بلاش.. تيجى انت حضرتك.. اتفضل.
الاسم بقى.. أيوه مدام إيه؟؟.. وحضرتك حرم..؟؟ وحضرتك؟؟ حلو.. وحضرتها.. ماشى وحضراتكم.. ميه ميه!!
لا تستغرب إنه مشهد هيستيرى حقيقى تستغله الآن كثير من الصحف والمجلات فى زيادة توزيع أعدادها ملبية رغبة مجتمع يلهث وراء الشهرة المزيفة وآخر «مخوخ» افترسته فضولية الفراغ.
هذه هى الصحافة الاجتماعية.. صحافة التواصل الاجتماعى التى أصبحت تطلعنا على صور شبه مكررة لشخصيات تدس نفسها عمداً أمام كاميرات المصورين الذين يتحركون بكاميراتهم بفهلوة شديدة الحس والذكاء نحو مواقع الشائعات المغرضة والتجمعات الزائفة.. كاشفين بذلك صورة مجتمع اختار لنفسه مظهر الانعزال والانفصال عن واقع مجتمع أصيل لا يرغب فى أن يشاهد انفصال صفوته عنه- إذا كانوا حقاً صفوة!!- من خلال هذه الحفلات والتجمعات الزائفة.. بل يرغب أن يقدر ويحترم جهودهم من خلال العمل الخيرى والوطنى الذى يجعل من المجتمع وحدة واحدة غير منفصلة تظهرها بفخر صحافة المجتمع والتواصل المحترمة!!!