الركن الإسلاميعاجل

صلاة التراويح وبيان فضلها.. حكم الصلاة للمنفرد وللمسافر ونصوص الفقهاء

ساعات وتشهد مساجد مصر صلاة التراويح، الإسلام دينُ يسرٍ ورحمةٍ للعالمين؛ حيث تضمَّنت شريعته السمحاء الكثير من الرُّخَص والتخفيفات على المكلفين لرفع الحرج عنهم، وكان من القواعد الخمس الكبرى التي عليها مدار الفقه الإسلامي: أن “المشقة تجلب التيسير”، والسفر مَظنَّةٌ للتخفيف؛ ولذا جاز قَصْرُ الصلوات المكتوبة وجَمْعُها للمسافر، وجاز صلاة النوافل على الراحلة أو الدابة أو وسائل المواصلات؛ فعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: «كَانَ النبي صلى الله عليه وآله وسلم إِذَا ارْتَحَلَ قَبْلَ أَنْ تَزِيغَ الشَّمْسُ أَخَّرَ الظُّهْرَ إِلَى وَقْتِ الْعَصْرِ ثُمَّ يَجْمَعُ بَيْنَهُمَا، وَإِذَا زَاغَتْ صَلَّى الظُّهْرَ ثُمَّ رَكِبَ» متفقٌ عليه.

ترغيب الشرع في صلاة التراويح وبيان حكمها وفضلها

وصلاة التراويح سنةٌ نبويةٌ في أصلها، عُمَريَّة في هيئتها، سَنَّها سيدُنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لأمته في شهر رمضان المعظَّم؛ فقال: «شَهْرٌ كَتَبَ اللهُ عَلَيْكُمْ صِيَامَهُ، وَسَنَنْتُ لَكُمْ قِيَامَهُ» رواه ابن ماجه في “سننه” من حديث عبد الرحمن بن عوفٍ رضي الله عنه.

وهي شعيرةٌ عظيمةٌ من شعائر الإسلام ثَبَتَ فضلُها وجزيلُ ثوابها والترغيبُ في أدائها في أحاديث كثيرة؛ منها: ما رواه الشيخان في “صحيحيهما” عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «مَنْ قَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا، غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ».

قال الإمام النووي في “شرح صحيح مسلم” (6/ 39، ط. دار إحياء التراث العربي): [معنى إيمانًا: تصديقًا بأنه حقٌّ مقتصدٌ فضيلتُهُ. ومعنى احتسابًا: أنْ يريدَ اللهَ تعالى وَحدَهُ، لا يقصد رؤيةَ الناس ولا غيرَ ذلك مما يخالف الإخلاص. والمراد بقيام رمضان: صلاة التراويح، واتفق العلماء على استحبابها] اهـ.

وصلاة التراويح من السنن المجمع على سنيتها، وقد نقل الإجماع على ذلك غير واحدٍ من العلماء.

قال الإمام داماد أفندي الحنفي في “مجمع الأنهر” (1/ 135، ط. دار إحياء التراث العربي): [(التراويح)… (سنة مؤكدة) للرجال والنساء جميعًا بإجماع الصحابة ومَن بعدهم مِن الأئمة] اهـ.

وقال الإمام النووي في “المجموع شرح المهذب” (4/ 31، ط. دار الفكر): [فصلاة التراويح سنة بإجماع العلماء] اهـ.

حكم صلاة التراويح للمنفرد ونصوص الفقهاء في ذلك

من المقرر شرعًا مشروعية صلاة التراويح للمنفرد، سواء كان ذلك في البيت أم غيره.

قال الإمام الطحاوي الحنفي في “مختصر اختلاف العلماء” (1/ 313، ط. دار البشائر الإسلامية): [روى المعلَّى عن أبي يوسف قال: “مَن قَدَر أن يصلي في بيته كما يصلي مع الإمام في رمضان فأحب إليَّ أن يصلي في البيت”، وكذلك قال مالك. وقال مالك: “كان ربيعة وغير واحد من علمائنا ينصرفون ولا يقومون مع الناس”، قال مالك: “وأنا أفعل ذلك، وما قام رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلا في بيته”، وقال الشافعي: “صلاة المنفرد في قيام رمضان أحب إليَّ”] اهـ.

وقال الإمام النفراوي المالكي في “الفواكه الدواني” (1/ 318، ط. دار الفكر): [ولما كان فعلها في البيوت أفضل قال: (ومن شاء قام) أي: صلى التراويح (في بيته ولو بإمام؛ وهو أحسن) أي: أفضل من فعلها في المسجد (لمن قويت نيته وحده)، ومعنى قويت نيته: أن يكون عنده نشاط في فعلها في بيته.. وإنما كان فعلها في البيوت مع القيود أفضل للسلامة من الرياء؛ لأن صلاة الجلوة على النصف من صلاة الخلوة] اهـ.

وقال الإمام الماوردي الشافعي في “الحاوي الكبير” (2/ 291، ط. دار الكتب العلمية): [صلاة المنفرد في قيام شهر رمضان أفضل إذا لم يكن في انفراده تعطيل الجماعة، فهو قول أكثر أصحابنا] اهـ.

وقال الإمام المرداوي الحنبلي في “الإنصاف” (2/ 181، ط. دار إحياء التراث العربي) في بيان أحكام صلاة التراويح: [ومنها: فعلها في المسجد أفضل، جزم به في “المستوعب” وغيره. قلت: وعليه العمل في كلِّ عصرٍ ومصرٍ، وعنه: في البيت أفضل، ذكر هاتين الروايتين الشيخ تقي الدين، وأطلقهما في “الفروع”] اهـ.

حكم صلاة التراويح في وسائل المواصلات بالنسبة للمسافر

مشروعية صلاة التراويح في وسائل المواصلات تندرج تحت ما تقرر من جواز صلاة النوافل والسنن على الدابة والراحلة في السفر الطويل الذي تقصر فيه الصلاة، وقد تقرر هذا بالكتاب والسُّنَّة والإجماع.

فمن الكتاب: قوله تعالى: ﴿وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ وَاسِعٌ عَلِيمٌ﴾ [البقرة: 115].

ذكر الإمام الفخر الرازي في دلالة هذه الآية أوجهًا، وذكر منها أن الآية نزلت في صلاة التطوع على الراحلة في السفر؛ فقال في “مفاتيح الغيب” (4/ 19، ط. دار إحياء التراث العربي): [أن الآية نزلت في المسافر يصلي النوافل حيث تتوجه به راحلته.

وعن سعيد بن جبير عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه قال: إنما نزلت هذه الآية في الرجل يصلي إلى حيث توجهت به راحلته في السفر. وكان عليه السلام إذا رجع من مكة صلى على راحلته تطوعا يومئ برأسه نحو المدينة، فمعنى الآية: ﴿فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا﴾ وجوهكم لنوافلكم في أسفاركم: ﴿فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ﴾؛ فقد صادفتم المطلوب: إن الله واسع الفضل غني، فمن سعة فضله وغناه رخص لكم في ذلك؛ لأنه لو كلفكم استقبال القبلة في مثل هذه الحال لزم أحد الضررين: إما ترك النوافل، وإما النزول عن الراحلة والتخلف عن الرفقة، بخلاف الفرائض، فإنها صلوات معدودة محصورة؛ فتكليف النزول عن الراحلة عند أدائها واستقبال القبلة فيها لا يفضي إلى الحرج بخلاف النوافل، فإنها غير محصورة؛ فتكليف الاستقبال يفضي إلى الحرج] اهـ.

ومن السُّنَّة: ما أخرجه الإمام البخاري في “صحيحه” عن ابن عمر رضي الله عنهما، قال: «كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم يصلي في السفر على راحلته، حيث توجهت به، يومئ إيماء صلاة الليل، إلَّا الفرائض، ويوتر على راحلته».

وأخرجه الإمام مسلم عن ابن عمر رضي الله عنهما بلفظ: «أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان يصلي سبحته حيثما توجهت به ناقته».

قال الإمام النووي في “شرح صحيح مسلم” (5/ 210): [في هذه الأحاديث: جواز التنفل على الراحلة في السفر حيث توجهت، وهذا جائز بإجماع المسلمين، وشرطه: ألَّا يكون سفر معصية، ولا يجوز الترخص بشيء من رخص السفر لعاصٍ بسفره] اهـ.

وقد نقل الإجماع على مشروعية صلاة النوافل والسنن بشكل عام على الدابة أو الراحلة، والتي منها وسائل المواصلات: جمعٌ من العلماء.

قال الإمام الخطابي في “معالم السنن” (1/ 266، ط. المطبعة العلمية): [قوله: “يسبح” معناه يصلي النوافل، والسبحة النافلة من الصلاة، ومنه: “سبحة الضحى”، ولا أعلم خلافًا في جواز النوافل على الرواحل في السفر] اهـ.

وقال الإمام ابن عبد البر المالكي في “الاستذكار” (2/ 255، ط. دار الكتب العلمية): [ولا خلاف بين الفقهاء في جواز صلاة النافلة على الدابة حيث توجهت براكبها في السفر] اهـ.

وقال الإمام ابن قدامة الحنبلي في “المغني” (1/ 315، ط. مكتبة القاهرة): [(وله أن يتطوع في السفر على الراحلة، على ما وصفنا من صلاة الخوف) لا نعلم خلافًا بين أهل العلم في إباحة التطوع على الراحلة في السفر الطويل. قال الترمذي: “هذا عند عامة أهل العلم”] اهـ.

وقد استثنى السادة الحنفية من هذا العموم في جواز صلاة التطوع على الراحلة في السفر سنة الفجر وصلاة الوتر؛ لأنه من الواجبات عندهم.

قال العلامة ابن عابدين في “رد المحتار” (2/ 38، ط. دار الفكر): [(قوله ويتنفل المقيم راكبًا… إلخ) أي: بلا عذرٍ، أطلق النفل فشمل السنن المؤكدة إلا سنة الفجر… وأشار بذكر المقيم أن المسافر كذلك بالأولى؛ واحترز بالنفل عن الفرض والواجب بأنواعه كالوتر… فلا يجوز على الدابة بلا عذر لعدم الحرج] اهـ.

وقولهم هذا لا يتنافى مع الخلاف الوارد في حكم صلاة التراويح قاعدًا مع القدرة على القيام قياسًا على سنة الفجر بجامع كونها سنة مؤكدة مثلها؛ حيث إنَّ الصحيح عندهم جواز صلاتها قاعدًا بخلاف سنة الفجر.

قال الإمام الحدادي في “الجوهرة النيرة” (1/ 99، ط. المطبعة الخيرية): [وأما أداء التراويح قاعدًا مع القدرة على القيام فاتفق العلماء على أنه لا يُستحب لغير عذرٍ، واختلفوا في الجواز؛ قال بعضهم: لا يجوز من غير عذرٍ اعتبارًا بسنة الفجر؛ إذ كل واحد منهما سنة مؤكدة، وقال بعضهم: يجوز؛ وهو الصحيح بخلاف سنة الفجر فإنه قد قيل إنها واجبةٌ] اهـ.

زر الذهاب إلى الأعلى