بعد إعلان الرئيس الأمريكي في السادس من ديسمبر الجاري، عن اعترافه بالقدس عاصمة لإسرائيل، يرى غيث العمري، زميل رفيع المستوى لدى “معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى”، ومستشار سابق لفريق التفاوض الفلسطيني، أن تلك الخطوة سوف تشكل السياسات الفلسطينية، وأنها وضعت رئيس السلطة الفلسطينية، محمود عباس، في موقف صعب، فضلاً عن أثرها الكبير على عملية السلام.
وكتب العمري، في مجلة “فورين أفيرز”، أن عباس بدأ للتو في السير على حبل سياسي مشدود، حيث يخوض مرحلة مصالحة دقيقة مع خصومه في حماس، كما يواجه تشكيكاً في زعامته، وفي الدور الأمريكي في عملية السلام.
رد قاس
وبحسب الباحث، من أجل استرضاء الفلسطينيين وتجنب هجمات من منافسيه، رد عباس بقسوة على إعلان ترامب، ويتوقع اتخاذه موقفاً أشد من عملية السلام، واعتماده ليونة أكبر حيال حماس. وتلك أنباء غير سارة بالنسبة لعباس والسلطة الفلسطينية.
ولا بد، برأي العمري، أن يبحث ديبلوماسيون ومحامون في ما إذا كان إعلان ترامب يعني تحيزاً لصالح إسرائيل بشأن وضعية المدينة المقدسة عند التوصل لعميلة سلام نهائية بين الفلسطينيين والإسرائيليين. ولكن بغض النظر عن الإجابة، باتت مهمة عباس أصعب بكثير.
إدانة التحول الأميركي
ويعود ذلك، بحسب الباحث، لسببين، ولأنه لا خيار أمام الرئيس الفلسطيني سوى في إدانة التحول في السياسة الأمريكية. ويرجع السبب الأول لمكانته على الساحة الداخلية، لأنه ليس بمقدور أي زعيم فلسطيني، وخاصة رجل ضعيف كعباس، السباحة عكس تيار الاحتجاجات ضد إعلان ترامب. كما لا يستطيع عباس اتخاذ موقف أضعف من موقف حماس وأطراف أخرى في المنطقة، مصر والأردن والسعودية وتركيا، وغيرها ممن شجبوا قرار ترامب.
ضغوط أخرى
وأما مصدر الضغط الثاني فهو موقف عباس نفسه في العملية السلمية، وتخوفه من احتمال أن يفضي إعلان ترامب لتبني الولايات المتحدة موقف إسرائيل بشأن القدس، وهو ينص على اعتبارها عاصمة غير مقسمة لإسرائيل، وألا تكون عاصمة لدولة فلسطينية، وهو ما يرفضه الفلسطينيون بشدة.
فقد قال عباس بعد ساعات من خطاب ترامب إن تلك الإجراءات المدانة والمرفوضة تقوض جميع جهودنا للتوصل إلى السلام، وتمثل إعلاناً لتخلي الولايات المتحدة عن دور لعبته طول العقود الماضية كراعية للعملية السلمية.
تعديل ميزان
ويرى العمري أنه، في المدى المنظور، سيؤدي تحول السياسة الأمريكية لتغيير في ميزان القوى وسط عدة كتل فلسطينية. ومنذ أكتوبر، بدأ فريق عباس، فتح، محادثات مصالحة مع حركة حماس التي تسيطر على قطاع غزة. وفيما لم تفصح فيه بعد إدارة ترامب عن مخططها للسلام، وليس واضحاً ما إذا كانت ستطالب الفلسطينيين بتقديم تنازلات غير مقبولة سياسياً، فإن شائعات حول عملية السلام ضيقت الآفاق الفلسطينية. ولابد أن يعمق إعلان ترامب من ريبة الفلسطينيين بشأن مستقبل محادثات السلام وموقف عباس منها.