كانت الهجرة النبوية وتظل حدثا تاريخيا عظيما، غيرت مجري التاريخ الإسلامي بشكل كبير.
ثمانية أيام قضاها النبي الكريم في هجرته من مكة إلي المدينة المنورة قضى خلالها مسافة تقدر بـ380 كيلومترا، بدئها بخروجه من دار السيدة خديجة بنت خويلد في مكة المكرمة حتى وصوله لديار عمرو بن عوف في قباء بالمدينة المنورة، في 12 ربيع الأول الموافق 21 سبتمبر 622 ميلاديا، والذي يوافق ذكراه اليوم.
المفتي: النبي وضع حجر الأساس للدولة القائمة على مبادئ الوسطية والتسامح وسيادة القانون
يقول الدكتور شوقي علام، مفتي الديار المصرية، في تقرير لدر الإفتاء، إن “الهجرة النبوية مرحلة فاصلة في تاريخ الإسلام والمسلمين، وجاءت بعد أن تعرض النبي صلى الله عليه واله وسلم وأصحابه الكرام إلى أصناف كثيرة من التضييق والإيذاء حتى من الأقارب، ولكنه ظل ثابتا على الحق”.
أوضح مفتي الجمهورية، أن هجرة النبي والصحابة لم تكن باختيارهم أو رغبة منهم، لكنهم كانوا مكرهين عليها، وتجلى ذلك في كلمات النبي صلى الله عليه وآله وسلم وقت الهجرة عندما وقف ونظر تجاه مكة، وقال: “والله إنك لأحب بلاد الله إلي، ولولا أن أهلك أخرجوني منك ما خرجت”، وهنا يعلمنا النبي الكريم حب الوطن والتمسك به.
وأضاف، أن الهجرة كانت البداية لوضع حجر الأساس للدولة القائمة علي مبادئ الوسطية والتسامح وسيادة القانون والارتقاء بالمعاني الإنسانية والقيم الروحية، ووضعت الإنسان في مقدمة الاهتمامات.
عبدالغني هندي، عضو المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية، قال: “لما وصل الرسول الكريم إلى المدينة المنورة خرج الأنصار في استقباله، في وفود كبيرة، وأول ما قام به الرسول الكريم أنه أسس المسجد ثم وضع وثيقة التعايش السلمي، وهي وثيقة المدينة، والتي شملت الحديث حول مسؤولية الجميع في الدفاع عن الدولة، وإقرار مبدأ التكافل والتعاون بين الجيران والعصبات، بحيث لا يبقى في المدينة محتاج أو ذو ضائقة أو كرب إلا كان له من يقوم بشأنه، تحقيقا لمبدأ (المواطنة الكاملة) لكل ساكني المدينة”.
الأزهر: الهجرة كلها تضحيات كبيرة في سبيل الله بداية من النبي والمهاجرين والأنصار
وفي تقرير للازهر الشريف حول الهجرة النبوية، أكدت المشيخة، أن النبي ضرب لنا أروع الأمثلة في حب الوطن، والأدلة كانت واضحة على حب النبي صلى الله عليه وسلم الشديد لبلده ووطنه مكة، كما تدل على شدة حزنه لمفارقته له، إلا أنه اضطر لذلك.
وأضاف: “إذا تأملنا هجرة النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله عنهم فسنجد أن كلها تضحيات كبيرة من أجل الله عز وجل بداية من النبي صلى الله عليه وسلم، وأصحابه المهاجرين الذين خرجوا من ديارهم وأموالهم ووصفهم الله عز وجل بالصدق، وانتهاء بموقف الأنصار الذين استقبلوهم وضحوا بكل ما يملكون في مواساتهم ونصرتهم”.
وتابع: “تتجلى لنا الصداقة الحقة في أوضح صورها في الصديق رضي الله عنه ومواقفه مع النبي صلى الله عليه وسلم سواء في الهجرة أو غيرها، حتى أنه هو الذي طلب الصحبة من النبي صلى الله عليه وسلم فقال الصحبة يا رسول الله ثم بكى لما وافق النبي صلى الله عليه وسلم، كما تقول السيدة عائشة رضي الله عنها: “فوالله ما شعرت قط قبل ذلك اليوم أن أحدا يبكي من الفرح، حتى رأيت أبا بكر يبكي يومئذ”.
وقال الأزهر في تقريره: “أوضحت لنا الهجرة المباركة ضرورة التخطيط الجيد للأمور كلها مع الاستعانة بالتوكل على الله عز وجل، فالنبي صلى الله عليه وسلم خطط للأمر جيدا؛ حيث تم اختيار الصديق وتجهيز الراحلة والمرشد الماهر الأمين، إضافة إلى توزيع الأدوار الجيد في عملية الهجرة كلها، واستكمل ذلك كله بحسن التوكل على الله عز وجل.
تمثل مواقف النبي صلى الله عليه وسلم في الهجرة بجميع مراحلها الدرس العملي للقدوة؛ من حيث الصبر والتضحية والعمل بدون يأس، ثم التخطيط الجيد والتنفيذ وانتهاء بالاستقرار والبناء، كذلك ”الشهامة” من القيم المهمة عند العرب قبل الإسلام وبعده؛ حيث أبرزت لنا حوادث الهجرة شهامة عثمان بن أبي طلحة رضي الله عنه قبل إسلامه مع السيدة أم سلمة رضي الله عنها.
من أبرز القيم التي أكدتها الهجرة المباركة هي المواطنة والتعايش السلمي؛ حيث قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة وبها العديد من الطوائف، فوضع النبي صلى الله عليه وسلم وثيقة المدينة لترسيخ مبدأ المواطنة والتعايش السلمي”.
وتابع: “جاء نص الوثيقة كالتالي: هذا كتاب من محمد النبي (رسول الله) صلى الله عليه وسلم بين المؤمنين والمسلمين من قريش وأهل يثرب، ومن تبعهم فلحق بهم وجاهد معهم، إنهم أمة واحدة من دون الناس، وإن على اليهود نفقتهم، وعلى المسلمين نفقتهم، وإن بينهم النصر على من حارب أهل هذه الصحيفة، وإن بينهم النصح والنصيحة، والبر دون الإثم، وإنه لم يأثم امرؤ بحليفه، وإن النصر للمظلوم، وإن اليهود ينفقون مع المؤمنين ما داموا محاربين، وإن يثرب حرام جوفها لأهل هذه الصحيفة، وإن الجار كالنفس غير مضار ولا اثم، وإنه لا يحول هذا الكتاب دون ظالم أو اثم، وإنه من خرج ومن قعد امن بالمدينة، إلا من ظلم وأثم، وإن الله جار لمن بر واتقى، ومحمد رسول الله صلى الله عليه وسلم”.