مصر أم العجائب .. مقولة شهيرة يرددها كل من يزور هذا البلد الأمين أو يعيش فيه أو يتجول في شوارعه وحواريه التي تحكي تاريخ بلد يضرب في أعماق التاريخ بأكثر من 7 آلاف عام والتي تعكس حالة التنوع الخطيرة في ثقافاته ومفرداته اللغوية .
ويكفي أن تعرف أن المصريين حين يريدون امتداح ذكاء شخص ما فإنهم يقولون عنه أنه “واد ابن حرام” فهذه كنية عن أنه أسطورة في الذكاء، وحين يريدون وصف شيء بأنه لا مثيل له يقولون أنه “جاحد”، متجاهلين في سبيل ذلك المدلول اللفظي لهذه الكلمات الذي يعبر أولهما عن سب في الشرف والثاني صفة مقيتة جدا في البشر ألا وهي الجحود .
الأمر نفسه يشاهده كل من يرتاد شوارع المحروسة ويتأمل يافطات المحال التجارية لا بد أن يضرب كفا بكف، وخصوصا أسماء المطاعم التي تدعو للضحك حينا، وللجنون أحيانا معظم الوقت.
وتتعدد روافد هذه العجائب التي تنعكس في طريقة حياة أهله والسلوكيات اليومية التي يتفردون بها على باقي شعوب العالم.. ولعل من أهم هذه الشواهد أسماء المحال التجارية والمطاعم التي تتخذ من الإثارة والطرافة طريقاً مضموناً للشهرة والالتصاق بذاكرة المستهلكين.
فمن يتجول في شوارع المحروسة ويتأمل يافطات المحال التجارية لا بد أن يضرب كفا بكف، وخصوصا أسماء المطاعم التي تدعو للضحك حينا، وللجنون أحيانا معظم الوقت.
ومنذ فترة نشر خبر مثير حول غلق السلطات المحلية لمطعم “عبده تلوث” الذي يعتبره الكثيرون أحد أشهر مطاعم الـ “تيك أواي” بحي المهندسين الراقي بمحافظة الجيزة.. وكان سبب الغلق أن المسئولين اكتشفوا أن المحل يعمل بدون أية تراخيص منذ ما يزيد على 20 عاماً.
لكن الأمر الأكثر إثارة للدهشة من حالة الغفلة عن عدم ترخيص هذا المحل اسم المطعم نفسه “عبده تلوث”، فإن كانت مسألة استخراج التصاريح والتراخيص ربما يتفهمها البعض على أنها أوراق محفوظة داخل الأدراج.. فهل هذه اليافطة التي لا تخطئها عين وهذا الاسم الذي يدق كالطبل لم يلفت انتباه مسئول طوال هذه السنوات العشرين.
الطريف في الأمر أن هذا ليس هو الاسم الغريب الوحيد في شوارع المحروسة، فعلى طول الطريق الممتد من قاهرة المعز الفاطمية وبالتحديد منطقتي السيدة زينب والحسين يشاهد كل من يتجول بشوارع مصر العتيقة محالا تحمل أسماء غريبة يجمع المراقبون على أنها تحتاج وقفة من المسئولين لإعادة النظر فيما تحمله من ألفاظ تخرج عن سياق الذوق العام.
وأثناء جولتنا فى حي شعبي آخر وهو حي الشرابية ما لبثنا أن سألنا على أشهر المطاعم هناك فلربما يصادفنا اسم من الأسماء العادية فإذا باسم” العبيط” يفاجئ أسماعنا..!! فسألنا على مكانه وذهبنا إليه فوجدنا زحام شديد جدا وإذا بالأعلى لافتة كبيرة مكتوب عليها “العبيط ملك الكشري” فسألناهم لماذا تأكلون من عند العبيط فقالوا أنه هو ملك الكشري وأفضل مطعم فى مصر فى عمل الكشري.. ولم تصيبنا الدهشة حينما علمنا أن العبيط أيضا هو اسم العائلة.
مطعم الجحش، أشهر محل لتقديم أطباق الفول والفلافل في مصر، ويقع على بعد أمتار من مسجد السيدة زينب الشهير وبالتحديد في شارع بركة الفيل، وهو عبارة عن بناء غريب يتخذ شكل شبه منحرف، لا يمكن وصفه بأنه مطعم سياحي بالمعنى المعروف اللهم إلا لأنه يرتاده السائحون دائما حتى أن كثيرا من سائقي الأجرة باتوا متعهدين توريد سياح لهذا المطعم الذي يعتبر مزارا أثريا لكل من يعشق تراث مصر.
وإمعانا في الشهرة قام صاحب المحل واسمه حنفي الجحش ـ وأولاده سيد وفرج الجحش ـ بوضع يافطة عملاقة تضيء ليل نهار وهي مطعمة برسوم لجحوش كثيرة، بعضها يجلس إلى المقهى ويدخن الشيشة، وبعضها يقرأ الصحف، أما اللافتة الرئيسية فتحمل صورة “جحشين” يقبلان بعضهما وبينهما قصة حب يجسدها قلب أحمر غاية في الرقة مكتوب عليها “ماي لاف” أي حبيبي….
وقد سارع احد أصحاب المطاعم القاهرية باستنساخ فكرة الجحش فانشأ مطعم البغل ودخل حلبة التنافس التجاري على اكتساب ثقة ذويقة الطعام وسارع آخر إلى تسمية محل الحلويات الذي يملكه باسم “الخول” ليكون ماركة تجارية ذائعة الصيت فكان له ما أراد، هذا طبعا بخلاف محل الفول الشهير بمنطقة الحسين والذي يحمل نفس الشتيمة، عفوا الاسم.
وعلى هذا المنوال ظهرت سلسلة مطاعم تحمل أسماء غريبة وتكون هذه الأسماء في كثير من الأحيان “وش السعد” على أصحابها فربما يقبل عليها الزبائن ليس لجودة ما تقدمه من منتجات ولكن لغرابة أسمائها، من بينها محل “العبيط” الذي يبيع الحلويات الشرقية ودائما ما يقوم بترديد عبارة “دوق حلاوة العبيط وادعي له”.
وهناك بعض الأسماء التى أطلقها الناس على بعض المطاعم التى يشترون منها الأكلات وأشهر هذه المطاعم هي”زيزو” “والمشهور بـ زيزو نتانة” والغريب أنك تجد زحام شديد ولو سألت أى شخص يشتري من عند نتانة يقول لك أن زيزو نتانة هو ملك الكبدة..
وإذا قمت بالتجول بنفسك فستجد العديد والعديد من الأسماء الغريبة للمطاعم والمحلات التى تقدم الأكلات الشعبية فى الأحياء المصرية فسوف تجد على سبيل المثال .. محمود تيفود والحاج زبالة وشكل…الخ من الأسماء الغريبة والعجيبة..!! وبعد أن انتهينا من تلك الجولة المثيرة تمنينا أن تكون الأكلات التى تقدمها تلك المحلات والمطاعم بعيدة كل البعد عن التلوث والنتانة ولا تسبب لنا التيفود ولا أى مرض آخر وأن يكون طعام نظيف أيضا ومفيد فلا يكون كطعام “البغل”أو الجحش”…!!!
كبابجي “هوهو”
لعل أول ما يتذكره كل من يمر بشارع 26 يوليو ووكالة البلح في طريقه إلى شارع الصحافة ـ بمنطقة وسط البلد ـ حيث يقع ذلك المطعم الضيق جدا الذي لا تزيد مساحته عن عدة أمتار ويستولي على عشرات الأمتار عبر احتلال الرصيف ووسط بل ونهر الشارع الذي يقع فيه.
نعم إنه كبابجي “هوهو”، الذي يعرفه القاصي قبل الداني، الصغير قبل الكبير، الغني قبل الفقير، وكيف لا وهو يقدم اللحوم المشوية “كفتة وكباب وطرب وكبد وكلاوي” بسعر يقل كثيرا عن المطاعم المنافسة، حيث يمكنك في النهاية اكتشاف أن تكلفة التهامك لوجبة مشوية يقترب إلى حد كبير من أسعار الفول والطعمية .
فبجنيهات معدودة تحصل على رغيف منتفخ بأصابع الكفتة اللذيذة ـ بغض النظر عن نوع اللحم المستخدم في تصنيعها ـ هذا طبعا بخلاف “الوصاية” وهي تتعلق بالكميات الزائدة عن الوزن، فيكاد يقترب الربع كيلو عنده من النصف كيلو.
فلا مانع عند الصنايعي أن يضيف “سيخين” كفتة إضافيين على الرغيف بدون ما تطلب أنت مرددا: وآدي كمان الوصاية علشان تاكل وتدعي لعمك إبراهيم.. هوهو ، هوهو، “فاهم”، ولا داعي من زيادة الكلام دا غير طبعا السلاطات والعيش.، وتنتشر ترابيزات المحل ـ الذي لا تتعدى مساحته المترين طولا وعرضا ـ لتحتل الرصيف.
وبنهم غير مسبوق تشاهد جميع الزبائن يرفعون صحن الشوربة الأصلي المستخلص من “بهاريز” العظام والكوارع ولحم الرأس، ونصيحة غالية ألا تشغل بالك بمحتوى هذا الصحن حيث تكون الشوربة قاتمة اللون لدرجة أنك لا تستطيع أن تميز إذا ما كانت هذه فعلا شوربة أم ماء معكر بالطحالب.
يعرف القاصي والداني من أبناء منطقة إمبابة محل “المستهبلة” المتخصص في بيع منتجات “أي حاجة بـ2.5 جنيه” حيث من المعتاد أن تسمع أحد الأشخاص وهو يصف موعد لقاء مع شخص آخر أو عنوان ما عن طريق ذكر اسم هذا المحل الغريب.. فيقال مثلاً .. قبل “المستهبلة” بنمرتين بحيث أصبح هذا الاسم “براند” شهير وأحد أهم معالم المنطقة.
وإذا وصلنا لمحطة أبو جاموس الشهيرة بشارع الملك فيصل ـ المكتظ بالسيارات والبشر ـ ستجد أنه اسم محل لبيع الدهانات ومستلزمات البناء وحين استفسرنا من صاحب الدكان عن سبب اختيار هذا الاسم رد علينا بأنه امتداد لاسم العائلة العريقة بمحافظة الشرقية ـ شرق العاصمة المصرية ـ .