كانت رغبته في القتل والسرقة نازع طفولي وفطري، رغم ثراء أسرته وعدم حرمانه من أي شئ، إلا أنه كان يفضل السرقة منذ طفولته، فتطور الأمر في شبابه ليتحول إلى سفاح حير الشرطة والشارع المصري في ستينيات القرن الماضي، إنه سفاح القرن العشرين “محمود أمين سليمان”، الذي ألف له الكاتب العظيم نجيب محفوظ رواية اللص والكلاب التي أصبحت فيلمًا شهيرا يلخص حياة السفاح.
بداية النشأة :
بدأت رحلة محمود سليمان منذ الطفولة، عندما ترك والده قريته بصعيد مصر مركز أبوتشت – محافظة قنا وهاجر إلى لبنان عام 1920 من أجل البحث عن مصدر رزق جدید وأسس هناك شركة صغیرة لشحن البضائع، واستقر فى مدینة طرابلس اللبنانية بجوار مقر شركته، وھناك تزوج ورزق بخمس بنات وثلاثة أولاد منھم محمود.
كان الطفل الصغير محمود متمردا دائمًا على الأسرة والمدرسة، يسرق أموال والده ليصرف على متعته الشخصية، ثم يسرق من الجيران، وكانت بدایة عھده بالسرقة في طفولته وھو فى عمر7 سنوات عندما سرق 4 ثمرات (خیار) واكتشفت والدته السرقة فقامت بمعاقبته، وفي واقعة أخرى سرق محمود 4 بنادق من مخزن أسلحة تابع لمعسكر الجيش البريطاني.
طريقه إلى السرقة
قبض على سليمان لأول مرة و ھو طفل بسن التاسعة عندما التحق بعصابة متخصصة في سرقة منازل الأثرياء وكان دوره أن يتسلق الأسوار العالية لرشاقته وخفة وزن ولكن الشرطة قامت بتسليم محمود لوالده لحداثة سنه.
وفي يوم من الأيام، وعندما كان محمود لا يزال شابًا يافعًا، قام بالتعاون مع أحد العصابات بالتخطيط لأكبر سرقة ممكنة، وهي سرقة الرئيس اللبناني في هذا الوقت، كميل شمعون.
السرقة الأعظم لطفل
عندما كان محمود أمين سليمان يتملص من مرحلة الطفولة قاده حظه إلى المشاركة في واحدة من أعظم السرقات في التاريخ، وهي سرقة الرئيس اللبناني كميل شمعون، وخلال هذه العملية صار كل شيء بصورة طبيعية إلى أن استخدم أحد معاوني محمود السلاح لقتل واحد من الحراس، وهنا حدث الإنذار وتم القبض على كل اللصوص وتوجيه أحكام شديدة لهم تصل إلى السجن المؤبد، لكن ما هي إلا شهور قليلة حتى تمكن محمود سليمان من الهرب من السجن والعودة إلى مصر ملتحقًا بعائلته وفاتحًا صفحة جديدة في تاريخه الإجرامي، صفحة أعنف وأكثر شراسة.
إخفاء أعماله الإجرامية
رجع محمود سليمان إلى مصر وهو يهدف إلى توسيع نشاطه الإجرامي، خاصةً وأنه لم يكن أحد يعرفه أو يسمع بما فعله في لبنان لضعف الإعلام وانتشار الأخبار آنذاك، ولذلك استغل موت والده وباع بعض أملاكه واشترى به الكثير من الكتب، ثم أسس دار نشر ومطبعة، كان يُريد بناء ستارة يخفي بها نشاطه الإجرامي ورائها.
نجحت خطة محمود فبعد أشهر قليلة أصبح يُعرف بكونه راعي الثقافة في مصر، وقد مكنته تلك السمعة من الاختلاط بين أوساط المثقفين والمشاهير في الفن ليبدأ في استدراج المعلومات منهم بهدف سرقتهم، فكانت ضحيته الأولى هو أمير الشعراء الشهير أحمد شوقي، حيث استغل غيابه وقام بسرقة نخلة ذهبية على شكل تمثال كان أمير الشعراء قد حصل عليها كهدية من أحد الأمراء، ثم بعد ذلك ذهب إلى سباهي باشا، ذلك المليونير الشهير في هذا الوقت، وقام بسرقة أغراض منزله.
ولم تتوقف سرقات محمود أبدًا عند هذا الحد، فقد وصلت إلى كوكب الشرق أم كلثوم، حيث قام بسرقة بيتها بالإضافة إلى بيت صاحب مصانع الغزل والنسيج بولفار.
علاقات النسائیة
بعد استقراره في القاھرة وتأسیسه لدار النشر، تزوج محمود لأول مرة من فتاة تُدعي عواطف وقد اكتشف لاحقًا أنھا ليست عذراء فطلقھا، وبعد ذلك شاھد محمود فتاة جمیلة ومن أسرة فقيرة تُدعي نوال عبد الرؤوف وكانت ستتزوج قریبًا من تاجر من مدینة الزقازيق، إلا أن محمود قام بإغراء اُسرتھا بمبالغ مالية كبيرة فوافقوا على زواج محمود ونوال.
وللمرة الثالثة أوقع محمود في شباكه سيدة أجنبية تعيش في مصر تدعى “بيلا”، وقد شاهدها محمود في مكتب أحد المحامين فظن أنها امرأة ثرية تملك الكثير من المال ولكنه اكتشف لاحقًا أنها سيدة فقيرة تبحث عن زوج ثري، ولاحقًا اكتشفت “بيلا زواج محمود من نوال فطلبت الطلاق وقام محمود بتطليقها عندما اكتشف أنها لا تملك المال الذي يبحث عنه.
بداية السفاح محمود
بعد طلاق محمود أمين سليمان من زوجته الأجنبية تمكن أحد السكان من التعرف عليه ووشى به، وبالفعل جاءت الحكومة وألقت القبض عليه وحصل في النهاية على حكم بالسجن لعدد وافر من السنوات، وفي هذه الأثناء كان له صديق محامي يُدعى بدر الدين، وقد أقنعه بأنه لن يتركه وسوف يحاول الحصول على أخف حكم ممكن، وبالطبع صدق محمود وتعلق بهذا الأمل، لكنه لم يكن يعرف أنه كما خدع الكثيرين من قبل فسوف يأتي أحدهم في يوم من الأيام ويرد الصفعة له.
خلال مدة سجن محمود جاءته الأخبار بأن المحامي بدر الدين يخونه مع زوجته، وأنه يفعل كل ما بوسعه لكي يؤخر فترة مكوث محمود في السجن وليس العكس، شعر محمود بالغضب الشديد وقرر الانتقام من بدر الدين وزوجته، فهرب وتخفى كما فعل تمامًا في لبنان، وقرر حينها أن القتل هو عمله المستقبلي.
متعطش للدماء
بحث محمود أمين عن بدر الدين في كل مكان يعرف أنه سيذهب إليه، لكنه لم يجده، فقرر أن يتخلص من زوجته الخائنة أولًا، وعندما ذهب وأطلق عليها الرصاص أصاب شقيقتها فقتلها ولاذ بالهرب، ثم اكتشف بعد ذلك أنه بحاجة إلى المال فذهب إلى منازل الأثرياء الذين كانوا أصدقائه أثناء فتح دار النشر، وخلال تلك السرقات قام بقتل أفراد كثيرة من الحرس والخدم، وقد زعم أحد الأشخاص أنه يعرف مكان بدر الدين الخائن، لكنه في الحقيقة كان ينصب فخًا لمحمود، فلما أدركه قام بقتله هو ومجموعة من الخدم، وقد أدت حوادث القتل المتلاحقة تلك إلى بث الرعب في القاهرة، وعُرف بعدها أن ثمة قاتل هائج في البلاد يُدعى محمود أمين سليمان.
مصرع السفاح
انتهت أسطورة المجرم محمود أمين سليمان بمصرعه في مغارة بجبل حلوان قبيل الساعة الرابعة بعد الظهر بعد أن حاصره رجال الشرطة من طرفي المغارة وفقد كل أمل في الهروب .
تقدم الملازم أول صفوت سوريال وفى يده مدفع رشاش وعلى رأسه خوذه واقتحم المغارة ثم تبعته قوات الشرطة و انطلق وابل من الرصاص، وبعد دقائق أخرجت جثة المجرم وفى ساقه 7 رصاصات من مطاردة سابقة بشارع محمد على منذ ثلاثة أيام، وصدره ورأسه مملوءين بالعديد من الطلقات، حاول الرائد روؤف عبد الوهاب مع المجرم أن يسلم نفسه وتقدم إلى قمة المغارة ونصحه بالتسليم إلا أن المجرم رفض فكان جزاؤه مصرعه وانتهاء أسطورته .