هذه القصة التي حدثت في عهد النبي محمد صلى الله عليه وسلم مع أبو جهل عند الكعبة ونزلت الآية الكريمة من سورة العلق “فليدع ناديه سندع الزبانية كلا لا تطعه واسجد واقترب” صدق الله العظيم.
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يريد الصلاة عند الكعبة، فجاء أبو جهل وقال له: يا محمد إن سجدت عند الكعبة سوف أدوس على رأسك، فلم يهتم رسول الله صلى الله عليه وسلم لكلامه وتوجه إلى الكعبة ليصلي، فجاء أبو جهل يهدده من جديد قائلاً: يا محمد إن سجدت عند الكعبة سوف أدعو جميع أهل قريش وأجعلهم يشاهدون كيف أدوس على رأسك، ومرة أخرى لم يهتم له رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم، فدعا أبو جهل جميع أهل قريش وانتظر حتى سجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، واقترب منه لينفذ تهديده، ولكن فجأة وقف صامتاً ساكناً بلا حراك، ثم بدأ بالتراجع.
تعجب أهل قريش من فعله وسألوه: يا أبو جهل ها هو محمد ساجد وأنت لم تدس على رأسه، فلماذا تراجعت؟ فرد أبو جهل: لو رأيتم ما رأيت أنا لبكيتم دماً، فقال الناس: وماذا رأيت يا أبو جهل؟ قال: رأيت إن بيني وبينه خندقاً من نار وأهوالاً.. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “لو فعل لأخذته الملائكة عياناً”.
تفسير الآيات: أمر أبا جهل بدعوة قريش بقوله تعالى “فليدع ناديه” فرد عليه رب العالمين إذا جمعت أهل قريش فسوف أجمع ملائكة العذاب ليمنعوك بقوله تعالى “سندع الزبانية”، فقال الله لرسوله اسجد ولا تطعه وسوف أحميك، بقوله تعالى “كلا لا تطعه واسجد واقترب”.
الصدق والأمانة في حياة رسول الله
اشتهر النبي صلى الله عليه وسلم بالأمانة والصدق في قومه قبل بعثته، فكانوا يلقبونه بالصادق الأمين، وقد شهد بذلك أعداء الرسول صلى الله عليه وسلم قبل أصدقائه، فكان أبو جهل على الرغم من بغضه وعداوته الشديدة للنبي صلى الله عليه وسلم، إلا أنه لم يجرؤ على تكذيبه وهو يعلم بداخله أنه صادق، ولذلك عندما جاء رجل يسأله: هل محمد صادق أم كاذب؟ قال أبو جهل: ويحك! والله إن محمداً لصادق، وما كذب محمد قط، ولكن إذا ذهبت بنو قصي باللواء والسقاية، والحجابة والنبوة، فماذا يكون لسائر قريش؟!
وكذلك أبو سفيان قبل أن يسلم كان من أشد الناس عداوة لرسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم، وعندما سأله هرقل: هل كنتم تتهمونه بالكذب؟ فقال أبو سفيان: لا.. حتى إن صدق الرسول صلى الله عليه وسلم جعل المشركين يتخطبون في الحكم عليه، فمرة يقولون ساحر كذاب ومرة يقولون شاعر ومرة أخرى يقولون كاهن ومرة يقولون مجنون، فهم يعلمون براءة الرسول صلى الله عليه وسلم من كل هذه الألقاب والأوصاف الذميمة.
ومن أمانته صلى الله عليه وسلم أن مشركي قريش -مع كفرهم به وتكذيبهم له- كانوا يضعون عنده أموالهم، ويستأمنونه عليها، حتى أنه عند الهجرة إلى المدينة، ترك النبي صلى الله عليه وسلك علي بن أبي طالب رضي الله عنه مكانه في مكة لتسليم الأمانات إلى أهلها.
طعام في الظلام
أتى رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم ذات يوم، فأرسل النبي إلى نسائه ليضيف الرجل، فقالت النساء إنه ليس لديهن سوى الماء، فقال الرسول صلى الله عليه وسلم: من يضيف هذا؟ فقال رجل من الأنصار: أنا، فانطلق به إلى زوجته وأخبرها أن تكرم ضيف رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالت له الزوجة: ما عندنا إلا قوت صبياني، فقال: هيئي طعامك وأصبحي سراجك ونومي صبيانك إذا أرادوا عشاء، ففعلت الزوجة كما طلب منها زوجها، فهيأت طعامها، وأصبحت سراجها فأطفأته، فجعلا يريانه أنهما يأكلان، فباتا طاويين.. وفي اليوم التالي قال رسول الله صلى الله عليه وسلم للرجل: ضحك الله الليلة وعجب من فعالكما، فأنزل الله تعالى قوله: “ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون” رواه البخاري.