قامت تركيا خلال الفترة الماضية بإطلاق تصريحات معادية لـ مصر و قبرص انتقدت خلالها اتفاقية ترسيم الحدود البحرية بين البلدين ، والخاصة بشأن التنقيب عن الغاز الطبيعي شرق البحر المتوسط ، مُهددة بأنها ستتدخل في أي وقت لحماية حدودها ، حيث زعم وزير الخارجية التركي ” جاويش أوغلو ” يوم 5 – فبراير الجاري أن الاتفاقية الموقعة بين مصر و قبرص لاستغلال المصادر الطبيعية الممتدة عبر المنطقة الاقتصادية شرق البحر المتوسط لا تحمل أي صفة قانونية ، مضيفاً أن تركيا تقدمت بطلب لرفض الاتفاقية ، مُدعياً أن الاتفاقية تنتهك الجُرف القاري التركي ، موضحاً أن بلاده تُخطط للبدء في أعمال تنقيب عن النفط والغاز شرق البحر المتوسط في المستقبل القريب ، كما زعم أن التنقيب عن هذه المصادر وإجراء دراسات عليها يُعد حقاً سيادياً لتركيا .. من جانبها ردت الخارجية الممصرية يوم 6 – فبراير على تلك الإعداءات ، مؤكدة على أن الاتفاقية بين ( مصر و قبرص ) لا يمكن لأي طرف أن ينازع في قانونيتها ، مُوضحة أن أي محاولة للمساس بالسيادة المصرية مرفوضة وسيتم التصدي لها ، مُؤكدة أن اتفاقية ترسيم الحدود البحرية بين ( مصر و قبرص ) لا يمكن لأى طرف أن ينازع فى قانونيتها .
جدير بالذكر أن المنطقة الاقتصادية المصرية تقع شرق البحر المتوسط وتقدر بمساحة (200) ميل بحري من نقاط نهاية حدودها البحرية مع ( إسرائيل / قبرص ) ، وتمارس عليها مصر حقوقاً خاصة في الاستغلال واستخدام مواردها ، ولا يحق لأحد المساس بتلك المنطقة ، حيث كانت قد وقعت ( مصر و قبرص ) اتفاقية في فبراير 2003 تضمنت 8 نقاط إحداثية تحدد المساحة البحرية الخالصة لكلا البلدين ، ووقع البلدان على اتفاقية لترسيم الحدود البحرية بينهما في ديسمبر 2013 .
قام الجانب التركي خلال الفترة الأخيرة بتصعيد الأزمة مع الجانب القبرصي أثناء قيامه بالتنقيب عن البترول في نطاق مياهه الإقليمية ، حيث قامت تركيا بعدد من الإجراءات ، والتصريحات العدائية خلال الأيام الماضية جاءت على النحو الآتي :
أولاً : الإجراءات :
قامت تركيا بمنع سفينة تنقيب تابعة لشركة ( إيني ) الإيطالية من التنقيب شرق البحر المتوسط ، حيث أوقفت السفن الحربية التركية يوم 9- فبراير الجاري خلال مناوراتها شرق البحر المتوسط سفينة التنقيب ( سايبم 12000 ) الإيطالية عن العمل ، مؤكدة على أنها مُلتزمة باتخاذ الخطوات اللازمة بالتعاون مع وزارة خارجية جمهورية شمال قبرص تجاه المساعي الأحادية لقبرص الجنوبية في التنقيب عن ( النفط والغاز ) شرق البحر المتوسط ، مضيفة أن إدارة قبرص الجنوبية تُصر على اتخاذ خطوات أحادية تتجاهل حقوق قبرص الشمالية في الثروات الطبيعية لجزيرة قبرص ، رغم تحذيرات تركيا .. من جانبها نفذت السفينة الإيطالية الأوامر ، مؤكدة أنها ستبقى في مكانها إلى أن يتم حل الوضع .
قامت سفينة تابعة لحرس السواحل التركي يوم 13 – فبراير بالاصطدام بقارب تابع لحرس السواحل اليوناني ، بالقرب من الجزر المتنازع عليها بين البلدين في بحر ( إيجة ) ، وقد أعربت اليونان عن احتجاجها على أعمال الجانب التركي بسبب الحادثة في المياه الإقليمية اليونانية ، معتبرة أن الحادثة استفزازية من قبل أنقرة .. يشار إلى أنه قد وقع حادث ممثال يوم 7 – يناير الماضي ، حيث اصطدم قارب خفر سواحل تركي بزورق حربي يتبع البحرية اليونانية بالقرب من الجزر المتنازع عليها بين البلدين .
ثانياً : التصريحات التركية :
أشار الرئيس ” أردوغان ” – خلال كلمته أمام أعضاء حزب ( العدالة والتنمية ) الحاكم في تركيا يوم 13-فبراير – باحتمالية التدخل العسكري التركي في قبرص و بحر إيجة لحماية حقوق بلاده في المنطقة ، مُهدداً قبرص بعدم تجاوز الحد في شرق البحر المتوسط ، ونصح الشركات الأجنبية التي تقوم بالتنقيب قبالة سواحل قبرص بألا تكون أداة في أعمال تتجاوز حدودها وقوتها من خلال ثقتها بالجانب القبرصي .
قام رئيس الأركان ” خلوصي أكار ” يوم 9 – فبراير بتفقد أنشطة حماية المجال الجوي التركي لمنطقتي ( شرق المتوسط / بحر إيجة ) ، مؤكداً عزم بلاده على حماية حقوقها ومصالحها في جميع البحار التركية .
إلا أنه قد ظهرت بوادر من قبل الجانب التركي لإنهاء الأزمة عبر الحوار والطرق السلمية ، حيث أكد رئيس الوزراء ” بن علي يلدريم ” – يوم 14 فبراير خلال مؤتمر صحفي قبيل توجه لبيلاروسيا – أن بلاده لن تتغاضى عن التوترات الأخيرة مع اليونان ، موضحاً أن رئيسا الأركان ( التركي / اليوناني ) سيناقشا التدابير اللازمة من أجل منع تصعيد التوتر الراهن على هامش اجتماع رؤساء أركان الناتو المقرر في مايو المقبل ، مضيفاً أنه اتفق مع نظيره اليوناني على تخفيض بمنطقة ( إيجة ) عبر الطرق الدبلوماسية والحوار وإبقاء قنوات الاتصال مفتوحة بين الجانبين .
تمثل رد فعل الجانب القبرصي في عدم قيامه بالتصعيد العسكري مع تركيا وتأكيده على أنه سيتم التعامل مع الوضع بأسلوب يهدف لتجنب أي أزمة محتملة قد تخلق مشكلات اقتصادية وتجنب التصعيد .. فيما أكدت خارجية شمال قبرص ( التركية ) يوم 11 فبراير بأنها لن تترد في اتخاذ خطوات مماثلة تجاه المساعي الأحادية لقبرص الجنوبية في التنقيب عن النفط و الغاز شرق المتوسط ، مضيفة أنه لوحظ مؤخراً تحويل شركة ( إيني ) الإيطالية أعمال التنقيب عن النفط و الغاز إلى المنطقة الاقتصادية التي أعلنت سلطات الشطر الجنوبي لجزيرة قبرص عن إنشائها من جانب واحد ، مضيفة أن هذا الإجراء غير المقبول ، لأن ذلك يؤكد إصرار قبرص الجنوبية على رفع التوتر .
قامت إيطاليا بمناقشة تطورات الأزمة خلال لقاء وزيرا خارجية البلدين على هامش الاجتماع الوزاري لدول التحالف ضد تنظيم داعش في الكويت – ، حيث أكد وزير الخارجية الإيطالي ” ألفانو ” على أنه يريد حلاً للمواجهة التي تعيق شركة ( إيني ) في عمليات التنقيب عن الغاز الطبيعي قبالة ساحل قبرص ، وقد اتفق الجانبان على ضرورة أن يحافظ البلدان على علاقة الثقة لأنه من المحتمل أن تكون هناك مشاريع أخرى في المستقبل في قطاع الطاقة .. من جانبه دعـا الاتحاد الأوروبي تركيا إلى البُعد عن التهديدات والامتناع عن أي تصرفات قد تضر بعلاقات حُسن الجوار .
موقف مصر من النزاع بين ( تركيا / قبرص ) على المنطقة الاقتصادية
تُعتبر المنطقة الاقتصادية الخاصة بمصر بعيدة جداً عن أي مناطق نزاع بين تركيا و قبرص ، فلن تستطيع تركيا المساس بسيادة مصر في شرق المتوسط ، ولن تستطيع التنقيب عن الغاز في المنطقة الاقتصادية الخالصة لمصر لعدة أسباب ، من بينها اتفاقية ترسيم الحدود بين مصر و قبرص تعتبر اتفاقية دولية أودعت في الأمم المتحدة وتم توقيعها بين دولة قبرص التي تحظى باعتراف دولي وتسيطر على ثلثي الجزيرة عدا الجزء الشمالي الذي تحتله تركيا منذ عام 1974 ، وأعلنت إنشاء جمهورية شمال قبرص التركية ، ولم تعترف أي دولة في العالم بها سوى الدولة التركية ، وبالتالي فالاتفاقية سارية وملزمة قانوناً ولا يحق لتركيا أن تنازع في قانونيتها ، وأيضاً قوة مصر العسكرية خلال الفترة الحالية وتسليحها بأحدث القطع البحرية ، وذلك لحماية مياهها الإقليمية وحقول الغاز بالبحر المتوسط .