نشر مركز (كارنيجي) للشرق الأوسط تقرير ذكر خلاله أن الديمقراطية الأمريكية قد تضررت بشدة بسبب رفض الرئيس “ترامب” التنازل عن السلطة واستخدام مؤيديه للعنف والترهيب للضغط على المسئولين السياسيين، واصفاً ذلك بأنه انهيار لديمقراطية الولايات المتحدة بسبب الاستقطاب الحزبي، وأشار التقرير إلى أن هذا الاستقطاب ينمو حتى أصبح المواطنون الأمريكيون كارهين وخائفين من الطرف الآخر ويتمسكون بحزبهم وذلك ما يعرف بـ (الاستقطاب العاطفي).
كما أوضح التقرير أن هناك دوافع سياسية للاستقطاب، وأول تلك الدوافع هو أن الحزبين (الديمقراطي/الجمهوري) يخوضان منافسة شديدة، ويمكن أن نجد اليوم أن جميع انتخابات الكونجرس تكون من أجل السيطرة على الهيئة التشريعية، حيث لا يرغب أي من الطرفين في منح الطرف الآخر الفضل في التشريعات المهمة، لذلك تتفوق السياسة على الديمقراطية، ويُطلب من الناخبين المحبطين إلقاء اللوم على الطرف الآخر.
فيما ذكر التقرير أن الدافع الثاني لهذا الاستقطاب هو أن الناخبون اليوم مقسمون أيديولوجياً إلى أحزاب، والدافع الثالث هو أن الناخبون المصنفون جغرافياً وأيديولوجياً يقدمون المزيد من المرشحين الأيديولوجيين – خاصة للجمهوريين-، مضيفاً أن جمع المبالغ الضخمة المطلوبة للانتخابات يستلزم جذب مجموعة من الأفراد الأثرياء الذين غالباً ما تكون آرائهم أكثر تطرفاً من آراء الناخبين.
وأضاف التقرير أنه بسبب اختلاف الأحزاب في الولايات المتحدة فإن خسارة الانتخابات تبدو وكأنها أمر مصيري بالنسبة للأحزاب، حيث إن الطريقة التي يصوت بها الأمريكيون ترتبط بشكل وثيق بالمكان الذي يعيشون فيه والديانة التي يعتنقونها وأصولهم العرقية، ولذا فالتصويت للطرف الآخر ليس مجرد دعم لسياسات مختلفة، بل يعني مخالفة للأشخاص الذين تعيش وتعمل معهم، حتى إذا كانت لدى الناخبين مخاوف حقيقية بشأن سلوك الحزب، فإن التصويت لصالح الجانب الآخر يعني الانتقال إلى منطقة اجتماعية أجنبية غير ملائمة، مما يؤدي إلى مخاوف حقيقية، ويصبح من الأفضل والأسهل بكثير للناخب البقاء مع الوسط الاجتماعي الذي يعيش داخله.
كما ذكر التقرير أن تدمير الديمقراطية يأتي أيضاً من الداخل بواسطة حزب شعبي منتخب، حيث إنه في البلاد شديدة الاستقطاب يهتم الثوار بالديمقراطية، ولكنهم يهتمون بفوز فريقهم أكثر قليلاً من اهتمامهم بتطبيق الديمقراطية، وفي الدعوات من أجل الفوز سيسمح الحزبيون المتطرفون للديمقراطية بالانزلاق حتى تتلاشى تماماً.
وأوضح التقرير أنه من أجل تطبيق الديمقراطية يجب أن يخضع الحزبيون المتطرفون المستعدون لكسر القواعد للفوز للمراقبة من خلال الأحزاب والقوانين والمؤسسات، مشيراً إلى أن الديمقراطية الأمريكية ليست في حالة جيدة، حيث إن الأحداث منذ انتخابات نوفمبر2020 تشير إلى أن الولايات المتحدة تتنافس مع حزب جمهوري كبير انتهازي ومناهض للنظام، حيث إن الحزب يخوض الانتخابات ولكنه لا يدعم المبادئ الأساسية للديمقراطية مثل (تمكين المواطنين المؤهلين من التصويت/ نبذ العنف / التنازل عن السلطة عند الخسارة الانتخابية).
كما اتهم التقرير “ترامب” بأنه صنع لحزبه مسار سريع في اتجاه مناهض للنظام، حيث إنه قام برفض نتائج الانتخابات، وأطلق الدعوات والتهديدات المباشرة ضد مسئولي الانتخابات المحليين لتغيير الفرز، وقام بالدعوة إلى التمرد، وكان هو أول مرشح رئاسي أمريكي خاسر في التاريخ يرفض التنازل، وحرض الحشود على اقتحام مبنى الكابيتول حيث كان يقوم أعضاء الكونجرس بالتصديق على نتائج الانتخابات وتمكين نقل السلطة.
و ذكر التقرير أن مشكلة الديمقراطية الأمريكية ليست هي “ترامب”، بل هي صمت غالبية المسئولين الجمهوريين المنتخبين في جميع أنحاء البلاد مع تصاعد هذه الانتهاكات، حيث تحدث عدد قليل جداً منهم عن التهديدات بالقتل والتخويف المسلح ضد مسئولي الانتخابات وموظفي الخدمة المدنية، وظل هؤلاء المسئولون الجمهوريون صامتين ومنشغلين في المؤامرات حول تزوير الانتخابات مما سمح لمثل هذه الأوهام بالتفاقم بين مؤيديهم.
فيما أوضح التقرير أن وجود قدر كبير من الاستقطاب العاطفي بالإضافة إلى وجود عدد من الأطراف المعادية للنظام يؤدي إلى كيان صلب مناهض للديمقراطية، حيث إن الحزب المناهض للنظام يمكن أن يقوم بتبرير انتهاكات القواعد والقوانين الديمقراطية وتدمير المؤسسات، كما أن الأفراد العاملون ضد النظام يعتقدون أن لديهم أسباب لإبقاء الطرف الآخر بعيداً عن السلطة نظراً لخطورته على النظام السياسي.
و ذكر التقرير أن الحل هو إتباع استراتيجية متعددة الجوانب تساعد على تنمية تحالف سياسي جديد، ودعم المؤسسات والأعراف، وتعزيز إعادة الاتصال على المستويين الاجتماعي والاقتصادي، كما يجب إصدار تشريعات لتحسين الانتخابات مما يجعلها أقل حزبية وأكثر ثقة من قبل الناخبين، كما أن مقاضاة المخالفين للقانون يُعتبر أفضل طريقة لمنع هؤلاء الذين يسعون وراء السلطة بالطرق غير المشروعة.
و أضاف التقرير أن السياسات التي تحفز الاقتصاد في مرحلة ما بعد جائحة كورونا يحب أن تكون قوية، حيث يجب أن تشمل الرجال من جميع الأعراق الذين ليس لديهم شهادات جامعية، حيث إن الانتعاش الاقتصادي لهذه المجموعات أمر ضروري للانتعاش الديمقراطي.
كما أشار التقرير إلى أن خلاصة القول هو أن الولايات المتحدة لديها مؤسسات قوية يمكن الاعتماد عليها، ولكن لديها أيضاً تاريخ من العنف السياسي والسياسيين المناهضين للديمقراطية، موضحاً أن هذا التاريخ أعيد إحياؤه بأحداث الشغب التي وقعت في مقر الكونجرس (الكابيتول)، ولذا هناك ضرورة لاتخاذ إجراءات سريعة من قبل الإدارة المُقبلة لعكس مسار البلاد الحالي.