“من الناحية الرسمية، تكمن وظيفة صندوق النقد الدولى الأساسية فى العمل على استقرار النظام المالى، وفى مساعدة البلدان المأزومة على تلافى ما تعانيه من مشاكل، غير أن تدخلاته تبدو، فى الواقع، أشبه ما تكون بغزوات جيوش متحاربة، فقد كان، فى كل تدخلاته، ينتهك سيادة هذه الدولة أو تلك، ويجبرها على تنفيذ إجراءات ترفضها الأغلبية العظمى من المواطنين، وتختلف وراءها مساحة عريضة من خراب اقتصادى واجتماعى” هذه هى خلاصة ما يراه كتاب “صندوق النقد الدولى.. قوة عظمى فى الساحة العالمية” تأليف أرنست فولف وترجمة عدنان عباس على والصادر عن سلسلة عالم المعرفة التى يصدرها المجلس الوطنى للثقافة والفنون والآداب بدولة الكويت.
ويرى مترجم الكتاب فى مقدمته أنه “خلال الخمسين عاما المنصرمة، كان صندوق النقد الدولى أكثر المؤسسات المالية تأثيرا فى حياة جموع غفيرة من بنى البشر، فمنذ تأسيسه عقب نهاية الحرب العالمية الثانية، واظب الصندوق على أن تتسع دائرة نفوذه، لتمتد إلى أقصى انحاء المعمورة، فعدد أعضاؤه بلغ فى اليوم الحاضر 188دولة موزعة على خمس قارات.
الكتاب حافل بالموضوعات التى تدين الصندوق، فقد تتبع المؤلف أشهر القضايا والتأثيرات التى خاضها الصندوق عبر تاريخه ومنها، مؤتمر بريتون وودز، والصندوق والتجربة التشيلية، وأزمة الديون فى أمريكا اللاتينية، وعلاج الاتحاد السوفيتى بالصدمة، ويوغسلافيا.. الصندوق يمهد للحرب ويرعاها، الأزمة الأرجنتينية.. الصندوق يحتم اندلاع أكبر إفلاس حكومى عرفه التاريخ، انهيار الجهاز المصرفى فى أيسلندا العام 2008، أيرلندا.. الصندوق يتسبب فى تصاعد الفقر فى أوروبا على نحو انفجارى، اليونان.. الترويكا أعادت المجاعات إلى أوروبا، قبرص والصندوق.. بعد النهب تنطلق عمليات نزع الملكية، وغير ذلك والذى يعطى انطباعا عاما بأن الجميع قد عانى من تصرفات الصندوق الدولى.
والكتاب أيضا يصيبك فى كثير من الشخصيات العالمية عندما يكشف خضوعها لابتزاز الصندوق وتقديمها للدور المطلوب منها فى قهر شعوبها، لكن المفاجأة الكبرى تكون فى شخصية الزعيم الإفريقى نيلسون مانديلا ، فتحت عنوان “جنوب إفريقيا عقب إلغاء الفصل العنصرى.. الصندوق والمؤتمر الوطنى الإفريقى يتكاتفان ضد الشعب” يتوقف المؤلف عند مقولة رئيسة صندوق النقد الدولى كريستيان لاغارد فى تأبين نيلسون مانديلا فى 13 ديسمبر 2013 عندما قالت “كان نيلسون مانديلا قائدا شجاعا وصاحب رؤى.. فالتقدير غير المعتاد، الذى حظى به على مستوى العالم أجمع، برهان أكيد على ما بذل من جهود لجعل جنوب إفريقيا والعالم مقاما أفضل”، وهذه الكلمة أثارت كثيرا من الاستغراب لأن المفروض أن صندوق النقد الدولى كان من ألد خصوم نيلسون مانديلا، لكن الكتاب يذهب إلى أنه لم يكن كذلك.
لكن المترجم رأى أن المؤلف تجنى بعض الشيء على مانديلا وأنه لم يكن بهذا السوء الذى قدمه الكتاب
ويرى المؤلف أنه خلال رئاسة “مانديلا” لجنوب إفريقيا التى ولم تنته إلا فى العام 1999، انتهج مانديلا بمشاركة وزير المالية ومحافظ المصرف المركزى ، وبمساهمة صندوق النقد الدولى، سياسة ما كانت لها أى علاقة، بالتعهدات، التى أعطوها هو وحزب المؤتمر، للشعب الذى انتخبه رئيسا للبلاد. إن العكس هو الصحيح، فهذه السياسة لم تكن صفعة فى وجه الجماهير العمالية وفقراء المواطنين فحسب، بل هى جسدت أيضا التحول الكبير، الذى أطلق العنان لليبرالية الحديثة، وطمأن ، ليس النخبة ، فقط، التى هيمنت على مقدرات البلاد فى الأيام الخوالى، بل والمصارف الدولية والشركات العملاقة أيضا، وفيما خفضت أجور ورواتب العاملين فى الجهاز الحكومي، كانت المشاريع والفئات الغنية تهلل للتسهيلات الضريبية التى حصلت عليها.