“مات التحالف الأمريكي-التركي”. هكذا، افتتح الباحث في معهد “كايتو” دوغ باندو مقاله في مؤسّسة الرأي الأمريكية “ذا ناشونال إنترست”. وبقاء الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في السلطة يؤكد بالنسبة إليه هذه الواقعة التي ستستمر حتى في فترة ما بعد رحيله عنها. يسيطر الخلاف الأمريكي-التركي حول احتجاز القس أندرو برانسون على عناوين الأخبار.
لكن الأهم هو التباعد المتزايد بين الدولتين في ما يخص المصالح الجيوسياسية. إنّ تركيا بقيادة أردوغان لا تقاسم الولايات المتحدة القيم ولا المصالح المشتركة وهذا ما يساعد ربما على تفسير الأزمة المتدهورة في العلاقات الثنائية والتي تسبب بها احتجاز أنقرة لحوالي 15 مواطناً أمريكياً وأبرزهم برانسون.
إنّ فرض العقوبات والرسوم المتبادلة مسّ هيبة الدولتين. في هذه المرحلة، لا تستطيع أي منهما تحمل التراجع. طرح أحد الاقتراحات إطلاق سراح مدفوعاً بعامل الرأفة لبرانسون بسبب تدهور صحته النفسية الناتج عن احتجازه. لكن هذا الحل أمكن أن يكون أسهل لو جرى في وقت أبكر. إنّ الحل المتوقع سيتطلب إجراء تبادل بما أنّ حكومة أردوغان تريد إطلاق سراح هاكان أتيلا، مصرفي مقرب من الرئيس التركي، وقد أدين في الولايات المتحدة بخرق العقوبات الأمريكية المفروضة على إيران.
اقتراح أردوغان المعيب
بالمقابل، إنّ مقايضة القس بالداعية والتي اقترحها أردوغان بشكل معيب من أجل تسليم أمريكا للداعية فتح الله غولن الذي يتهمه بتدبير الانقلاب ضده، ليست طرحاً يمكن بدء المفاوضات من خلاله. فتسليم واشنطن غولن لأنقرة يتطلب دليلاً كافياً على تورط الداعية بالانقلاب وهو لم تؤمّنه أنقرة طوال سنتين. ويتطب كذلك موافقة من القضاء الأمريكي. لكن حتى مع إطلاق سراح برانسون، سيُترك أكثر من 12 أمريكياً في السجون التركية بمن فيهم عالم الناسا سيركان غولج. ويتلقى هؤلاء أيضاً معاملة “غير منصفة وغير محقة” بحسب ما وصف به ترامب احتجاز برانسون.
لا تستحق الإنقاذ
مهما كانت النتيجة، سيخلق هذا الخلاف خصومات دائمة. حتى النجاح الأمريكي في التغلب على الأتراك سيجعل العلاقات المستقبلية أكثر صعوبة إذ ستشعر أنقرة بالاستياء لفترة طويلة وسيُترك الزوار الأمريكيون يتساءلون عمّا إذا كانوا سيُخطفون لخدمة أهداف تركيا الدولية. عوضاً عن محاولة تغطية الشقوق المتسعة في العلاقة، على واشنطن إنهاء وهم أنّ هنالك شيئاً مميزاً في هذه العلاقة كي تستحق الإنقاذ. يجب على إدارة ترامب أن تتحرك قدماً على افتراض أنّ الدولتين خسرتا أي ادعاء بوجود أهداف ليبيرالية مشتركة وأنهما ستنتهيان عند طرفي نقيض حول عدد من المسائل الجيوسياسية المهمة للولايات المتحدة. طالما أنّ أردوغان رئيس لتركيا ستكون أمريكا واحدة من أكباش فدائه.
الخطوة الأولى
على الولايات المتحدة اتخاذ مقاربة جديدة نحو تركيا. ينبغي أولاً أن تدرك أنّها قوة عظمى وليست في موقع المستجدي. تتمتع تركيا بموقع جغرافي رائع لكنّه يفيد العمليات الهجومية الأمريكية عوضاً عن الإجراءات الدفاعية. على الصعيد الجيوسياسي، إنّ تحول تركيا إلى دولة محايدة أو مناوئة هو تطور غير مناسب لكنه ليس مدمراً. بوتين ليس بديلاً للاتحاد السوفياتي وموسكو لا تهدد أوروبا بالحرب كما أنها ليست في موقع السيطرة على الشرق الأوسط، مع أو بدون مساعدة أنقرة. حين تتبع حكومة أردوغان سياسات مناقضة لمصلحة واشنطن مثل إطلاق مواقف عدائية ضد إسرائيل أو مهاجمة الأكراد السوريين أو التسامح مع نشاطات داعش وتجارته عبر حدودها أو شراء أسلحة من موسكو، تكون في موقع السعي نحو ما تعتقد أنّه مصلحتها.
مجرد أمنية
سيكون أفضل للأمريكيين إذا تبنت تركيا أهدافهم. لكن مجرد تمني أن تكون أنقرة شريكاً استراتيجياً لن يحقق لهم أمنيتهم. إنّ السعي وراء إرضاء أردوغان سيعطيه نفوذاً أكثر مما يستحق. ضمن مقال رأي له في صحيفة “نيويورك تايمز” هدد أردوغان ب “البدء بالبحث عن حلفاء وأصدقاء جدد”. يعلق باندو على هذا التهديد كاتباً: “دعوه يفعل. في الواقع، لقد سبق أن بدأ بذلك”.
وحذّر ماثيو بريزا الباحث في المجلس الأطلسي من أنّ التخلي عن تركيا الآن سيضعف منظمة حلف شمال الأطلسي ويضعف النفوذ الأمريكي في الشرق الأوسط ويهدد التحالف الذي يحارب داعش. لكنّ باندو يرد بأنّ هذه الأمور الثلاثة تحدث اليوم حتى مع مواصلة واشنطن اليوم محاولة تحسين العلاقة الثنائية وسط السلوك التركي السيئ.
خطوتان أخريان
سيتوجب على أنقرة طرح مسألة عضوية تركيا في الناتو لأنّ خروقاتها العديدة لحقوق الإنسان والديموقراطية كانت لتجعلها غير مؤهلة لدخول الحلف اليوم. وكعضو في هذا الحلف، يبدو أن تركيا ستؤدي على الأرجح دوراً خبيثاً بشكل متزايد. وقد تخلص أردوغان من الضباط المقربين من الناتو عقب انقلاب يوليو، وسيستخدم الحلف لعرقلة مصالح الغرب في المستقبل بدلاً من تعزيزها. كذلك، ينبغي على واشنطن سحب أسلحتها وأفرادها غير الأساسيين من تركيا وخصوصاً في قاعدة إنجرليك. والأسلحة النووية الموجودة هناك ليست محمية ويجب إرجاعها إلى الأراضي الأمريكية. رأى باندو أنّه آن أوان الطلاق داعياً إلى أن يكون حبياً قدر الإمكان.