قال الدكتور أحمد دهشان رئيس قسم الثقافة والدعوة الإسلامية، إن حياة النبى صلى الله عليه وسلم الزوجية كانت مثالاً يحتذى وأنموذجاً نظرياً وعملياً لا مثيل له فى حياة الأزواج، فكانت أقواله موافقة لأفعاله، ولم تكن حبراً على ورق للاستهلاك المحلى أو الإعلامى، وإنما كانت تنفيذاً عملياً للوحى الإلهى فى عالم الواقع، فهو القائل صلى الله عليه وسلم: «أكمل المؤمنين إيماناً أحسنهم خلقاً، وخياركم خياركم لنسائهم».
ولفت إلى أن أصحاب السير ذكروا نماذج عملية كثيرة تجسد حياته صلى الله عليه وسلم الزوجية، ومنها المشاركة اللطيفة والرومانسية فى الأكل والشرب، فكان صلى الله عليه وسلم يشارك نساءه المأكل والمشرب من نفس الإناء، فعن السيدة عائشة رضى الله عنها أنها قالت: «كُنْت أَشْرَبُ فَأُنَاوِلُهُ النَّبِى صلى الله عليه وسلم، فيضَعُ فَاهُ عَلَى مَوْضِعِ فِيَّ». وأشار إلى أن النبى صلى الله عليه وسلم كان يخرج مع زوجاته للتنزُّه لزيادة أواصر المحبَّة، فيروى البخارى: «كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إِذَا كَانَ بِاللَّيْلِ سَارَ مَعَ عَائِشَةَ يَتَحَدَّثُ»، لافتاً إلى أنه لم يرد عنه صلى الله عليه وسلم أنه ضرَب امرأة، أو حقرها، أو أهانها، لقد عاشت زوجاتُه معه عيشة كريمة ملؤها المحبَّة والوئام، فعن السيدة عائشة رضى الله عنها قالت: «ما رأيت رسولَ الله صلى الله عليه وسلم ضرب خادماً له قط، ولا امرأة له قط، ولا ضرب بيده شيئاً قط، إلَّا أن يجاهد فى سبيل الله».
ونوه دهشان، إلى أنه صلى الله عليه وسلم كان أعدل الناس بين أزواجه، حيث تقول السيدة عائشة: «كان رسول الله لا يفضِّل بعضنا على بعض فى القسم من مكثه عندنا، وكان كل يوم إلا وهو يطوف علينا جميعاً، فيدنو من كل امرأةٍ من غير مسيسٍ، حتى يبلغ إلى التى هو يومها فى بيت عندها»، ولم يمنعه مرضه الذى مات فيه من أن يعدل بين نسائه، فتقول عائشة: «لمَّا ثَقل النبى صلى الله عليه وسلم واشتد وجعه، استأذن أزواجَه أن يمرّض فى بيتى، فأذِنَّ له..». وأوضح أن النبى صلى الله عليه وسلم عاش مع زوجاته عيشة ملؤها التواضع ولِين الجانب، فلَم يتعال أو يترفَّع عليهن، كما يفعل كثير من الأزواج، حيث سئلت السيدة عائشة عما كان النبى صلى الله عليه وسلم يصنع فى بيته؟ فقالت: «كان يكون فى مهنة أهله – تعنى خدمة أهله – فإذا حضرت الصلاة، خرج إلى الصلاة»، وفى رواية أخرى «ما كان إلا بشراً من البشر، كان يفلى ثوبَه، ويحلب شاته، ويخدم نفسه»، «كان يخيط ثوبَه، ويخصف نعلَه، ويعمل ما يعمل الرجال فى بيوتهم». وأشار إلى أن رسول الله كان يأخذ برأى زوجاته ويشاورهن فى شئون قيام الدولة، ففى يوم الحديبية أمر رسول الله أصحابه أن ينحروا الهدى ثم يحلقوا، فلم يفعل ذلك منهم أحد، وردد ذلك ثلاث مرات دون أن يستجيب أحد إلى أمره، ولمَّا لم يستجب أحد إلى أمره، دخل رسول الله على زوجته أم سلمة رضى الله عنها، فذكر لها ما لقى من الناس، فقالت: يانبى الله، أتحب ذلك، اخرج لا تكلِّم أحداً منهم كلمة حتى تنحر بُدْنك، وتدعو حالقك فيحلقك، فخرج فلم يكلِّم أحداً منهم حتى فعل ذلك؛ نحر بُدنه، ودعا حالقه فحلقه، فلمَّا رأَوْا ذلك، قاموا فنحروا، وجعل بعضهم يحلق بعضاً حتى كاد بعضهم يقتل بعضاً، ورغم خطورة هذا الموقف إلاَّ أن رسول الله استحسن رأى أم المؤمنين أم سلمة رضى الله عنها، فكان خيراً وبركة على الأُمَّة كلها.
وتابع: لقد كانت أبوة رسول الله لأبنائه وبناته وأبناء المؤمنين أبوة حانية رحيمة لا تكلف فيها، ومن أهم الأمثلة على ذلك رحمته صلى الله عليه وسلم بالأطفال، فعن أبى هريرة رضى الله عنه قال: قَبَّل رسول الله الحسن بن على، وعنده الأقرع بن حابس التميمى جالساً، فقال الأقرع: إن لى عشرة من الولد ما قبلت منهم أحداً، فنظر إليه رسول الله ثم قال: «من لا يرحم لا يُرحم»، ومن صور رحمة النبى صلى الله عليه وسلم بالأطفال أنه دخل على ابنه إبراهيم، وهو يجود بنفسه – أى فى سياق الموت – فجعلت عينا رسول الله تذرفان وقال: «إن العين تدمع، وإن القلب يحزن، ولا نقول إلا ما يرضى ربنا وإنا بفراقك يا إبراهيم لمحزونون»، فأعطى النبى حق العبودية فى الصبر والرضا والتسليم لأمر الله تعالى. واستطرد: فقد أعطى ابنه حقه فى الرحمة والشفقة وذرف الدمع والحزن على فراقه وهذا من أكمل صور العبودية، ولما مات ابن ابنته فاضت عيناه فقال له سعد بن عبادة: ما هذا يارسول الله؟ فقال: «إنها رحمةٌ، جعلها الله فى قلوب عباده، وإنما يرحم الله من عباده الرحماء».
وقال دهشان، إن ذلك ظهر جلياً فى أحد المواقف عندما مد الحسن رضى الله عنه- وهو طفل صغير- يده إلى تمر صدقة، فأسرع رسول الله وانتزع تلك الثمرة من فيه قائلاً له: «أما علمت أن الصدقة لا تحل لآل محمد»، فقد رباه منذ الصغر على التوقى من الحرام وإبداء منتهى الحساسية فى هذا الموضوع. وأوضح أن النبى قدم نموذجاً فريداً فى التعامل مع الإناث، وليس فى الإسلام تفاضل بين الذكر والأنثى، وهذا ما أظهره رسول الله بنفسه، فقد كانت السيدة فاطمة عندما تقبل على رسول الله وتزوره يقوم لها ويأخذ بيدها ويجلسها بجانبه، ويسأل عنها وعن أحوالها ويظهر حبه لها، وعندما تقوم يقوم معها ويودعها بكل لطف. ونوه إلى أن من أهم ما نتأسى به برسول الله هو علاقته بأصحابه رضى الله عنه، فعلاقته بهم ترتكز على المحبة والمودة وحسن التآلف وجميل العشرة، ومن أهم المواقف التى يمكن رصدها تتمثل فى مشاركته صلى الله عليه وسلم أصحابه فى أفراحهم وأحزانهم، كما كان يمزح معهم ولم يمنع مقام النبوة ذلك، كما كان صلى الله عليه وسلم شجاعاً يحرس ولا يُحرس، وكان يتقدم أصحابه ليحميهم ولا ينتظر منهم حماية، كما كان يشاورهم فى أمور كثيرة.