تحقيقات و تقاريرعاجل

ماكرون يواجه واقعاً جديداً.. والسبب “السترات الصفراء”

شهد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أياماً عصيبة خلال الأسابيع الماضية، بعد موجة من الاحتجاجات من قبل “السترات الصفراء”، خاصة في شوارع باريس، حيث صاح المتظاهرون مطالبين باستقالته كما وصفوه بأنه “رئيس متعجرف للأثرياء”.

وبعد أن أصبحت الاحتجاجات في نهاية الأسبوع الماضي إلى أصغر حجماً وأكثر تحفظاً جزئياً بسبب الإغاثة الاقتصادية السريعة التي وعد بها ماكرون، فضلاً عن تحول في المزاج الوطني بعد الهجوم الإرهابي في ستراسبورغ، يبدو أنه حصل على إعفاء مؤقت لحكومته بعد أن كانت على المحك، لكن يبدو أن شكله واتجاهه سيتغيران.

الوعود بثورة اقتصادية 

انتخب ماكرون في 2017 إثر وعوده بإحداث ثورة في الاقتصاد الفرنسي، وإحداث تغيير في سوق العمل بالإضافة إلى نموذج الرعاية الاجتماعية، إذ واجه بالفعل النقابات، وأعاد صياغة قوانين العمل وخفض الضرائب للشركات والأغنياء، باسم النمو الاقتصادي الحافز.

وأشار سياسيون واقتصاديون لصحيفة “نيويورك تايمز”، إلى أن حركة “السترات الصفراء” أجبرت ماكرون على التراجع عن بعض الزيادات الضريبية والتحرك لوضع المزيد من الأموال في جيوب أفقر العمال، كما أجبرته على إعادة التفكير في مقترحاته المقبلة لتغيير القوانين المتعلقة بالمعاشات التقاعدية والبطالة.

وقال أستاذ في العلوم السياسية في جامعة بو للعلوم برونو كوترز، إن “النتيجة هي أن هناك ما قبل السترات الصفراء وما بعدها، وماكرون لا يمكنه أن يواصل إصلاحاته بسرعة البرق”، وتوقع أن حركة “السترات الصفراء” يغذيها مزيج من عدم المساواة المالية، والفشل في النظام الانتخابي في فرنسا، والإحباط من أنه لا يوجود من يسمع له.

وتتجه السترات الصفراء إلى الشوارع ومداخل الطرق السريعة إلى البلدات والقرى، كما أنها تستغل مجال الإنترنت المجاني، ويأخذون اسمهم من السترات الفلورية التي يطلب من السائقين الاحتفاظ بها في سياراتهم لحالات الطوارئ.

محاولة استجابة
وقال رؤساء البلديات والمسؤولون المنتخبون الآخرون الذين بدأوا التواصل مع أعضاء شركة “فيست فيست” المحلية، إن “ماكرون ليس لديه خيار سوى قبول مشروع في محاولة للاستجابة لمطالب للحركة”.

وأضافوا أن “ظهور السترات الصفراء يعكس مشاكل دائمة في النظام الفرنسي الاقتصادي والسياسي، وماكرون هو نفسه المسؤول عن ذلك”، مشيرين إلى أنه تجنب الاجتماع مع رؤساء البلديات والمسؤولين المنتخبين ورفض العروض التي قدمتها النقابات للعمل معه.

وأوضح رئيس استطلاعات الرأي في “إيفروب”، جيروم فوركيه، أن “ماكرون لم يفعل الكثير لمساعدة نفسه في هذا الصدد، فالسياسة التي قام بها وإنهاء الضريبة على ثروات كبيرة، وتقليص دعم الإسكان والمضي قدماً في زيادة ضريبة الوقود جنباً إلى جنب مع بعض تعليقاته، مثل (للعثور على وظيفة لديك فقط لعبور الشارع)، كل هذا ركز على الانتقادات الموجهة إليه”.

وبدوره، قال عضو البرلمان من لوار في وسط فرنسا ريتشارد راموس، حيث لا يزال يعمل كعضو في مجلس المدينة ويدعم الرئيس، إن “ماكرون أخطأ عندما لم يستمع إلى السياسيين المحليين قبل أن يمضي قدماً في خططه الاقتصادية وإلغائه للضرائب المدفوعة من قبل أغنى أغنياء فرنسا”.

وأضاف أن “معظم أعضاء (السترات الصفراء) الذين واجههم هم أصحاب الأجور أو أصحاب الأعمال الصغيرة الذين يرغبون في دفع أجور موظفيهم أكثر ولكنهم لا يستطيعون تحمل نفقاتها”، موضحاً أنه “لا يمكن حل أزمة الثقة هذه من خلال خطاب دام 13 دقيقة، لكن ما يجعل الأمر معقداً هو أن السترات الصفراء لا تعترف بنا كممثلين للأمة، يقولون لنا، أنتم لا تستمعون إلينا، لذا قبل أن نتمكن من التحدث، علينا أن نجدد ثقتهم”.

ورأى رئيس بلدية بلدة بليزير الصغيرة، جوزيفين كولمانسبيرغر أنه “لا يمكنك القيام بمشروع أو بناء شيء دون مشاركته أو تكوينه مع الناس الذين يعيشون هناك، أعتقد أن الرئيس يجب أن يعمل بهذه الطريقة مع الشعب الفرنسي، وإلا فإنه لن يجتاز الأزمة”.

وذكر أستاذ العلوم السايسية، كوترز، أن انتخاب ماكرون هو بمثابة تناقض في الديمقراطية الفرنسية، حيث قد لا يتمتع السياسيون المنتخبون بشكل قانوني بالضرورة بدعم الأغلبية، ومن المرجح أن تلوح احتجاجات أكبر في الأفق، مع وجود اتجاه في صندوق الاقتراع يخاطر بإرسال أقصى اليمين إلى السلطة.

سترات صفراء لا تختفي
وعلى الرغم من إعلان ماكرون لإعفاءات ضريبية وإنفاق في خطابه الذي ألقاه في 10 ديسمبر الجاري، لمساعدة أفقر العمال وأولئك الذين لديهم دخل ثابت، فقد أوقف بالفعل زيادة مخططة في ضريبة الوقود، إلا أنه لم يتراجع عن إصلاحه الأكثر أهمية حتى الآن، وهو إصلاح شامل لقانون العمل، كما أنه لم يتراجع عن مجموعة التغييرات الضريبية التي شملت إلغاء الضرائب المدفوعة من قبل الأثرياء.

وقد دفعه حزب اليسار إلى التوبيخ بسبب فشله في إعادة فرض ضريبة الثروة، في حين أن حزب اليمين قد ارتاح في شركته الدائمة بشأن التغييرات التي قام بها بالفعل، وقدم ماكرون 16 مقترحاً إصلاحياً رئيسياً للحكومة، من ضمنها مطالب حركة “السترات الصفراء” وتشمل إصلاح نظام التأمين ضد البطالة ومدفوعات الضمان الاجتماعي، وتخفيض حجم الحكومة.

وبالنسبة إلى الخبير الاقتصادي الذي عمل مع ماكرون أثناء الحملة والذي يدرس في جامعة بو فيليب أغيون، فإن المشكلة تكمن في أن إصلاح سوق العمل، يجب ألا يتم بدون مساعدة الطبقة الوسطى والفقيرة العاملة.

وقال: “لقد حرروا سوق العمل، لكنهم لم يضعوا الحماية الاجتماعية في مكانها في الوقت نفسه”، مبيناً أنه عندما تقوم الحكومات بتغييرات هيكلية في الاقتصاد، فعليها أن تساعد الناس من خلالهم”، وأضاف “الآن يجب على ماكرون أن يفعل المزيد لإثبات أن لديه مخاوف من السترات الصفراء في الاعتبار، عليه أن يكون أكثر سخاء بشأن التأمين ضد البطالة، على سبيل المثال، ويتجاهل المستشارين الذين يطلبون منه تقليله بمرور الوقت”.

وأوضح بيير إتيان بيلوت (40 عاماً)، الذي كان يحتج في باريس نهاية الأسبوع الماضي، أن “السترات الصفراء بالنسبة لماكرون كانت مثل قمل الرأس التي تتطلب علاجات متعددة”، مضيفاً “في يوم من الأيام سيعودون، ولن يتمكن من التخلص منهم”.

زر الذهاب إلى الأعلى