لماذا اشتملت الصلاة على القراءة والركوع والسجود وعلى التسبيح وعلى الدعاء؟ ولماذا لم تقتصر على نوع واحد من الأعمال ؟
يجيب الدكتور على جمعة – مفتى الجمهورية السابق – :
يقول ابن عطاء الله السكندري: «تنوعت أجناس الأعمال؛ لتنوع واردات الأحوال».
إن الإنسان سيجد قلبه في شيء، ويختلف هذا الشيء من شخص إلى آخر، فمنا من يحب القراءة في الصلاة، ومنا من يحب الركوع، ويشعر بالخشوع الحقيقي أثناء الركوع، ومنا من يحب السجود وأن يطيل فيه ويدعو ربه فيه، ويشعر بالخشوع الحقيقي في السجود.
فتنوع مثل هذه الأعمال إنما هو لتنوع واردات الأحوال، حالة الخشوع هذه تختلف من شخص إلى آخر، فتنوعت هذه الأعمال وتختلف من وقت إلى آخر، فتنوعت هذه الأعمال، فمرة يأتيني الخشوع قائمًا، ومرة يأتيني راكعًا، ومرة يأتيني ساجدًا، ومرة يأتيني التدبر والتأمل كذلك في أي وقت كان؛ ولذلك هذا التنوع يؤدي إلى:
أولًا: أن يستفيد كل الخلق، والإسلام نسق مفتوح عبر الزمان وعبر المكان يخاطب كل الأمم، ويخاطب كل البشر، فلابد أن تتنوع الأعمال.
كذلك تتنوع الأعمال من صلاة إلى صدقة إلى صيام إلى حج، وفي كل نوع من هذه الأنواع تأتي الواردات وواردات الأحوال فتناسب إما في ذات العمل، وإما في مرحلة من مراحل هذا العمل.
كثير من الناس يحج مرة واحدة، ولا يجد قلبه إلا في الصلاة والزكاة والصدقة، ولكن كثير أيضًا من الناس لا يستطيع أن يغيب عن بيت الله الحرام، ويرى نفسه أنه لو غاب عنه لغابت عنه هذه الأحوال والواردات؛ ولذلك يطالبنا بعض الناس أن نقول لجميع الناس: ألَّا تذهبوا مرة ثانية إلى الحج، أو لا تذهبوا مرة ثانية إلى العمرة، وأنفقوا ما تنفقونه في هذه الأماكن للناس، هذا لا يتم إلا على سبيل النصيحة، وليس على سبيل الإلزام، هذا لا يتم إلا ونحن نقول له: انظر في قلبك؛ فإن الصدقة تطفئ الخطيئة كما يطفئ الماء النار، وأن الصدقة لها نفع متعدي؛ ولذلك فانظر إلى هذا النفع المتعدي الذي سوف تنفع به الناس.
أما لماذا علق الله قلبه بالعمرة وتكرارها، أو بالحج وتكراره؟ فهذا أمر تختلف فيه واردات الأحوال بين الناس، وكن حيثما وجدت قلبك.
ولذلك عندما أثيرت قضية: هل الفقير الصابر أفضل، أو الغني الشاكر أفضل؟ فالحقيقة أن هذا قام بواجبه وهذا قام بواجبه؛ فإن واجب الغنى الشكر، واجب الغنى العطاء وألَّا ينسى غيره، واجب الغنى أن يقوم بما كلفه الله فيه من طاعة، ومن حمد، وشكر، وواجب الفقير الصبر، إنما أيهما قد تنزلت عليه الأحوال؟ فقد ينزل الله سبحانه وتعالى واردات الأحوال على الغني الشاكر فيكون أفضل، وقد يورد الله تلك الأحوال على الفقير الصابر فيكون أفضل، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء.
إذن القضية ليست قضية السلوك فقط، بل إن السلوك مثل كوب الماء، نضع فيه الماء فلابد لنا منه؛ ولذلك فالشرع الشريف عندما يأمرنا بالصلاة والزكاة والصدقة والحج لابد أن نفعل هذا، حتى نضع فيه الماء الذي يحدث الري عند الإنسان، الكوب الفارغ من غير هذه الروح لا قيمة له، ولا يستطيع أن يشبع عطش، ولكنَّ الماء من غير كوب لا أستطيع الحصول عليه؛ ولذلك يكذب من يقول بسقوط التكليف، وأنه قد وصل إلى الله سبحانه وتعالى وبينه وبين الله عمار، من أسقط التكليف فقد خالف النبي المصطفى ﷺ ، ومن خالف النبي المصطفى ﷺ فهو على خطر عظيم، ومن كان كذلك فهو قد خرج عن التكليف فخرج عن التشريف.
ولذلك فهذا دجل أن يقول أحدهم بسقوط التكليف، بل طريقنا هذا إلى الله مقيد بالأسوة الحسنة، والنبي ﷺ لما غفر الله ما تقدم من ذنبه وما تأخر ازداد في قيام الليل، وقال: «أفلا أكون عبدًا شكورًا». وصمم على هذا.
ومرة يقول للسيدة عائشة: «اتركيني أعبد ربي هذه الليلة»، فقالت: ألا إني أحب قربك، ولكن افعل ما شئت مع ربك.
وهذا المعنى، معنى أنه كلما ازداد الإنسان يقينًا بربه وحبًّا لربه، ازداد في العبادة، وازداد في الصلاة، وفي الصيام، وازداد في الطاعات .