ذكرت كلمة التغابن مرة واحدة في القرآن الكريم في سورة قرآنية تحمل نفس الاسم..
يقول الله تعالى في سورة التغابن (آية: 9 – 10): {يَوْمَ يَجْمَعُكُمْ لِيَوْمِ الْجَمْعِ ذَلِكَ يَوْمُ التَّغَابُنِ وَمَن يُؤْمِن بِاللَّهِ وَيَعْمَلْ صَالِحًا يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ * وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ خَالِدِينَ فِيهَا وَبِئْسَ الْمَصِيرُ}.
ويعني: اذكروا يوم الجمع الذي يجمع الله به الأولين والآخرين، ويقفهم موقفًا هائلاً عظيمًا، وينبئهم بما عملوا، فحينئذ يظهر الفرق والتفاوت بين الخلائق، ويرفع أقوام إلى أعلى عليين، في الغرف العاليات، والمنازل المرتفعات، المشتملة على جميع اللذات والشهوات، ويخفض أقوام إلى أسفل سافلين، محل الهم والغم، والحزن، والعذاب الشديد، وذلك نتيجة ما قدموه لأنفسهم، وأسلفوه أيام حياتهم، ولهذا قال: { ذَلِكَ يَوْمُ التَّغَابُنِ} ، كما جاء في تفسير السعدي.
أي: يظهر فيه التغابن والتفاوت بين الخلائق، ويغبن المؤمنون الفاسقين، ويعرف المجرمون أنهم على غير شيء، وأنهم هم الخاسرون، فكأنه قيل: بأي شيء يحصل الفلاح والشقاء والنعيم والعذاب؟
فذكر تعالى أسباب ذلك بقوله: { وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ } [أي:] إيمانًا تامًا، شاملاً لجميع ما أمر الله بالإيمان به، { وَيَعْمَلْ صَالِحًا } من الفرائض والنوافل، من أداء حقوق الله وحقوق عباده. { يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ } فيها ما تشتهيه الأنفس، وتلذ الأعين، وتختاره الأرواح، وتحن إليه القلوب، ويكون نهاية كل مرغوب، { خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ } .
ويوم التغابن هو اسم من أسماء يوم القيامة .
فهل يعقل ؟!
لأي فرد منا سوف يقف في هذا المشهد العظيم بأن يضيع حسناته التي من المؤكد أنه سيحتاج إلى كل واحدة منها في آفات جوارحه.. نعم أنها آفات ..
– آفة اللسان: يوم لا تستطيع أن تعطي من حسناتك لوالديك ولأولادك ولزوجتك ولكل المحببين إليك الآن، وبكل سهولة ستكون ملك لمن تحدثت عنه، ويدلا من أن تستخدم لسانك في الذكر وفي قول التحدث بالأشياء المفيدة تبدله إلى ألة للغيبة والنميمة، يقول الله تعالى في سورة عبس (من الآية 34 إلى 37): { يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ (34) وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ (35) وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ (36) لِكُلِّ امْرِئٍ مِّنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ}.
– آفة النظر: وما أدراك ما بصرك؟!.. هذه النعمة الغالية التي أنعمها الله عليك، وهناك كثيرون يتمنون أن يكونون مثلك، فأنت تستخدم هذه الحاسة والنعمة العظيمة في النظر إلى المحرمات، ولا تغض بصرك وتطلقه، وتظن أنه فعل بسيط !
– آفة السمع: هذه الهبة العظيمة التي وهبها المولى – عز وجل – إليك، وتستخدمها في سماع أخبارعن الآخرين !، يقول الله تعالى في سورة فصلت (آية: 20): { حَتَّىٰ إِذَا مَا جَاءُوهَا شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصَارُهُمْ وَجُلُودُهُم بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}.
– وغيرها من الآفات التي نقع فيها دون أن نشعر..
فهل يعقل ؟!
بأن تضيع وقتك فيما يغضب الله – عز وجل -، ولا تحاول أن تستغل كل دقيقة تمرعليك فيما يرضي المولى – جل وعلا -، وفيما يقربك إليه – سبحانه وتعالى – .
فهل يستحق يوم الجمع – يوم التغابن.. هذا اليوم العظيم، هذا المشهد العظيم ألا تعمل له ؟!
الفرصة مازالت بين يديك.. لقد وهبك الله يوما جديدا تستطيع أن تفعل فيه الكثير والكثير.. أبدأ من الآن ولا تتردد..
تأمل وفكر وقف مع نفسك وقفة جادة .. وفقنا الله وإياكم إلى كل ما يحب ..