لم يؤثر التدخل التركي في ليبيا بشكل كبير على الوضع الاقتصادي المتردي في الداخل فحسب، بل كان له أيضًا تأثير غير متناسب على الأمن الإقليمي.
فبعد تسع سنوات من سقوط القذافي، لم تنجح ليبيا في إعادة بناء مؤسسات الدولة من الصفر، أصبحت التوترات السياسية المتأصلة بين وسطاء السلطة المحليين أكثر حدة. جلبت الحروب الشديدة في البلاد كافة الأطراف إلى طريق مسدود، مما عطل أي جهد للتغلب على الأزمة الاقتصادية والاجتماعية المستمرة.
وخلق الانهيار الكامل للدولة بيئة خصبة ترعرعت فيها الجماعات الإرهابية وانتشرت بسببها مختلف الأفكار التكفيرية والراديكالية. على أعلى مستوى من تآكل المؤسسات الاجتماعية والسياسية أصبحت ليبيا التي مزقتها الحرب ساحة معركة للقوى الخارجية التي تسعى إلى طموحاتها ومغامراتها في مجال في السياسة الخارجية.
وعلقت مجلة مودرن دبلوماسي المعنية بالشأن الأوروبي على قيام تركيا بنقل آلاف المرتزقة السوريين والأسلحة المتطورة إلى ليبيا لدعم هجوم حكومة فايز السراج والمليشيات المتحالفة معها، في مواجهة البرلمان الليبي الشرعي المنتخب الذي يتخذ من طبرق مقراً له.
واعتبرت المجلة اختيار تركيا لحلفائها في الصراع الليبي ليس مفاجئا. فلا تهتم أنقرة بالشعب الليبي لأنه لا يوجد شيء مشترك بين الأتراك والليبيين باستثناء الإرث الاستعماري للإمبراطورية العثمانية. من الإنصاف القول إن الأتراك يدعمون حكومة السراج التي تضم قيادات الإخوان بهدف وحيد هو مواجهة مصر ودول الخليج، الذين يعارضون سياسة أردوغان العدائية.
تحولت تركيا إلى مأوى للإخوان الهاربين من مصر بعد أن أسقط الشعب المصري حكم الإخوان في ثورة 30 يونيو، ومنذ ذلك الحين تدور الحرب الباردة بين القاهرة وأنقرة في العديد من المناسبات، ولكن المجلة، طرحت تفاصيل أصل الخلاف جانبًا ومن ثم تحدثت عن المنظور الاستراتيجي للوضع الراهن.
ذكرت المجلة أن القاهرة تتمتع بعدد من المزايا القوية أولاً، لدى مصر حدود برية بطول 1,115 كم مع ليبيا، ما يسهل إلى حد كبير الخدمات اللوجستية ونشر القوات المسلحة المصرية. إلى جانب ذلك، ستستفيد القاهرة بالتأكيد من الفرص الفريدة التي تقدمها قاعدة محمد نجيب، أكبر قاعدة عسكرية في الشرق الأوسط وهي ليست بعيدة عن الحدود الليبية.
بالنسبة لتركيا، عليها أن تتغلب على الكثير من العقبات بسبب موقعها الجغرافي. ببساطة، المواقع الوحيدة القادرة على استقبال القوات التركية والمرتزقة السوريين هي مدينتا طرابلس ومصراتة اللتان لديهما مطار وميناء بحري، ما يجعل الأتراك محاصرين حرفياً في “عنق الزجاجة”. من المرجح أن تؤدي أي مواجهة مباشرة مع القاهرة إلى هزيمة أنقرة العسكرية – بسبب الاعتبارات المذكورة أعلاه، فإن المصريين قادرون على القضاء على القوات التركية بشكل أسرع من نشر تركيا لأي تعزيزات في ليبيا.