1- نشر مركز ( ستراتفور ) الاستخباراتي الأمريكي ، تقريراً أشار خلاله إلى أنه في ظل تفاقم الأزمة الاقتصادية في مصر، توازن الحكومة المصرية بين تنفيذ إجراءات التقشف الاقتصادي والحاجة إلى الحفاظ على الاستقرار الاجتماعي والسياسي، موضحاً أن البيانات الأخيرة أثارت مخاوف بشأن الاستقرار المالي في مصر على المدى القريب والبعيد، حيث شهدت البلاد نمواً اقتصادياً أبطأ من المتوقع في يوليو، كما أظهرت بيانات البنك المركزي الصادرة الأسبوع الماضي أن صافي الأصول الأجنبية التي تحتفظ بها البنوك التجارية المصرية سجل عجزاً قياسياً في يونيو الماضي وسط قلة تدفقات العملات الأجنبية ، ويسلط النقص في العملة الصعبة الضوء على مشاكل ميزان المدفوعات الحادة التي تواجهها البلاد ، بما في ذلك عبء الدين الخارجي الكبير والتضخم المرتفع وانخفاض قيمة العملة على الرغم من التدخلات المُكلفة من قبل البنك المركزي ، علاوة على ذلك، تعاني مصر حالياً من نقص حاد في الكهرباء وسط موجة حرارة شديدة أدت إلى انقطاع التيار الكهربائي، وبالإضافة إلى معاناة السكان من الصعوبات الاقتصادية بشكل عام، أثارت أزمة الطاقة حالة من الاستياء، كما يتضح من العدد المتزايد من المصريين الذين لجأوا إلى وسائل التواصل الاجتماعي في الأسابيع الأخيرة للتعبير عن غضبهم وإحباطهم من الحكومة.
2- أشار التقرير إلى تدهور الوضع الاقتصادي في مصر بشكل كبير في عام 2022 ، مما دفع الحكومة إلى السعي للحصول على تمويل خارجي من صندوق النقد الدولي ، فيما ظلت توقعات عام 2023 دون تحسن ، موضحاً أن مصر خفضت قيمة عملتها (3) مرات خلال العام الماضي في محاولة لتثبيت سعر صرف الجنيه ، لكن هذا الجهد فشل إلى حدٍ كبير، الأمر الذي أدى لحدوث تقلب في قيمة العملة مما تسبب في استنزاف احتياطيات مصر من النقد الأجنبي، وفي المقابل، أدت هذه الاحتياطيات المحدودة إلى مزيد من الضغط على الجنيه وجعل من الصعب على مصر تمويل الواردات، وينطبق هذا بشكل خاص على الحبوب، حيث أدت الحرب الروسية الأوكرانية إلى تعطيل صادرات الحبوب الروسية والأوكرانية بشدة ورفع أسعارها العالمية، ونظراً لأن مصر كانت أكبر مستورد للحبوب من كلا البلدين في عام 2021 – أي العام الذي سبق اندلاع الحرب – فقد تضررت القاهرة بشكل خاص من هذا النقص وتكافح بشكل متزايد التهديد الذي يلوح في الأفق بانعدام الأمن الغذائي ، وأدت هذه الصعوبات إلى انخفاض ثقة المستثمرين وأدت إلى هروب رؤوس الأموال الأجنبية والمحلية، خاصة مع استمرار معدلات التضخم العالمية في الارتفاع، مضيفاً أنه نظراً لأن العديد من العوامل التي ساهمت في الأزمة الاقتصادية في مصر خارجة عن سيطرة وإرادة البلاد ، خاصة الحرب بين روسيا وأوكرانيا والتضخم العالمي ، فمن المحتمل أن يظل الاقتصاد المصري غير مستقر طالما استمرت هذه التحديات الاقتصادية العالمية، مشيراً إلى أنه في محاولة من جانب مصر للتخفيف من آثار عدم الاستقرار الاقتصادي، توصلت مصر إلى اتفاق مع صندوق النقد الدولي في ديسمبر 2022 للحصول على قرض بقيمة (3) مليارات دولار.
3- مع ذلك، أرجأ صندوق النقد الدولي صرف الدفعة الثانية من الأموال لمصر لعدة أشهر بسبب إحجام مصر عن تنفيذ إصلاحات لا تحظى بشعبية، ومن بين هذه الإصلاحات إجراء خفض آخر في قيمة الجنيه، مما سيمكن الحكومة من سداد ديونها الخارجية وجذب الاستثمار الأجنبي، ومع ذلك، فإن مثل هذه التعديلات في سعر الصرف ستجعل الواردات أكثر تكلفة، وتقلل من قيمة مدخرات المصريين وتقلل من القوة الشرائية للأسر ، وبالإضافة إلى ذلك، يحث صندوق النقد الدولي الحكومة على خفض الدعم عن الوقود والمرافق والمواد الغذائية، فضلاً عن رفع الضرائب، للمساعدة في دعم الهوامش المالية للحكومة، ويمكن للبنك المركزي أيضاً تقديم أسعار فائدة أعلى ، الأمر الذي من شأنه أن يبطئ الطلب المحلي والواردات، ويزيد من تدفقات العملات الأجنبية ويحسن معنويات المستثمرين، ومع ذلك، فإن هذه الخطوة من شأنها أن تضعف بعض الأنشطة التجارية المحلية والاستثمارات الرأسمالية، ومن ثم، فإن تلبية مطالب صندوق النقد الدولي ستجعل الحياة أكثر تكلفة بالنسبة للمصريين على المدى القصير ، مما سيزيد من المشاعر المناهضة للحكومة.
4- أشار التقرير إلى أنه من أجل منع اندلاع الاحتجاجات والاضطرابات، فمن المرجح أن تنفذ مصر إصلاحات ذات مغزى كفيلة بأن يسمح صندوق النقد الدولي على أساسها بالإفراج عن المساعدات المالية لمصر، فعلى سبيل المثال، من المرجح أن تفرض مصر ضرائب جديدة تساعد في توليد الإيرادات، ولكن مع تجنب خفض الدعم عن السلع الأساسية التي لها آثار اجتماعية كبيرة بما في ذلك الخبز وإجراء تخفيضات حادة في قيمة عملتها، موضحاً أنه في حين قد يؤدي هذا النهج الانتقائي في تنفيذ مطالب صندوق النقد الدولي إلى حدوث خلاف بين الصندوق والحكومة المصرية، إلا أنه من غير المحتمل أن يؤدي إلى عرقلة الاتفاق بينهما، أما بالنسبة للاقتصاد المصري، فإن التنفيذ البطيء والانتقائي للإصلاحات من المرجح أن يؤدي إلى مرور الاقتصاد المصري بفترة تعديل طويلة وصعبة وهذا من شأنه أن يعيق النمو الاقتصادي، ولن يفعل الكثير لتعزيز ثقة المستثمرين، ويترك الأسواق عرضة لصدمات خارجية جديدة محتملة، ومع ذلك، فمن المرجح أن تساعد الإصلاحات التدريجية مصر على تجنب حدوث أزمة في ميزان المدفوعات، وفي حين أن بعض الاضطرابات الاجتماعية قد تحدث على الأرجح نتيجة لتدابير التقشف، إلا أن تنفيذها التدريجي من شأنه أن يقلل من مخاطر الاضطرابات الجماعية، ومن المرجح أن يتم التعبير عن المشاعر المناهضة للحكومة من خلال وسائل التواصل الاجتماعي وليس من خلال الاحتجاجات في الشوارع، وأشار التقرير إلى أنه بالإضافة إلى الإصلاحات، فمن المرجح أيضاً أن تواصل مصر بيع الأصول المملوكة للدولة (غير العسكرية) لتوليد الإيرادات وزيادة فرص الاستثمار وزيادة مشاركة القطاع الخاص، علاوة على ذلك، ستواصل مصر السعي للحصول على تمويل ثنائي إضافي من مصادر مثل دول الخليج ، التي لها تاريخ في تقديم الدعم لمصر.
5- ذكر التقرير أن هناك سيناريو أقل احتمالاً ويكمن في احتمالية أن تنهار المفاوضات بين مصر وصندوق النقد الدولي بسبب رفض القاهرة تنفيذ إصلاحات اقتصادية بسبب المخاطر السياسية والاجتماعية، ومن شأن حدوث هذا السيناريو أن يؤدي إلى زيادة عدم اليقين بشأن الاقتصاد الكلي ، وانخفاض احتياطيات العملات الأجنبية ، وانخفاض كبير في ثقة المستثمرين الأجانب والمحليين ، مضيفاً أنه بدون تمويل من صندوق النقد الدولي، قد تواجه مصر أيضاً خطر التخلف عن سداد ديونها، وعلى المدى القريب ، ستقل احتمالية اندلاع اضطرابات اجتماعية مع استمرار الدعم والإنفاق الحكومي على الحوافز والعلاوات، لكن هذا الخطر سيرتفع على المدى الطويل بسبب تفاقم الأزمة الاقتصادية ، موضحاً أنه يجب على مصر سداد (47) مليار دولار من ديونها في عام 2023، لكن لم يكن لديها سوى ( 34) مليار دولار من احتياطيات العملات الأجنبية في ديسمبر 2022.
6- أما فيما يخص السيناريو الأضعف احتمالاً، فقد أشار التقرير إلى أن هذا السيناريو يكمن في امتثال مصر بشكل كامل لمطالب صندوق النقد الدولي، وفي حال حدوث هذا السيناريو، ستبدأ الحكومة بسرعة في إجراء إصلاحات كبيرة – بما في ذلك إجراء خفض كبير في قيمة العملة، وفرض ضرائب جديدة وتطبيق إصلاحات كبيرة على نظام الدعم – والتي ستمكن القاهرة من خدمة ديونها الخارجية وتحفيز النمو الاقتصادي، علاوة على ذلك، قد تجتذب مصر تمويلاً إضافياً من مقرضين آخرين ، مما يسرع من عملية الانتعاش الاقتصادي للبلاد بشكل أكبر، وفي حين أن هذه الإجراءات سترفع بشكل حاد تكلفة المعيشة للمصريين، وبالتالي زيادة مخاطر اندلاع الاحتجاجات المناهضة للحكومة، إلا أن الحكومة لن تلجأ لاختيار هذا الطريق إلا إذا أدركت أن المخاطر السياسية والاجتماعية لتنفيذ الإصلاحات ضئيلة أو يمكن السيطرة عليها بسهولة من خلال القوة.