تحتفل مصر والصين هذا العام بمرور ستين عاما على إقامة العلاقات الدبلوماسية بينهما، التي سيتم تتويجها بالزيارة التاريخية المهمة للرئيس الصيني شي جين بينج للقاهرة خلال الفترة من 20 إلى 22 يناير الجاري ولقاء القمة المرتقب مع نظيره عبد الفتاح السيسي.
وانطلاقا من أهمية دور مصر الريادي على الساحة العربية والأفريقية والدولية، أعلنت الصين على لسان نائب وزير خارجيتها تشانج مينج الذي زار القاهرة مؤخرا أنه تم دعوة الرئيس عبد الفتاح السيسي لحضور القمة الحادية عشرة لمجموعة العشرين التي ستعقد في شهر سبتمبر المقبل في مدينة هانجو بالصين الدولة المضيفة لهذه القمة هذا العام، والتي يحق لها دعوة دولتين فقط كضيفي شرف.
ولا يمكن لأي محلل سياسي أو مراقب إغفال المواقف المضيئة، والمشرفة التي سجلها تاريخ العلاقات الثنائية منذ العام 1956 وذلك بعد عام من اللقاء التاريخي الذي جمع بين الرئيس الراحل جمال عبد الناصر ورئيس الوزراء الصيني شو آن لي في باندونج.
وقد مرت العلاقات المصرية – الصينية بثلاث مراحل مهمة من التطور: الأولى عقب ثورة يوليو العام 1952 حيث كانت مصر من أوائل الدول التي أيدت بحماس حق الصين في استعادة مقعدها الشرعي في منظمة الأمم المتحدة حيث عبرت قيادة الثورة المصرية عن دهشتها لموقف الولايات المتحدة المتجاهل لجمهورية الصين الشعبية.
وأصدرت الحكومتان المصرية والصينية في 30 مايو العام 1956 بيانا مشتركا حول إقامة العلاقات الدبلوماسية على مستوى السفراء ما يمثل منعطفا مهما في خريطة العلاقات الدولية بالنظر إلى مكانة مصر عربيا وأفريقيا وإسلاميا وفتح الباب لإقامة علاقات رسمية مع الدول العربية والأفريقية.
وتبنت الصين موقفا مشرفا بعد قرار الرئيس الراحل جمال عبد الناصر بتأميم شركة قناة السويس وجعلها شركة مساهمة مصرية حيث بادرت بكين بتأييد هذا القرار في 4 أغسطس العام 1956 حيث أوضح رئيس مجلس الدولة شو اين لاي أن الصين تدعم دعما تاما تأميم مصر لشركة قناة السويس ثم أصدرت الحكومة الصينية في 15 أغسطس بيانا أكدت فيه دعم الصين حكومة وشعبا للخطوة التي اتخذتها الحكومة المصرية من أجل حماية سيادة الدولة واستقلالها.
وجددت الصين موقفها في سبتمبر 1956 بالنسبة لتأميم القناة في مذكرة جديدة سلمتها للحكومة المصرية معلنة رفضها واستنكارها لمحاولات بريطانيا وفرنسا والولايات المتحدة شن حرب ضد مصر لإجبارها على الرجوع عن هذه الخطة والسيطرة بالقوة على القناة.
واستمرت الصين بإصرار في تبني مواقف مشرفة حيث أصدرت بيانا في الأول من شهر نوفمبر العام 1956 أدانت فيه العدوان الثلاثي على مصر من قبل (بريطانيا، وفرنسا، وإسرائيل)، ووصفته بأنه وحشي همجي، مؤكدة موقفها الثابت الداعم للنضال العادل الذي يخوضه الشعب المصري من أجل حماية سيادة الدولة والاستقلال الوطني.
ودخلت العلاقات بين القاهرة وبكين مرحلتها الثانية في النصف الأول من عقد السبعينات من القرن الماضي حيث سحبت الصين في هذه الفترة كل سفرائها في المنطقة للمشاركة في حركة الثورة الثقافية باستثناء سفيرها لدى مصر، وكان ذلك إشارة بالغة الوضوح للمكانة التي تحتلها مصر في السياسة الخارجية الصينية.
وتجسدت هذه المكانة المتميزة لمصر من خلال الموقف الصيني من حرب أكتوبر 1973، التي سارعت فيه بإعلان تأييدها التام للجهود المصرية لاستعادة أراضيها المحتلة.
وشهدت المرحلة الثالثة من العلاقات الثنائية انطلاقة في شهر أبريل العام 1999 حيث تم وضع الأساس للعلاقات المصرية الصينية في القرن الجديد من خلال التوقيع من قبل رئيسي الدولتين على “البيان المشترك حول إقامة علاقات تعاون إستراتيجية”.
كما تم التوقيع على اتفاق نوايا حول التعاون في مجالات مختلفة الذي ركز على ضرورة بناء نظام سياسي واقتصادي دولي جديد على نحو عادل ومنطقي وتعزيز التضامن، والتعاون بين الدول النامية، وتضييق الفجوة بين الدول المتقدمة والنامية وضرورة إصلاح مجلس الأمن لتحقيق التوازن الإقليمي مع مراعاة التمثيل العادل للدول النامية.
وأكد اتفاق النوايا أهمية تحقيق السلام الشامل العادل والدائم في منطقة الشرق الأوسط بما يتفق مع المصلحة الأساسية لشعوبها ويخدم أيضًا السلام والتنمية في العالم، وأنه يجب الالتزام الكامل والتنفيذ الأمين للاتفاقيات الموقعة بين السلطة الوطنية الفلسطينية وإسرائيل والتي شهد عليها المجتمع الدولي بأسره.
كما أكدت مصر والصين ضرورة العمل الدولي على سيادة مفاهيم نزع السلام وبخاصة أسلحة الدمار الشامل بحيث تشمل شتى مناطق العالم دون استثناء أية دولة أومنطقة فضلا عن إدانة الإرهاب بشتى أشكاله والتعاون في مجال مكافحة الأعمال الإرهابية الدولية.
وفي سياق متصل، أولت مصر اهتماما بالغا بمشاركة الصين في العرض العسكري المقام بمناسبة بالذكري السبعين للانتصار في الحرب العالمية الثانية في شهر سبتمبر الماضي حيث شارك 81 جنديا من سلاح المشاة التابع للقوات المسلحة المصرية..وكانت مصر هي الدولة العربية والشرق أوسطية والأفريقية الوحيدة المشاركة بقواتها في هذا العرض التاريخي وقد حظي التشكيل المصري بتصفيق حار من الجمهور الصيني المشاهد للعرض.