كتب الإعلامي الكبير ” مفيد فوزي ” مقال تحت (عنوان كلام مهم فى الواحدة والنصف!) نشرته صحيفة المصري اليوم جاء نصه كالتالي :
ما من إنسان على أرض مصر ولا يعجبه حال الإعلام المايل، الوزير بل الخفير، والمسؤول قبل المواطن العادى، الكل يشكون من تجاوزات الإعلام، حرائق الإعلام، مروقات الإعلام، حتى رئيس الدولة قال يوماً إن عبدالناصر كان «محظوظاً بإعلام على موجته»، والمتأمل للصورة يكتشف أن الإعلام لا يخدم أهداف الدولة، كما هو مفترض، فى زمن حرب ضد إرهاب غادر وفساد متفش، ويكتشف أيضاً أن التليفزيون الرسمى يلتزم بأهداف الدولة ولكن دون مهنية، أما القطاع الخاص وأقصد به المحطات الخاصة فهى فى النهاية «بيزنس» يبغى المكسب بلا خسائر، ولهذا فإن الإعلان هو سيد الإعلام، قولاً واحداً، وعندما ظهرت قنوات جديدة بالغت فى برامج الضحك والفرفشة واعتمدت على النجوم وهى وجبة ضحالة وسخف يفوق الحدود، وأدركنا أن الدولة أرادت إنشاء كيانات جديدة بدلاً من إجراء مذبحة فى ماسبيرو تستبعد الطالح وتكتفى بالصالح، ورغم ذلك تظل شاشة ماسبيرو هى الشاشة الرسمية لحركة رئيس الدولة وخطاباته السياسية وتأخذ بقية الشاشات «الصوت والصورة» من التليفزيون المصرى. وموقف الدولة من التليفزيون الرسمى هو الإبقاء على حاله دون ميزانيات ضخمة مثل الكيانات الجديدة التى دخلت ملفاً وأدى ذلك إلى تحالفات إعلام جديدة وانفصال قنوات وفى قلب هذه الهيصة، ضاع المحتوى وغاب المضمون، وباتت الشكوى من الإعلام تتأرجح بين كلمة حق تقال بمهنية وكلمة هزل هى الضحك الأصفر، الآن – بالذات – يتداركون الموقف.
■ ■ ■
ليس من فراغ أقول رأيى، فقد عشت نصف قرن أمارس العمل الإعلامى من صحافة وإذاعة وتليفزيون، وفى تليفزيون مصر مارست فن الإعداد لا فن «القعدات» على مدى سنوات عشر ثم ظهرت على الشاشة وقدمت «حديث المدينة» الذى كان المجتمع يتابعه لانحيازه المطلق للناس وقدمته عشرين عاماً متواصلة.
ليس من فراغ معرفتى بأهمية «الإعلان» قبل الإعلام وقد مارست العمل على شاشة أوربت سنوات طويلة وشاشة دريم. وأعلم أن القول الفاصل لشركات الإعلان التى يهمها أن «تربح» وتختار من يحقق آمالها فى الربح والانتشار!
ليس من فراغ أتكلم عن «المهنية» واحترام الضيف والإصغاء له ومناقشة المسؤول دون تداخل أو صياح أو احتكار الحقيقة أو ادعاء الزعامة والحكمة التى صارت سمة مذيعى هذا الزمان وهى الانفراد بالمشاهدين نصف سعة وتصل لساعات، وفى زمنى وجيلى كانت الكلمة للناس لا للمذيع الألمعى.
لقد تعلمت على يد «أساتذة إعلام» حقيقيين وممارسين، وسهل مهمتى أنى صحفى أعرف جيداً ما معنى التحقيق الصحفى فى وقت كان بعض المذيعين بالبنطلون القصير وكان بعض مديرى القنوات أطفالاً يمارسون اللعبة لأول مرة! تعلم جيلى على يد بابا شارو وسعد لبيب وتماضر توفيق وطاهر أبوزيد وفاروق خورشيد وآمال فهمى، تعلمنا «أدب الحوار» و«فن وتوقيت المقاطعة للضيف» و«غرس أهمية الرقم باعتباره الحقيقة فى النفوس» و«حل المشكلات دون إصابات أو إهانات» تعلمت «فن السؤال المعلومة» تعلمت «السؤال المركز فى بضع كلمات» تعلمت «الإصغاء بكل حواسى»، كان زماناً إعلامياً ثرياً، المهنية عنوانه.
■ ■ ■
فى مثل هذه الأيام من عام مضى حرضنى «مرجعية الإعلام العربى» أسامة الشيخ على فكرة برنامج وصفه بـ«الوثيقة» وقال: لم نجد أكفأ منك يجرى حوارات مع إعلاميين، أنت تكبرهم عمراً وتجربة عملية مهنية. وأضاف المهندس الشيخ: لقد اقترحت اسمك لتجرى حواراً مع الأستاذ محمد حسنين هيكل على شاشة دريم فى زمن مبارك، وقال لى الأستاذ هيكل بالحرف الواحد: مفيد فوزى هايل ولكنه سوف Moufidize البرنامج أى سيكون هو النجم والمحاور، وفضل هيكل أن يقول آراءه علناً من فوق منصة فى الجامعة الأمريكية. وقال لى أسامة الشيخ فى حضرة صديقنا المشترك المستشار محمد شعبان ابن الجامعة العربية: «ستجرى حوارات مع 30 إعلامياً وفى نهاية كل حلقة يوجه لك ضيفك الإعلامى سؤالاً ترد عليه فى نهاية إذاعة الحلقات، وسوف أستعير عبارتك الشهيرة المتداولة عند الرأى العام فى مصر وهى اسمح لى أسألك، وليكن عنوان البرنامج: اسمح لى، وبدأت مهمة الاتصال بالضيوف وكان لى ملاحظتان: الأولى تدعيم البرنامج بمذيعين شباب والملاحظة الأخرى الاستعانة بأسماء عربية، ناجحة ولها مشاهدون. لعل أطرف ما أذكره فى هذا المجال – دون أن أحدد أسماء – هو عزوف بعض الإعلاميين والإعلاميات عن البرنامج بحجة أنهم يفضلون أن يسألوا ولا يجلسوا فى مقعد الضيف بأى حال، وقد احترمت رغبتهم أياً كانت الدوافع للعزوف، ولم يكن المقابل المادى للمقابلة عائقاً: لقد عرضت الشركة المنتجة مبالغ طائلة ولكنهم أصروا على مواقفهم: مقعد المذيع: نعم، مقعد الضيف: لا.
■ ■ ■
الأسماء التى حاورتها بترتيب عفوى هى 1- عبدالرحيم على. 2- وائل الإبراشى. 3- إبراهيم عيسى. 4- أحمد المسلمانى. 5- أمانى الخياط. 6- إيمان الحصرى. 7- جابر القرموطى. 8- جورج قرداحى. 9- حافظ المرازى. 10- حمدى رزق. 11- إبراهيم حجازى. 12- معتز عبدالفتاح. 13- محمد شردى. 14- رانيا بدوى. 15- أسامة كمال. 16- طونى خليفة. 17- رامى رضوان. 18- حيزيل خورى. 19- خالد صلاح. 20- مصطفى بكرى. 21- مصطفى الفقى. 22- تامر أمين. 23- ريهام السهلى. 24- محمد دسوقى. 25- سعيد حسنين. 26- أحمد موسى. 27- سيد على. 28- أحمد شوبير. 29- إنجى أنور. 30- اسأل مفيد فوزى.
كان لى شرف الجلوس أمام هذه الأسماء محاوراً يسبقنى نصف قرن من التجربة أحمله فوق ظهرى.
كان فى أسئلتى لنجوم الإعلام أسئلة من العيار الثقيل تعبر عما يدور فى ذهن الشارع المصرى.
منها مثلاً: ما أكثر القيم الواردة فى ليالى التوك شو؟ همبكة، فهلوة، إحباط، فبركة، دربكة؟
منها مثلاً: قيمة غابت عن إعلام مصر؟
منها مثلاً: ما الحد الفاصل بين متطلبات الأمن القومى وحرية المعلومات؟
منها مثلاً: حين تذيع تسجيلاً أو صورة لعلاقة خاصة ما مدى ثقتك فى صدقها وصدمة الشارع؟
منها مثلاً: كيف تفهم معنى الهرطقة فى مخاطبة الناس؟
منها مثلاً: هل يمدك الأمن بالمعلومات؟
منها مثلاً: هل يصح أن تطلق على خبير استراتيجى، خابور استراتيجى؟
مثلاً: هل نحن دولة تدار بالفيس بوك؟
منها مثلاً: هل برامج التوك شو تحولت إلى شقق مفروشة ونصبة مسائية؟
منها مثلاً: هل هناك إعلام الخناقات ذو المردود الإعلانى؟
منها مثلاً: كم تبلغ نسبة سلطان رجال الأعمال على الإعلام؟
منها مثلاً: متى يتحول المذيع إلى زعيم يحتكر الحقيقة ويحلل؟
منها مثلاً: متى يضلل الإعلام الناس؟
منها مثلاً: متى تقول إن الإعلام المصرى ظالم ومضلل وشيطانى؟
منها مثلاً: متى يقول المذيع: أضرب نفسى بالرصاص لو كان ده إعلام؟
منها مثلاً: حدد صور الفوضى فى إعلام مصر على الشاشات؟
منها مثلاً: الإعلام اللى إحنا منه سبب دمار مصر. كيف؟
منها مثلاً: هل «تسخين» ضيوف برنامجك، من المهنية؟
منها مثلاً: ما نسبة نجاح برنامج بالفضائح؟
منها مثلاً: هل يصح إعلامياً التلاسن بين زميلين على الهواء؟
منها مثلاً: هل بلغنا درجة النضج فى «إعلام المواطن».
منها مثلاً: إعلام مصر، مهموم أم منفلت، موجه أم حر؟
مثلاً: ما خطورة اللعب إعلامياً على احتياجات رجل الشارع المعيشية؟
منها مثلاً: ما صحة أن الإعلام صار دولة داخل دولة.
منها مثلاً: الإخراج الإعلامى السيئ لإنجازات الدولة.
وقد كان ضرورياً أن أوجه إلى كل إعلامى هذين السؤالين؟
1- هل أخطأت أم أصبت حين جئت ضيفاً فى هذا البرنامج؟
2- هل ما أجريه الآن من حوار هو بمثابة محاكمة لإعلام مصر أم لضبط إيقاع هذا الإعلام؟
هناك سؤال ظل يلاحقنى طويلاً منذ أن انتهيت من تسجيل حلقات هذا الحوار الطويل عن الإعلام فى مصر وهو: هل إخفاء حقيقة إعلامنا من مصلحة أحد؟
ليست الدولة – بالكيانات – الإعلامية الجديدة – تريد أن يرسو الإعلام على ميناء المصداقية؟
أليست الحوارات السريعة المركزة مع الإعلاميين الذين يطلون من الشاشات ترسم بجلاء شديد صورة إعلامنا صوت وصورة؟
إن إعلام مصر متهم، ولا ينبغى أن نأخذ الاتهام على محمل التصديق المطلق، لكن من الأمانة ذكر بعض المؤاخذات أهمها أن إعلام مصر حائر بين الجمود البارد وإشعال الولعة. ومن هنا تأتى أهمية المهنية. المهنية تضع الصورة فى إطارها الصحيح دون زيادة أو نقصان.
إن ضبط إيقاع إعلام مصر ليس بالفذلكة ولا بالشعارات الرنانة ولا بالصوت العالى ولا بالتشنج، إنما بالعلم، فالإعلام علم وممارسة وللدقة ممارسة بعلم، إن الإعلام هو فى نهاية الأمر «تسويق» سياسى.
أنا لا أريد أن ينصرف الناس، عموم الناس عن الشاشات الجادة التى تدير عملية التسويق السياسى ببراعة ومهنية. فالناس – من فرط الملل – من التوك شو، استبدلوه بالأفلام والمسرحيات، هذه المواد تشرح قلوبهم وتحميهم من الانفعالات الحادة والتشنج ولكنها تأخذهم لمنطقة أخرى بعيدة عن مجريات أمور البلد.
■ ■ ■
الآن يذاع – فى الواحدة والنصف – أى بعد منتصف الليل، هذا الكلام المهم على شاشة «إكسترا نيوز» دون إعلان مكثف يليق بالمادة وسوف أفترض حسن النية فى إذاعة برنامج مهم بضيوفه وليس بى، فما أنا إلا محاور أردت تقديم صورة عما يؤثر فى الناس سلباً أو إيجاباً، إنه برنامح وثيقة على حد قول أسامة الشيخ، والحوار المتحضر يبحث عنه الناس ولو أذيع وش الفجر!