نذ أيام كنت أشاهد قناة «بى بى سى»، كانت تعرض فيلما عن القطب الشمالى، وماذا يحدث حين يبدأ الجليد فى الذوبان، وتبحث الحيوانات عن فرائس لتُشبع جوعها، ومن بينها الدببة والذئاب، شدَّنى مقطع لمطاردة مجموعة صغيرة من الذئاب لأرنب برى، كان الأرنب وحيدا فزعا، لكنه فعل كل ما بوسعه لينجو بحياته، استخدم أسلوبا بسيطا لكنه فعال: المناورة، لم يكن يجرى فى طريق مستقيم ولكن يمينا ويسارا ليشتت مطارديه حتى وصل إلى جحره بسلام ونجا منهم.. وتساءلت: كيف استطاع هذا الكائن الصغير أن ينجو بنفسه فى معركة بدت خاسرة؟، كيف تغلبت غريزة الحياة على مخاوفه؟، وبتعبير إنسانى: كيف تشبث بالأمل وانتصر على مَن هم أقوى منه؟!.
(2)
ابتعد الإنسان عن فطرته وتواصله المباشر مع الطبيعة، وهذا أفقده جزءا من قوة الغرائز الأساسية التى كفلت له النجاة فى الأزمنة السحيقة، كان خوف أجدادنا حقيقيا، خوفا على الحياة والبقاء والكينونة، أما خوفنا الآن فمعظمه كاذب، خوف على ما نمتلكه، رغم أننا سنتركه يوما بقهر الموت، الذى لا يفرق بين ملك وأجير، إنسان القرن الـ21 يصنع خوفه بيده، ثم يصبح فريسة له، مثلما كان الإنسان الأول يصنع آلهته، ثم يعبدها..
(3)
خوف العالم العربى من أمريكا ليس بعيدا عما تحدثنا عنه، صنعنا منها أسطورة القوة التى لا تُقهر، رغم أنه لا يوجد فى الحياة مَن ليس لديه نقاط ضعف، مهما كانت قوته، لكننا شعوب غرقت فى الجهل والخرافة، بعد أن كانت صاحبة حضارة وعلم، لو نظرنا بدقة لما يحدث حولنا لأدركنا الهزيمة الأمريكية التى تخفيها بقوتها الناعمة وحيلها المزيفة، لقد خططت أمريكا، ومعها حلفاء إقليميون ودوليون، لإعادة رسم خريطة الشرق الأوسط على طريقة سايكس بيكو، وكانت البداية غزو العراق وما نشرته من فوضى فيه. بعد 14 عاما من الخراب الذى حل بالمنطقة، تراجعت أمريكا عن خطة تقسيم العراق، وخانت عهدها لحليفها مسعود بارزانى، كعادتها، لماذا؟، لأنها لم تحسب حساب التهديد التركى بالتحالف مع إيران فى حال استقلال إقليم كردستان العراق، تركيا- التى كانت إلى وقت قصير من حلفاء أمريكا- أصبحت تنظر إليها بتوجس، بعد انقلاب يوليو من العام الماضى، الفشل لاحق أمريكا فى سوريا ومع «داعش»، الذى زرعته فى المنطقة، التدخل الروسى قلب الموازين على الأرض، وسارع بالقضاء على داعش، بمساعدة حلفاء فى المنطقة، وليبيا ستنجو هى الأخرى، لأن أوروبا أدركت أن النار التى أشعلتها فيها ستمتد إليها عبر «المتوسط» فى طوفان من الهجرة والإرهاب.
(4)
أين إذن نجاحات أمريكا وحلفائها فى المنطقة، وليدلنى أحد على نجاح أمريكا فى الحروب التى خاضتها مباشرة فى العراق وأفغانستان وقبلهما فيتنام؟، ولماذا يعرض الآن رئيسها على كوريا الشمالية التفاوض والجلوس على مائدة الحوار؟!، الدول العربية- التى كانت مسرحا لمحاولات التقسيم- كانت أكثر حظا من دول الاتحاد السوفيتى السابق، التى ساهم الغرب فى تفتيتها، وهذا يعطينا أملا وإدراكا بأن خيوط القوة والنفوذ ليست حكرا على أمريكا، ولن تكون بعد الآن.
حين استبدلنا بالعلم والمعرفة الجهل والإذعان لصور مزيفة تُصدر إلينا وتسلبنا الوعى، أصبح هذا مآلنا، وأنا، هنا، لا أقلل من قوة أمريكا ونفوذها، لكننى أؤكد أنها مثل جميع الإمبراطوريات القديمة التى زالت، لديها نقاط ضعف، كما أن لدينا نقاط قوة، لابد من تعظيمها، كما تفعل إسرائيل، دولة الاحتلال، التى لا يزيد عمرها على 70 سنة، والتى تراودنا عن أرضنا وحقوقنا بكل جرأة ووقاحة.
(5)
العالم يتشكل من جديد، مناطق القوة والنفوذ تتغير، والمستقبل يحمل فى طياته وعودا جديدة لكل مَن يريد أن يلتحق به، وهناك دائما فرصة ثانية للبداية، والعقل الإنسانى قادر دائما على أن يقدم حلولاً للمعضلات التى تواجهه، ولكن مشكلتنا الحقيقية هى الخوف، الخوف يجمد العقل والفكر والإبداع، ويهزمك من الداخل. الخوف شعور غريزى وطبيعى، شرط أن تكون المخاوف حقيقية، ولكن حتى فى هذه اللحظة عليك أن تتغلب عليه بغريزة الحياة، فهل يعجز الإنسان عما فعله أرنب، تغلب على الذئاب بالمراوغة تشبثاً بالحياة وفاز فى سعيه..
ابحث فى أعماقك عن نقاط قوتك وعن نقاط الضعف فى منافسك وعدوك.. وتشبث بالأمل، وستنتصر بإذن الله.