آراء أخرى

مقال للكاتب “عبد اللطيف المناوي” بعنوان .. العمل الجاد ثقافة والإهمال أيضاً

لم نكن فى حاجة إلى كارثة جديدة لنعرف أن الإهمال هو الوجه الآخر من الإرهاب. مع الأسف نحن نعيش هذه الحالة اليومية من مواجهة حياة اختار أصحابها الإهمال ليكون سلوكاً حاكماً يمارسونه باتفاق غير معلن وغض طرف حتى تقع الكارثة فينتفض الجميع يسبون الإهمال والمهملين ثم يعودوا سريعا إلى ممارسة فعل الإهمال بإصرار عجيب.

ليس هناك فارق بين مهمل وآخر، النتيجة تظل واحدة فى كارثية نتيجتها ولكن حجم الضرر يختلف حسب موقع المهمل. فعامل نظافة مهمل يفسد جمال شارع، وطبيب مهمل يفسد حياة مريض، وسائق مهمل يضيع حياة كثيرين.

يقول العلماء إن الإهمال سلوك يتجاوز تأثيره صاحبه، ولا يقتصر عليه، فالإنسان المهمل هو إنسان «فوضوى» غير مبال، يتأثر محيطه الشخصى بإهماله، وفى العمل يوجد الموظف المهمل والمدير المهمل، وفى كل مناحى حياتنا يطل علينا المهملون. الإهمال إحدى سمات الشخصية التى قد تكون جزءاً من سمة عامة أو نتيجة لها كالإحباط أو العجز أو الاتكالية، أو كل هذا. وغالباً يتولد الإهمال نتيجة عادات اكتسبها الشخص من البيئة المحيطة حوله، أو نتيجة القدوة المهملة، واللامبالاة المبكرة، وغياب ثقافة المسؤولية، أو كل هذا. ويساعد فى تجذير وتأصيل الإهمال كجزء من المكونات «الثقافية» للشعوب غياب سلطة وسطوة القانون. فمن يأمن العقوبة يُسئ التصرف.

ظاهرة الإهمال واللامبالاة والاستهتار وعدم المسؤولية أصبحت مرضاً مستشرياً لدرجة تكاد تهدد المجتمع كله فى كيانه بل تضربه فى مقتل، ونحن لا يمكن أن نحصرها فى قطاع معين، بل انتشرت فى معظم مستويات وقطاعات المجتمع المختلف. ولا تستأثر قطاعات الحكومة بهذا المرض القاتل وحدها بل يمتد ليسكن الكثير من مناحى حياتنا، لا أبالغ إذا قلت معظمها. ولأن الردع فى معظم الأحيان إما غائبا أو متأخرا فإن هذا الغياب هو المناخ الملائم لانتشار الإهمال ليتحول بعدها إلى أسلوب حياة.

الأوضاع فى مجتمعنا انقلبت رأسًا على عقب ليصبح الإهمال والتسيب واللامبالاة والاستهتار هى الأصل والقاعدة، أما الجدية والحرص فهما الاستثناء. نشاهد العمارات التى تنهار فوق سكانها نتيجة إهمال هذا المهندس أو المقاول الذى أُسندت إليه عمليات إنشائها، والكثير من ضحايا الطرق نتيجة إهمال سائق المركبة. والمرضى الذين يدفعون ثمن إهمال ممرض أو طبيب أو إدارة مستشفى، أو سائق قطار يتركه فى وضع الحركة ليتشاجر أو «يهزر» مع زميله فيقتل أكثر من عشرين ويفسد حياة أكثر من عشرين آخرين.

هل الإهمال نتاج الكسل والتقاعس، أم أنه يُعد مرضاً نفسياً يحتاج إلى علاج؟ وهل له علاج؟

أفضل الطرق لمعالجة الإهمال هو الاعتراف بالمشكلة، والأهم بعد الاعتراف ألا ننسى الأمر برمته حتى كارثة جديدة. وكأى أزمة لها علاجان، أحدهما عاجل والآخر طويل المدى، وهما بالترتيب: الردع بتنفيذ القانون، والتربية والتعليم من الصغر.

 

زر الذهاب إلى الأعلى