آراء أخرى

مقال للكاتب “عبد اللطيف المناوي ” بعنوان “إلى من شمتوا فى قتل خاشقجى”

ينشر موقع الحدث الآن مقال للكاتب “عبد اللطيف المناوي ” بعنوان ( إلى من شمتوا فى قتل خاشقجى ) جاء على النحوالآتي :-

عرفت جمال خاشقجى منذ زمن، عرفته زميلاً صحفياً متميز المستوى والقدرات، وعرفته مسؤولاً سواء فى سفارة بلده فى لندن أو ممثلاً لوزارة الإعلام السعودية فى اجتماعات تنسيقية. التقينا كثيراً، تناقشنا لساعات، اتفقنا فى بعض الموضوعات والأفكار، وفى النهاية اختلفنا خلافاً سياسياً بيّناً، فالرجل- رحمه الله- اختار موقفاً عدائياً ومنتقداً للتغيير فى مصر، ومؤيداً لتيار الإسلام السياسى الذى ظل على موقفه المؤيد له دوماً.

رحل الرجل فى قنصلية بلاده بأسطنبول، حسب اعتراف مسؤولى بلده، لكن من المستحيل أن يتحول موته لشماتة، حتى مع الاختلاف الفكرى والسياسى معه.

لقد انزعجت بشدة من حالة الفرح والشماتة التى انتابت البعض فى الإعلام المصرى. فمهما كانت أفكار الرجل (الذى عمل قبل وفاته صحفياً فى أكبر المنابر الإعلامية فى العالم) لابد من احترام كونه راحلاً. لابد من احترام كرامة الإنسان أولا، وقبل أى شىء.

كلنا مررنا بمرحلة الحماس للفكرة أو العقيدة- سياسية كانت أو دينية- وغرقنا فى تفاصيل ما اعتقدنا فيه، وآمنّا به حتى الدرجة التى أعمتنا أحياناً عن أى سلبيات لما نؤمن به، ورأينا، أو رأيت، أن من اختار ممارسة لعبة السياسة، عليه أن يقبل بقوانينها حتى لو حملت فى طياتها تجاوزاً لأى قيم إنسانية، أو إهداراً لحقوق إنسان آخر، طالما أنه قبل أن يلعب اللعبة، وبالتالى إذا فاز، له السيطرة، وإذا خسر عليه تبعات الخاسر وتحمل الثمن.

إنه منطق المنتصر الذى له حق فرض شروطه على الخاسر. هذا المنطق كان له حضور فى أذهاننا وقت الاندفاع والحماس غير المحسوب، ولكن النظرة المختلفة للأمور بعد تجارب الحياة المختلفة، وبعد نضج العقل والشعور، تكشف خطأ ما اندفعنا فيه من تبرير لمواقف نظم وحكام وأشخاص ضد من يختلفون معهم فى الرأى والفكر، حيث ينتهكون كثيرا من حقوقهم وإنسانيتهم، بتبريرات غير آدمية.

أتذكر، وأنا أكتب عن احترام كرامة الإنسان فى حالة خاشقجى، كيف يتغير الإنسان إذا ما ارتقت نفسه ليرفض التجاوز والشماتة. لكن يبدو أن للعمر فعله مع الإنسان، فما كان يعتقده مبرراً فى مرحلة عمرية معينة، يكتشف فيما بعد أن أى تبرير لا يمكن أن يقف متماسكاً أمام تجاوزات فى كرامة الإنسان أو شماتة فى موته.

بعد هذا العمر أستطيع الجزم بأنه لا يوجد مبدأ سياسى أو عقيدى جدير بالاستمرار والاعتقاد فيه إن سمح بمثل هذا الانتهاك. ببساطة، لا يوجد سبب واحد على وجه الأرض يبرر انتهاك إنسانية إنسان، أو يبرر شماتة فى الموت، مهما كانت درجة الاختلاف. رحم الله الزميل جمال خاشقجى.

زر الذهاب إلى الأعلى