آراء أخرىعاجل

مقال للكاتب عبد الناصر سلامة تحت عنوان : ( مستقبل المنطقة.. وعودة مصر )

كل التحليلات والتكهنات، وحتى المعطيات، تشير إلى أن المنطقة رغم أن بها ما بها من أزمات ومواجهات دموية، إلا أنها مقبلة على المزيد.. توقعات بعدوان إسرائيلى على لبنان بين لحظة وأخرى، توقعات بتفجير الموقف الداخلى هناك أيضاً بعد الاستقالة المريبة لرئيس الوزراء سعد الحريرى، توقعات بغزو سعودى إماراتى للأراضى القطرية، توقعات بمزيد من سفك الدماء فى اليمن، توقعات بمقاومة أمريكية لانتصارات الجيش النظامى فى سوريا، توقعات باستدراج إيران إلى أى من هذه المستنقعات أو ربما جميعها، توقعات بدعم خارجى للأكراد هنا وهناك، توقعات بتغذية الفتنة الطائفية بين السنة والشيعة عموماً، ناهيك عن تنامى الأزمات الداخلية المتفجرة فى كل من السعودية والبحرين والعراق.

الغريب فى الأمر هو أنه لا يوجد فى الأفق ما يشير إلى أى محاولات لاحتواء أى من هذه الأزمات، لا توجد وساطات عربية ولا غير عربية، بل هناك مستفيدون فى هذه وتلك، لا توجد بوادر تهدئة دبلوماسية على أى من الأصعدة، كل التصريحات الصادرة من العواصم ذات الصِّلة تقود إلى الاتجاه نفسه، وسائل الإعلام تسير على دين ملوكها، حتى مواقع التواصل الاجتماعى تعجُّ باللجان الإلكترونية لكل طرف، يبدو فيها التطرف والتشرذم أكثر من أى وقت مضى، الغطاء السياسى الأمريكى والغربى واضح لكل ما يجرى، كل الشواهد تشير إلى أن إسرائيل طرف أصيل فى كل الأزمات المثارة، وسوف تتضح معالمه بقوة خلال المرحلة المقبلة.

التقديرات الإسرائيلية تشير إلى أن حزب الله فى لبنان يمتلك ما يصل إلى مائة ألف صاروخ، يصل مدى بعضها إلى كل الداخل الإسرائيلى، ما بين كاتيوشا، ورعد، وفجر، وزلزال، بخلاف الصواريخ الروسية SA7 وSA14 المضادة للطائرات، وصواريخ C802 الصينية، أيضاً بخلاف صواريخ متطورة مضادة للدبابات، التوقعات تشير أيضاً إلى أن الحوثيين فى اليمن لديهم صواريخ سكود تطول الرياض وأبوظبى، بخلاف «شهاب 1» و«بركان H2» الإيرانيين، وبعض صواريخ «القاهر 1»، المعدل من «سام 2» الروسى، إلا أن عدد هذه الصواريخ ليس معلوماً.

أيضاً تشير التكهنات إلى أن العراق لن يكون طرفاً محايداً حال أرادت إيران ذلك، الواقع يؤكد أن سوريا لن تسمح بانهيار قدرات حزب الله العسكرية، الوجود العسكرى التركى فى قطر هو الآخر ليس للرفاهية، كما القواعد العسكرية الأمريكية والبريطانية والفرنسية فى دول الخليج ليست للسياحة، يأتى بعد ذلك الوجود الروسى فى سوريا تحديداً ليضيف إلى إمكانية اتساع الأزمة، لن تكون كل من مصر والأردن وحركة حماس فى غزة بمنأى عن ذلك الذى يجرى.

كل الشواهد تشير إلى أن الحسابات معقدة لدرجة لا يستطيع أحد التكهن بالنتائج، النتيجة الوحيدة المؤكدة هى أن كل الأطراف فى المنطقة سوف تخسر بشكل أو بآخر، كل الأطراف من خارج المنطقة سوف تحقق مكاسب بشكل أو بآخر أيضاً، الشكل العام يشير إلى أنها أجندات خارجية يقوم البعض بتنفيذها بالوكالة، الشكل العام يشير إلى أن هذا الارتباك والتشابك سوف يؤدى بالضرورة إلى تقسيم جديد للمنطقة، وذلك هو الهدف النهائى، الشكل العام ينذر بزوال أنظمة وإحلال أخرى ربما تكون أكثر اهتراءً وسوءاً، إلا أنها الإرادة الدولية فى غياب إرادة محلية أو إقليمية تحمل على عاتقها تحكيم لغة العقل والمنطق وإحلال السلام.

يجب أن نعترف بأن المنطقة الآن على وشك مقامرة أو مغامرة أكثر منها مؤامرة، فقد يخسر المقامر كل ما يملك، وقد يخسر المغامر روحه، إلا أن الشعوب فى نهاية الأمر سوف تكون هى الضحية أو المأساة الكبرى، بشرياً واقتصادياً، الآن وفى المستقبل، دمار وانهيار واستنزاف ثروات وإعادة بناء، فى هذه الحالة سوف نقرأ الفاتحة رسمياً على روح جامعة الدول العربية، سوف ننعى مجلس التعاون الخليجى، سوف نرثى كل العلاقات الثنائية التى تم بناؤها بين الدول المتجاورة على مدى عقود وقرون، الميليشيات وتنظيمات التطرف والإرهاب سوف تكون العامل المشترك فى كل دول المنطقة بلا استثناء، السلاح سوف يكون فى متناول الجميع، الفرصة تصبح مواتية لكل الأقاليم التى تحلم بالانفصال، وكل العرقيات التى تنشد الاستقلال، إنها الفوضى فى أبشع صورها.

فى حديثه لشبكة تليفزيون أمريكية، قال الرئيس عبدالفتاح السيسى إن مصر لا تفكر فى اتخاذ موقف من حزب الله اللبنانى على الرغم من دعوة السعودية لفرض عقوبات عليه، وفى حديثه للصحفيين على هامش مؤتمر الشباب بشرم الشيخ، قال إنه يرفض توجيه ضربات عسكرية لإيران أو حزب الله، محذراً من أن المنطقة مضطربة، أعتقد أن هذا الموقف المصرى المهم والعاقل يمكن البناء عليه فى إعادة تدوير الحسابات بالمنطقة نحو الصالح العام لشعوبها ومستقبلها، هذا الموقف يمكن البناء عليه من خلال قيادة مصرية حقيقية لتيار السلام، يمكن البناء عليه من خلال ذلك الموقف الواضح الذى يرفض نشر الفوضى، على الرغم من أنه قد يصطدم بمصالح مصرية هنا أو هناك، إلا أنه مستقبل الشعوب الذى يجب عدم السماح بالمقامرة أو المغامرة به لحسابات آنية أو ذاتية أو ضيقة الأفق، أعتقد أنه قد حانت ساعة عودة مصر لاستعادة ريادتها، وإلا فقد أكون حسن النية لدرجة البَله

زر الذهاب إلى الأعلى