نشر موقع الشروق الإخباري مقال للكاتب ” عماد الدين حسين ” بعنوان “الصحافة الجيدة.. وماذا سنقول للأجيال الجديدة؟! ” جاء على النحو الآتي :-
«الصحافة الجيدة.. المحتوى والممارسات ونماذج الأعمال» هذا كان عنوان «منتدى إعلام مصر». ويستحق من اختار هذا العنوان أن نوجه له التحية، بعد أن تعرضت مهنة الصحافة والإعلان لانهيارات متتالية، ليس فقط فى مصر، ولكن فى المنطقة العربية عموما.
سعدت بحضور الجلسة الافتتاحية للمنتدى بدعوة كريمة من رئيسة النادى الإعلامى نهى النحاس، وسعدت أيضا بوجود نخبة من ألمع الصحفيين والإعلاميين المصريين، المهمومين بالمهنة وحاضرها ومستقبلها.
عناوين الجلسات الرئيسية كانت متميزة من قبيل: «مناخ الصحافة الجيدة.. الشروط والتحديات القائمة» و«تقنيات إنتاج قصص صحفية باستخدام الموبايل» و«أدوات الصحفى الاستقصائى فى تعقب وتبييض الأموال» و«إعلام الخدمة العامة.. الملكية والقرار التحريرى» و«كيف تتحسن الصحافة بفضل الاستماع للجمهور والزملاء؟!»، و«أخلاقيات استخدام الأدوات فى الصحافة الاستقصائية» و«خريطة طريق صحفى الجودة ٢٠٢٠»، و«الإعلام الرياضى.. كيف يصل إلى مهنية تحاصر التعصب؟»، و«فى علاقة الإعلام بالسلطة.. الحد الفاصل بين الصحافة والبروباجندا السياسية».
كانت هناك أيضا ورش عمل متنوعة حملت عناوين جذابة مثل: «طرق تبسيط المحتوى الاقتصادى وآليات وصوله للجمهور» و«تحديات وحلول السرد والقصص البصرى» و«الصحافة الجيدة فى العصر الرقمى ومحركات البحث» و«الضوابط القانونية لممارسة صحفية آمنة»، وكيف تخلق زاويتك الخاصة فى القصة الصحفية؟! وتحديات وفرص الاستثمار فى الكيانات الإعلامية الناشئة و«كيف تصنع تغطية جديدة فى الأحداث العاجلة؟».
تلك هى العناوين، وقد سعدت فعلا بالاستماع إلى أساتذة محترفين فى هذه المهنة مثل عبدالله السناوى، الذى صك تعبير أن «الصحف المصرية ماشية بالبركة»، وياسر عبدالعزيز، الذى كان موفقا جدا فى تشريح المشهد الإعلامى من زاوية أكاديمية متخصصة، متصلة بالممارسة اليومية. وصار عبدالعزيز الأكثر تمكنا فى هذا الشأن ليس فى مصر فقط ولكن فى المنطقة العربية. هو طرح الأسئلة ووضع المحددات والقواعد، لكنه قال أكثر من مرة، لا أريد منكم إجابات، فليقم كل منكم بالإجابة عن بعض هذه الأسئلة بنفسه»!!، أما المستكاوى فأجاب بوضوح على سؤال: لماذا انتشر التعصب الكروى؟
أتحدث فقط عن الانطباعات عن الجلسة الافتتاحية الأولى، والجلسة قبل الاخيرة، أما الجلسة الأخيرة التى شاركت فيها متحدثا فسوف أعود إليها لاحقا إن شاء الله.
ولفت نظرى أن إعلاميا كبيرا، قال لى عقب نهاية الجلسة الأولى، إن هناك مشكلة فى معظم الندوات والمؤتمرات التى تتحدث عن الصحافة والإعلام وتتمثل فى أن الجميع يقدمون وصفا وتشخيصا للمشكلة منذ سنوات طويلة، ومعظمنا صار يعرف المشكلة وتوصيفها، بل وعلاجها.
هو لفت نظرى أكثر إلى أن الصفوف الأخيرة فى القاعة الكبرى، التى احتضنت الجلسة الافتتاحية يجلس فيها طلاب كليات ومعاهد وأقسام الإعلام فى الجامعات المصرية المختلفة. وهؤلاء لا يحتاجون إلى إعادة سماع وتوصيف وتشخيص المشكلة، بل إلى من يقول لهم ماذا يفعلون من الآن وحتى تخرجهم، وماذا سيكون عليه الوضع حينما يتخرجون؟!
للأمانة هى لفتة ذكية، لأن كثيرا منا لا يفكرون او ينشغلون كثيرا بهذا الجيل الجديد من خريجى الصحافة والإعلام. هم جيوش جرارة لأن هناك عشرات كليات ومعاهد وأقسام الإعلام فى غالبية الجامعات المصرية تقريبا تضخ الاف الخريجين سنويا. هم التحقوا بالكليات بأحلام عظيمة، أن يصير كل منهم نجما تليفزيونيا كبيرا أو محررا وكاتبا صحفيا أو مدونا، وفجأة بدأوا يسمعون أن المهنة تعانى من أمراض مزمنة إضافة إلى أمراض طارئة جديدة وخطيرة!!
أتمنى أن تنشغل نقابة الصحفيين والمجلس الأعلى للإعلام بمشكلة الأجيال الجديدة فى ظل المشاكل الصعبة التى تعانى منها المهنة. علينا أن نطرح أسئلة جادة ومهمة من الآن؟ ما هو التصور للإعلام المصرى خلال خمس أو عشر سنوات؟ وماذا تنوى الدولة أن تفعل بالإعلام القومى من تليفزيون وصحف؟ وهل تنوى إعادة هيكلة تتضمن تخفيضا جذريا فى الأعداد والميزانيات أم بصورة تدريجية؟، والسؤال الأهم هو ماذا تريد الدولة أصلا من الإعلام والصحافة، هل تريدها أداة للحشد والتعبئة فقط وبأى صورة، أم قوة ناعمة حقيقية، شرط تمتعها بهامش من الحرية والتنوع، وهل تدرك الدولة خطورة الضعف الشديد والهزال الذى يعانى منه الإعلام المصرى حاليا على قوة الدولة نفسها، مقابل منصات أجنبية كبيرة بعضها معادٍ وبعضها متربص وبعضها صديق يرى نفسه الأحق بقيادة المنطقة إعلاميا، بعد أن بدأ يديرها اقتصاديا؟!
أخيرا نسأل: هل الصحافة الموجودة لدينا تستحق أن نطلق عليها جيدة، أم سيئة، أم بين بين؟!