نشر موقع الشروق مقال للكاتب “عماد الدين حسين” بعنوان “حمو بيكا وشطة.. ومعركة القاع!” جاء على النحو الآتي:-
هل يعقل أن يكون هناك مطرب تسجل إحدى أغانيه أكثر من عشرة ملايين مشاهدة على اليوتيوب، ولا يعرفه العديد من الإعلاميين، وليس فقط المواطنون؟!. وهل هناك عالم فنى آخر مواز لعالم الفن والطرب الطبيعى، لا نعرف عنه شيئا، وما الذى يعنيه ذلك؟!.
شخصيا أنا أحد الذين لم يكونوا يعرفون شيئا عن مطرب المهرجانات حمو بيكا حتى مساء الإثنين قبل الماضى، حينما كنت داخل أتوبيس تحرك من مركز المؤتمرات فى شرم الشيخ إلى الفندق الذى أقيم به خلال فعاليات منتدى شباب العالم. جلس بجانى الزميل محمد مرعى مدير التحرير فى قناة اكسترا نيوز، وطلب منى أن أستمع إلى أغنية قال لى إنها «مكسرة الدنيا» عنوانها «رب الكون ميزنا بميزة»، وبالفعل سمعتها عبر هاتفه، وبعدها بدأت أبحث عن الأغنية وصاحبها وخلفيتها.
الأغنية أو «المهرجان» كما يسميها الكثيرون، من كلمات إسلام المصرى ويغنيها حمو بيكا ومعه «على قدورة ونور التوت»، ومن توزيع «فيجو الدخلاوى». كلماتها تشبه هذه الموجة المنتشرة من الأغانى التى نسمعها تأتى من مركبات سائقى التوك توك، بكلمات وتعبيرات وجمل يراها البعض شديدة الركاكة والانحطاط، ويراها كثيرون آخرون تعبيرا صادقا عن حياتهم وهمومهم وأحلامهم.
هذه الأغنية ضمن مهرجان يدعى «تغلط تتظبط» وفيها جمل مثل: «دى رجولتك هى كيانك» و«خليك مظبوط ومسيطر.. تفضل كايد عزالك» و«فى ثانية تولع لهب!».
لكن ما الذى جعل حمو بيكا، يصبح الاسم الأكثر تداولا فى وسائل التواصل الاجتماعى مؤخرا؟!
هذا الفنان الذى لا يعرف كثيرون أن اسمه الحقيقى هو محمد محمود، أعلن عن حفل مجانى فى الإسكندرية قبل أيام عنوانه «وش غضب» وقال: «انتظرونى ومعايا كل النجوم اللى بتحبوها: هدى ناصر وهدى بندق وتيتو الفيلو وأبو ليلة وسوسى نوبى ومجدى شطة».
بمجرد ظهور هذا الفيديو خرج مجدى شطة وهو مطرب مهرجانات أيضا بفيديو مماثل قال فيه: «أنا مش رايح الحفلة دى، عندى شغل فى المطرية، وحمو بيكا بيقول كده عشان يلم الفانز بتوع الناس.. خلصانة!!!». ثم بدأ يسخر من بيكا وقال إنه ينطق اسم الأغنية هكذا «رب الكون ميسنا بميسة»، وليس «ميزنا بميزة!».
اشتعلت الحرب الإعلامية بين بيكا وشطة، وعندما ذهب الأول لإقامة حفله فى شاطئ البيطاش بالعجمى، تدخلت الاجهزة المختصة، وأوقفت الحفل لأنه لم يحصل أولا على أى ترخيص، وثانيا لأن الفنان هانى شاكر نقيب الموسيقيين أعلن أنه لا يحق له الغناء لعدم عضويته بالنقابة.
فى المقابل شاهدت فيديو قصيرا لحمو بيكا يقول فيه «إوعى تعملى وش غضب، عشان أعملك بلوك، ودى رسالة منى للأخصام».
هو كرر كلمة «الأخصام» كثيرا، قاصدا بالطبع «الخصوم»، لكن للموضوعية هو لم يكن متكلفا بل تحدث على سجيته عن «أيام الكحرتة»، وقال إنه بدأ حياته فى حى شعبى جدا وعمل فى كل المهن من نجار مسلح إلى سائق توك توك وجزار وكل المهن، لكنه قال إنه غاضب من الذين شتموه دون أن يعرفوه.
لا تشغلنى المعركة بين بيكا وشطة التى أطلق عليها البعض «معركة القاع»، ولا أستمتع بفكرة التعالى التى يمارسها بعض ممن يصفون أنفسهم بالنخبة والمثقفين على أمثال هذا المغنى إذا جاز أن نطلق عليه هذا الوصف. ما يشغلنى أكثر هو كيف أمكن لهذا المطرب، استقطاب أكثر من عشرة ملايين مشاهدة، لدرجة أن الأغنية احتلت مراكز متقدمة على موقع «الساوند كلاود» الذى خلا من كل كبار المطربين الذين نعرفهم؟!.
لنتوقف عن لغة الاستعلاء قليلا ونبحث بهدوء وبعمق عن السؤال كيف وصل هذا الرجل إلى هؤلاء الملايين، فى حين فشل الجميع؟، وهل نلومه لأنه استطاع أن يعبر عن هؤلاء الناس بلغة يفهمونها، أم أن المشكلة فى ثقافة مجتمع ظلت تتراجع حتى وصلت إلى هذا القاع؟! وهل هو قاع من وجهة نظرنا نحن، من ندعى أننا المثقفون فقط، أم أنه أمر نسبى، وما هى الطريقة المثلى للارتفاع بأذواق الناس، دون احتكار الحكمة والمعرفة المطلقة؟!.
الموضوع ليس تافها كما يعتقد البعض، لكنه يعكس حقيقة مجتمعنا والحالة التى وصلنا إليها. والحديث موصول.