نشر الكاتب الصحفي “عماد الدين حسين ” مقال في صحيفة الشروق بعنوان مشكلتنا مع الصهيونية.. وليس مع الديانة اليهودية جاء على النحو الآتي :-
فى خطبة الجمعة الأخيرة التى استمعت إليها، ركز الخطيب على أن الصراع مع اليهود هو صراع دينى أولا وأخيرا، ولا حل إلا بالحرب الدينية.
من الطبيعى أن جانبا ــ صغيرا كان أم كبيرا، هو دينى، أردنا هذا أم لا ــ لكن اعتماد الدين صفة وحيدة للصراع، يعنى ببساطة من وجهة نظرى أننا سنعطى القيادة فى هذه الأمة للمتطرفين سواء كانوا داعش والقاعدة، أو أى تنظيم أو جماعة تتاجر بالدين وتشوه صورته.
خطيب الجمعة فى المسجد القريب جدا من مجلس الوزراء والنواب والعديد من الوزارات قرب ميدان لاظوغلى، ركز على تجربة الرسول (صلى الله عليه وسلم) وسائر المسلمين مع اليهود فى مكة والمدينة، وكيف أنهم خانوا كل العهود والوعود، وحاولوا استهداف الإسلام والمسلمين بكل الطرق، وبالتالى فالحرب لا بد أن تكون وجودية أما نحن أو هم.
إذا كان المنطقى أن نفهم ونتفهم مشاعر كل المسلمين وغالبية العرب، الغاضبة من إسرائيل بسبب احتلالها للأرض المحتلة والقدس الشريف، وبالتالى يحاولون التركيز على الجانب الدينى للصراع، فالسؤال الطبيعى هو: إذا كان القرار الأخير والخطير بنقل السفارة الأمريكية إلى القدس اتخذه الرئيس الأمريكى دونالد ترامب المسيحى وليس اليهودى، فلماذا نصر على حصر الأمر فى الحديث عن اليهود فقط؟!!!.
آسف جدا أننى أستخدم هذه الصفات فى وصف هذا الشخص أو ذاك مستخدما ديانته. لكن أحاول أن أناقش أصحاب رؤية حصر الصراع فى الجانب الدينى فقط، رغم أهميته.
إسرائيل يهمها أن يكون الصراع معها دينيا بحتا، لأن معظم ما يشغلها أن يتعامل معها العالم خصوصا العرب والمسلمين باعتبارها دولة يهودية أو دولة اليهود.
يفترض بداهة أنه ليس هناك مشكلة لنا كمصريين وعرب ومسلمين مع الديانة اليهودية. مشكلتنا الجوهرية مع مجموعة من الإسرائيليين الصهاينة الذين احتلوا أرضنا، وليست مع اليهود، لسبب بسيط، أن مواقف بعض اليهود أكثر شرفا واحتراما ونصرة للقضايا العربية من بعض المسئولين العرب!!!.
هناك إسرائيليون يكتبون فى صحف إسرائيلية أفضل بكثير من بعض كتاب المقالات العرب، الذين مايزال بعضهم يصر جهلا أو غباء، على أن سبب وجوهر الصراع هو أن الفلسطينيين باعوا أرضهم لليهود، ولا يريد أن يرى العذاب اليومى المتواصل منذ عام 1967، الذى يتعرض له ملايين الفلسطينيين تحت حصار العدو أو حتى عذابهم النفسى فى المنافى العربية والعالمية حتى لو كانوا أثرى الأثرياء.
إذا إعلان أن صراعنا مع إسرائيل هو صراع بين مسلمين ويهود، سوف يفقدنا تضامن العديد من الأصوات اليهودية، كما يفقدنا أكثر أى تضامن آخر سواء كان مسيحيا أو هندوسيا أو بوذيا أو منتميا لأى ديانة سماوية أو أرضية. ليس من مصلحتنا ذلك بالمرة. نحن نحتاج إلى تعاطف وتضامن الجميع، مهما كانت دياناتهم أو أعراقهم، ومذاهبهم أو بلدانهم، خصوصا أن أوضاعنا صعبة وبائسة و«تصعب على الكافر نفسه»!!!.
كما لا يجوز أيضا أن نصور الصراع باعتباره صراعا بين المسلمين والمسحيين لأن ترامب مسيحى. إذا كنا نفكر بعقل فإن نصف الأمريكيين على الأقل يعارضون قرار ترامب، وأصوات نافذة كثيرة عارضته، كما أن غالبية قادة أوروبا المسيحيين خصوصا فى ألمانيا وبريطانيا وفرنسا وإيطاليا، عارضوا القرار علنا، وقالوا إنه يضر فرص السلام ويقوض المفاوضات. وهنا نسأل المتعصبين منا: هل نقول لهؤلاء القادة الأوروبيين: «آسفون أنتم مسيحيون ولا نريد تضامنكم»؟!!!.
مرة أخرى نحتاج إلى أى قدر من التضامن الدولى. مشكلتنا مع إسرائيل ليست دينية. هى تستغل الدين لتمرير مشروعها الاستيطانى العنصرى المتصادم مع كل الأديان والملل والنحل، ومن مصلحتنا أن نحاربها بالقانون الدولى والقرارات الدولية وأن نطاردها فى كل المحافل الدولية، وأن نفضح إجرامها أمام كل العالم، إلى أن يكون لدينا قوة شاملة، فوقتها وجب علينا القتال لتحرير الأرض. أما الحديث عن الحرب الدينية فهى أفضل خدمة يمكن أن نقدمها لإسرائيل وكل من يدعمها خصوصا ترامب!!!.