نشر موقع صحيفة القدس العربي مقالا للكاتب محمد عبد الحكم دياب بعنوان : مصر بين ” المشير ” والحاكم بأمر الله
وفيما يلى نص المقال :
في البداية أقول أن الانطباع الراسخ عن مصر من خارجها أنها بلد ساكن وقابل بما يحدث فيه وعليه ، ومن لحظة الوصول إلى أي مطار أو نقطة حدودية ترى العكس ، ويبدو أن الواقع يخالف ذلك الانطباع ، فالبلد يموج بحراك واسع تجسده صورتان ، أحداهما مباشرة جلية يمكن رصدها بالرؤية المجردة ، والأخرى غير مباشرة مبهمة ، فيها من الفوضى والتشنج الكثير ، وتتسربل بشعارات تغطي على نهج ( التأديب / الانتقام / التضييق ) الذي يُمارسه ” المشير ” مع المواطنين .. الصورة الأولى عبارة عن حراك واسع ولقاءات بين شخصيات عامة وأحزاب من الوسط واليسار تتطلع إلى حكم وطني مدني ، ينأي بنفسه عن شبهات ( الطائفية / المذهبية / الانعزالية ) ، وبعيداً عن جماعات الإسلام السياسي ، وعن الليبراليين الجدد ، وعن النظام القديم الذي امتد حكمه من ” أنور السادات ” ، واستمر مع حكم ” مبارك ” وابنه ، وعاد مع حكم
” المشير السيسي ” ، الصورة الثانية من السهل التعرف عليها من خلال التحريض المتصاعد والمستمر ضد ثورة يناير ، وشيطنة العمل الوطني وكل النشاط المعارض ، ورغم الصوت العالي والترويع الشديد للمحرضين ، وهذا جعل الصورة باهتة ، ومليئة بندوب ( التأديب / الانتقام / التضييق ) ، وبوصول قطار الخصخصة ، بجانب تأثير الأوامر المباشرة برفع الأسعار مع
كل لحظة .
يتداول رواد مواقع التواصل مقطعاً لحوار مثير مع ” المشير ” قبل انتخابات الرئاسة في 2014 قال فيه : ( أنا لو حَكِّمُوني هخلي اللي بيتكلم في التليفون يدفع واللي بيسمعه يدفع ) ، أي سيجعل من يتحدث في الهاتف يدفع وهذا طبيعي ، إلا أن الغريب هو أن من يرد على الهاتف سوف يدفع أيضاً ، وكأنه يعود بالناس إلى عصر ” الحاكم بأمر الله ” الذي أسرف في إصدار مراسيم غريبة في التحريم والإباحة ، واستمرار ” المشير” في الجباية والحصول على كل قرش في جيب المواطن نوع من الشبق المذموم ، ولو اطلع الناخبون على ما جاء في ذلك المقطع قبل انتخابات الرئاسة الماضية ما كان ” المشير” قد فاز فيها ، وكثير منا يذكر دعوته لـ ( صندوق تحيا مصر ) ، وطلبه (100) مليار جنيه لحساب الصندوق ، يتصرف فيهم بمفرده ، يومها وجه حديثه للمتباطئين في الدفع : ( هتدفعوا .. يعني هتدفعوا ) .. أي بالرضى أو بالقوة .. ومن يقبل هذه اللغة وممارسة هذه الأساليب فلا يلوم أباطرة المال والتجار الذين توحشوا وتجبروا ، ووصل بهم الأمر لترك السلع والمنتجات حتى تذبل وتفسد ، وحين يسأل سائل لماذا تُترك هكذا ثم تلقونها في القمامة ؟ ، أليس من الأسلم خفض السعر وتصريف هذه السلع والمنتجات ؟ ، يأتي الرد بأن التاجر الكبير لا يسمح بذلك ، وهل التاجر الكبير هو ذلك اللهو الخفي الذي روع الثوار إبان ثورة يناير ؟ ، وهناك إمكانية لخفض الأسعار بسبب الركود وإحجام الناس عن الشراء ، إما لعدم القدرة أو تلبية لنداء المقاطعة .
” المشير” القابض والمهيمن على سلطات الدولة الثلاث ، ومؤسساتها وأجهزتها ( الصحفية / الإعلامية ) خاصة وحكومية ، وضع يده أخيراً على ( جهاز الرقابة الإدارية ) ، بعد أن رهن اقتصاد مصر لـ ( صندوق النقد ) ، وتمادى في استخدام العصا ضد ( الطبقة الوسطى / محدودي الدخل / الفقراء ) ، ويقدم الجزرة لعناصر من اختياره ، يُعَدون على الأصابع ، كمظهر زائف للشفقة على مواطنين فقرا قوي .. وغطاء خادع للجباية ، وتبرير مصطنع لاستمرار ( التأديب / الانتقام / التضييق ) ، ومن يسير على هذا النهج لا يمكن الاعتماد عليه ، وهذه قناعة سائدة بين الغالبية العظمى من المواطنين ، ويُستثنى منها شركاء الثروة والحكم .