تحقيقات و تقاريرعاجل

ملف خاص.. تفاقم الأوضاع الأمنية والسياسية بجمهورية الكونغو الديمقراطية

تواجه جمهورية الكونغو الديمقراطية حالياً أزمة سياسية واقتصادية متزايدة منذ ديسمبر ٢٠١٦ ،   عندما رفض الرئيس ” جوزيف كابيلا ” التنحي عن منصبه في نهاية ولايته الدستورية الثانية ، وتمكن ” كابيلا ” من البقاء في السلطة عن طريق تأخير الانتخابات والإشراف على حملة قمع وحشية ضد الداعين لتطبيق الدستور ووجوب احترامه .

الجهود المبذولة لحل الأزمة :

عقب الاضطرابات التي اجتاحت البلاد والصراع الذي نشب بين الحكومة والشعب في 2016 ، قامت الكنيسة الكاثوليكية بتوقيع صفقة يوم (٣١) ديسمبر 2016  شملت التزامات واضحة لإجراء الانتخابات قبل نهاية عام 2017 ، واشترطت ألا يترشح ” كابيلا ” للحكم أو محاولة تعديل الدستور  ، واتفق تحالف المعارضة الرئيسي ورئاسة الحكومة الانتقالية ومجلس الرقابة الوطني على هذه الالتزامات وعدم تجاهلها من قبل ” كابيلا ” ، ولكن مع تزايد الأزمة من المتوقع عدم إجراء انتخابات ذات مصداقية في نهاية عام 2017 ، ووفي تطور لاحق عقد الأساقفة مؤتمراً خلال شهر يوليو 2017 ، حذروا خلاله من الحالة السيئة للغاية التي وصلت إليها البلاد ، ودعوا جميع المواطنين للوقوف معاً واتخاذ قرارهم المصيري ، وذلك في أعقاب نداء عاجل من الأمين العام للأمم المتحدة السابق ” كوفي عنان ” و(9) من الرؤساء الأفارقة السابقين الذين حذروا من أن مستقبل البلاد في خطر كبير ، مشيرين إلى أن تزايد واستمرار القمع ضد المعارضة السياسية والنشطاء والصحفيين والمتظاهرين السلميين ، والعنف من قبل العشرات من الجماعات المسلحة وقوات الأمن الحكومية تَكثَّف في معظم أنحاء الكونغو .

تداعيات الأزمة على البلاد :

تواجه جمهورية الكونغو الديمقراطية أزمة اقتصادية طاحنة ، أدت إلى البطالة بين الشباب بشكل واسع ، وزاد الأمر سوءاً ما حدث مؤخراً من سلسلة عمليات الهروب من السجون ، حيث فر نحو (5000) سجين ، ما أسفر عن انعدام الأمن بالبلاد ، خلال شهر يونيو . 

شهدت البلاد مؤخراً عمليات توغل للحدود من قبل المتمردين ، وقاموا بإعدام العديد من أفراد الشرطة والمدنيين ، ما أدى لانهيار المحادثات الرامية للتغلب على الأزمة السياسية بالبلاد  .

اندلاع أسوأ موجة عنف بمنطقة ” كاساي ” التي كانت سلمية حتى الشهر الماضي ، حيث اندلعت موجة احتجاجات واسعة النطاق في أغسطس 2016 ، عندما أطلقت قوات الأمن الرصاص على أحد قادة المعارضة بالبلاد ، ما أثار دوامة من العنف الذي انتشر في (5) محافظات ، وأدى إلى نزوح نحو (1.3) مليون شخص ومقتل (3300) آخرين ، بالإضافة للهجوم على نحو (600) مدرسة تم تدميرها ، وتأثر ما يقدر بنحو (1.5) مليون طفل جراء أعمال العنف .

كيفية تناول نظام ” كابيلا ” للأزمة :

قامت قوات الأمن الحكومية باستخدام القوة المفرطة ، وتنفيذ محاكمة أعضاء مشتبه بهم أو متعاطفين مع ميليشيا شكلت في البداية للرد على مقتل قائد بالمعارضة .. كما أنه في الشهرين الماضيين ظهرت ميليشيا تدعمها الحكومة تعرف باسم ( البنا مورا ) ، قامت بتدمير قرى بأكملها سواء بالرصاص ، أو بالاختراق أو الحرق ، والتشويه لمئات القرويين ، بمن فيهم النساء الحوامل والرضع والأطفال الصغار ، كما تم العثور على نحو (42) مقبرة جماعية بالمنطقة يعتقد أن معظمها من عمل القوات الحكومية . 

الموقف الخارجي تجاه الأزمة :

أشار موقع ( فايننشال تايمز ) إلى أن الأمم المتحدة لم تتحرك تجاه هذه الأزمة إلا بعد مقتل (2) من خبراء الأمم المتحدة لحقوق الإنسان ، وهما ” مايكل شارب ” أمريكي الجنسية ، و” زيدا كاتالان ” سويدي الجنسية – تم إعدامهما – ، كما أن هناك (3) آخرين في عداد المفقودين .. الأمر الذي جعل مجلس الأمن حقوق الإنسان بالأمم المتحدة هذا الشهر بإجراء تحقيق دولي في أعمال العنف بمنطقة ” كاساي ” والقرار الذي اعتمد بعد أسابيع من المفاوضات المكثفة لم يذهب بعيدًا كما يقتضي الأمر ، ولكنه جلب الأمل لكشف حقيقة الجرائم البشعة وتحديد المسئولين عنها ، باعتباره خطوة نحو العدالة ، كما اتخذت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي مواقف قوية في الضغط لتحقيق العدالة لجرائم قتل خبراء الأمم المتحدة وآلاف الضحايا ، ومؤخراً فرضت عقوبات مستهدفة جديدة ضد كبار المسئولين الكونغوليين ، وأظهرت العقوبات الأمريكية أن ” كابيلا ” لم يكن لديه الدعم غير المشروط من إدارة ” ترامب ” ، والذي كان يأمل فيه العديد من المسئولين الكونغوليين .

الأوضاع في الكونغو كانت ذريعة لتدخل الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي في الشئون الداخلية للبلاد ، حيث قرروا المضي قدماً في معاقبة أولئك الذين ساهموا في تمويل ” كابيلا ” وحملة حكومته للقمع وسوء المعاملة .. أما دول الجوار وغيرها من اللاعبين الإقليميين – بما في ذلك أنجولا – فتنظر للوضع بقلق متزايد إزاء عدم حل ” كابيلا ” للأزمات التي تواجه البلاد ، ويمكن أيضاً اتخاذ موقف أقوى في الضغط عليه للسماح للتحول الديمقراطي السلمي قبل نهاية العام ، ورغم هذا الوضع السيئ لا يزال هناك متسع من الوقت للاستجابة لتحذيرات الأساقفة الكاثوليك والقادة الأفارقة السابقين ووقف تصاعد العنف وسوء المعاملة وعدم الاستقرار التي تهدد جمهورية الكونغو .. لكن هذا يتطلب مشاركة رفيعة المستوى وضغطًا متواصلاً وموجهاً ومنسقاً جيداً ضد ” كابيلا ” وحكومته على الصعيدين الوطني والدولي مع وضع الحلول على الأرض وتحديد موعد نهائي للانتخابات .

 

زر الذهاب إلى الأعلى