تداعيـــات انسحـــاب قوات حفظ الســــلام الأفريقيـــة ( أميصــوم ) من الصومــال
في إطار متابعة كافة المستجدات بقارة أفريقيا ، خاصة على الأصعدة ( الأمنية / السياسية / العسكرية ) ، تم إعداد تقرير يحتوي على تداعيات انسحاب القوات الأفريقية ( حفظ السلام – أميصوم ) التابعة للاتحاد الأفريقي من الصومال والتي كانت تنتشر في العديد من المناطق الصومالية ، بهدف مجابهة الحركات المسلحة المتطرفة ( عناصر حركة الشباب المتشددة / عناصر تنظيم داعش ) .. وفيما ما تم رصده بهــــذا الصـــدد :
قــــرار تخفيـــض قـــوات حفــظ الســــلام الأفريقيــــة ( أميصـــوم ) :
1 – أقر مجلس السلم والأمن التابع للاتحاد الأفريقي في يونيو 2016 ، إجراء خفض تدريجي لقوات ( حفظ السلام ) الأفريقية بالصومال ، على أن تتسلّم مسئولية حفظ الأمن ( قوات الأمن / الجيش الصومالي ) ، حيث ستنهي بعثة الاتحاد الأفريقي المكونة من عسكريين كل من ( جيبوتي / بوروندي / كينيا / إثيوبيا / أوغندا ) عملياتها في الصومال بحلول 2020 ، ومن المرتقب أن تغادر أول دفعة من نحو (1000) جندي أفريقي الصومال قبل نهاية 2018 ، كما جاءت مبادرة برلين بسحب المدربين العسكريين المتمركزين في الصومال بحلول أواخر مارس 2018 ، لتزيد تعقيد الوضع الأمني بالصومال ، من حيث مواجهة الحركات الإرهابية هناك .
2 – تضمّ البعثة نحو (22) ألف عنصر مقارنة بنحو ( 7 : 9 ) آلاف مقاتل من حركة الشباب ، وفقاً لتقديرات مجلس العلاقات الخارجية – مركز بحثي أمريكي مستقل – ، ومن بين (54) دولة عضو في الاتحاد الأفريقي ، ساهمت (6) دول فقط في بعثة الاتحاد الأفريقي بالصومال على مراحل ، شملت انضمام ( أوغندا / بوروندي ) عام 2007 ، ثم جيبوتي عام 2011 ، وكينيا عام 2012 ، وسيراليون عام 2013 ، وإثيوبيا عام 2014 .
تأثير القرار على الوضع الأمني في الصـــــومال :
من خلال تطورات الأوضاع في الصومال ، خاصة على الصعيد الأمني ، تلاحظ أن الانسحاب التدريجي المقرر للقوات الأفريقية ( حفظ السلام ) والذي تم وضعه في إطار النجاح في صدّ حركة الشباب المتمردة التي تخوض حرباً ضد الحكومة الصومالية ، سيشكل فرصة للحركة للتمدد مجدداً ، ما يعني أن تشكيل القوات الأفريقية عام 2009 لغرض مكافحة ( حركة الشباب ) والقضاء عليها والبقاء طوال هذه الفترة في الصومال لم يحقق الهدف ، وأنّ التهديد الذي تشكله الحركة داخل الصومال وبمنطقة القرن الأفريقي لا يزال قائماً .
مع أن الحركة نجحت مع بداية 2018 في الظهور بقوة كبيرة ، حيث عادت هجمات هذا التنظيم لتشمل مساحة واسعة من البلاد ، وتسفر عن عشرات الضحايا من المدنيين والعسكريين ، كما نجحت معركتها المستمرة في مقديشو في إظهار ضعف الحكومة الجديدة في السيطرة الفعلية على أجزاء مهمة من العاصمة ، حيث عرفت الحركة كيف تتكيف مع ظروف الحرب داخل المدن ، وبالمناطق الريفية الشاسعة التي تسيطر عليها ، وتستخدمها قاعدة لهجماتها المتنوعة .
وعلى رغم أن الحكومة أعلنت أنها وضعت خطة انتقالية ليتولى الجيش مهمة الأمن خلفاً للقوات الإفريقية التي انسحب جزء منها بالفعل ، وأنها تستهدف بناء قوات ذات كفاءة عالية قادرة على إحلال السلام والاستقرار ، دون أن توضح كيف سيتم ذلك في الوقت القصير المتبقي وفى ظروف غير مواتية ، فقد تلاحظ عجز كبير في أداء الحكومة وقواتها في السيطرة على زمام الأمور رغم كل المساعدات الخارجية التي تأخذها ، إضافة إلى غضب شعبي لتفشى الفساد الذى سمح بنهب جزء غير يسير من تلك المساعدات ، وأدى لتأخر تسليم الرواتب للجنود لعدة شهور ، مما دفعهم للفرار وبيع أسلحتهم حتى لأعداء الحكومة ، كما أدى هذا الإحباط لخلق مصاعب في التمويل للقوات الإفريقية بعد أن خفض الاتحاد الأوروبي تمويله لها ، مما عجل بقرار حكومات دول مساهمة فيها مثل أوغندا صاحبة النصيب الأكبر من تلك القوات بسحبها أيًا كانت العواقب ، كما أوقفت الإدارة الأمريكية المساعدات الغذائية والوقود لمعظم أفراد الجيش للسبب نفسه .
و على الرغم من أن الولايات المتحدة رفعت مع بداية 2018 بشكل كبير من عدد أفراد وحداتها الخاصة المنتشرة بالصومال لتصل إلى (500) جندي ، فإن استراتيجية اعتماد عدد صغير من عناصر القوات الخاصة أظهرت عجزها على مواجهة تنظيم الحركة ، حيث اصطدمت هذه الاستراتيجية بواقع تستفيد فيه التنظيمات المتطرفة من تشابك الوضع ( القبلي / السياسي ) هناك ، فضلاً عن غياب جيش وطني مجهز وقادر على توفير الضروريات لأفراده .
الأيدلوجيـــة الفكريـــة لحـــركة الشـــباب بشـــكل عـــام :
تعتمد الحركة على أيديولوجية متشددة ، أتاحت لها فرص البقاء وتجنيد المزيد من أبناء القبائل في المناطق النائية التي تعيش نزاعات مسلحة ( داخلية / خارجية ) .
هي جماعة متشددة مرتبطة بتنظيم القاعدة ، تهدف إلى الإطاحة بالحكومة بمقديشو ، وإقامة دولة وفق منهجها الفكري المتطرف .
تُثير عمليات القتل العشوائي للمدنيين ، أحياناً جراء القصف الجوي الأمريكي ، استياءً واسعاً لدى السكان المحليين بمناطق سيطرة الحركة ، ما يُعطيها شرعية لدى قطاعات واسعة من أبناء تلك المناطق ، كحركة مقاومة تجذب إليها المزيد من العناصر ، خاصة من ذوي الضحايا بدافع الانتقام .
يعترف تقرير الخارجية الأمريكية حول الإرهاب في العالم عام 2017 ، بأن الحركة شهدت ضغوطًا عسكرية كبيرة خلال 2017 ، لكنها لا تزال تحتفظ بالسيطرة على أجزاء كبيرة من الصومال ، وقدراتها على تنفيذ هجمات وتفجيرات انتحارية وإطلاق قذائف الهاون وغيرها .
أبـــرز السيناريوهــات المتوقعــة عقب انسحـــاب القـــوات الأفريقيـــة بالكامــل :
تبين من خلال دراسة الأوضاع في الصومال خلال الفترات الماضية ، من حيث رصد نشاط حركة الشباب ، إضافة إلى الجهود الحكومية المناهضة للحركة ، أن أحداثاً كثيرة غير مستبعدة قد تحدث من بينها سقوط الحكومة واستيلاء حركة الشباب على العاصمة والمدن الكبرى ، إضافة للمناطق الريفية الشاسعة التي تحت أيديها حالياً ، وقد يساعد على ذلك احتمال تحالف داعش معها أو على الأقل تكثيف هجماته التي تضعف الحكومة وتسهل لحركة الشباب المهمة ، إذا استولى المتطرفون على السلطة في البلاد فمن المرجح أن يدفع ذلك دولًا مثل ( إثيوبيا / كينيا ) إلى حماية أمنها بإنشاء مناطق عازلة داخل الأراضي الصومالية فيزداد الصومال تمزقاً ، ومن المحتمل أيضاً أن تتورط الولايات المتحدة عسكرياً أكثر فى الصومال بهدف القضاء على حركة الشباب ومنع داعش من الاستيطان هناك حتى لا يهدداً حلفاءها ومصالحها الأمنية فى القرن الإفريقي وتجارتها عبر خليج عدن والبحر الأحمر ، كما أن دولة مثل تركيا لن تجد إذا سقطت الحكومة مفراً من إخلاء قاعدتها العسكرية وسحب شركاتها والتخلي عن إدارة مطار مقديشيو ليتوقف حلمها باتخاذ الصومال نقطة انطلاق للتوغل تجارياً واستثمارياً وعسكرياً فى إفريقيا .