تحقيقات و تقاريرعاجل

ملف خاص حول ما يسمى “الإرهاب العائلي” … في أوروبا

كشفت الهجمات الإرهابية التى تعرَّضت لها العديد من الدول الأوروبية-منذ قيام تنظيم «داعش» بالإعلان عن دولته فى العراق والشام فى يونيو ٢٠١٤- عن نمط جديد للعناصر المُنفذة للعمليات الإرهابية، وهو نمط «الإرهاب العائلى»، الذى تقوم بتنفيذه عناصر تربطهم علاقات قرابة ووشائج اجتماعية؛ ما يعد تطورًا فى آليات تجنيد العناصر، التى لجأت إليها التنظيمات الإرهابية، وهو الأمر الذى أضاف أبعادًا مُعقدة لكيفية مواجهة ظاهرة «الإرهاب العائلى»، التى أضحت إحدى آليات التجنيد للتنظيمات الإرهابية والمتطرفة، وأسهمت فى إعادة إنتاج الإرهاب، وتوريث قيم التطرف ومنظومته الفكرية من جيل إلى آخر.

ويبدو أن ظاهرة «الإرهاب العائلى»، كانت لها جذورها التاريخية الممتدة، فأحداث الحادى عشر من سبتمبر ٢٠١١، التى قام بتنفيذها ١٩ إرهابيًّا على الأراضى الأمريكية، واستهدفت رموز الهيمنة الأمريكيَّة السياسيَّة والاقتصاديَّة والعسكريَّة، شارك فى تنفيذها ستة أشقاء، كما أن الإرهابيين الاثنين اللذين قاما بتنفيذ تفجيرات قطارات مدريد فى مارس ٢٠٠٤، شقيقان من أصول مغربية، كما شارك الأخوان الأمريكيان من أصول شيشانية، «تيمور لنك» و«جوهر تسارناييف»، بتفجيرات ماراثون بوسطن فى أبريل ٢٠١٣.

وتكررت ظاهرة «الإرهاب العائلى» فى حالات متعددة بعدد من الدول الأوروبية، التى شهدت تنفيذ عمليات إرهابية على أراضيها؛ وكان أبرزها الهجوم الذى شهدته فرنسا على صحيفة «شارلى إبدو» الأسبوعية، فى يناير ٢٠١٥، وقام بتنفيذه الأخوان «سعيد وشريف كواشى» وهما من أصول جزائرية، وأسفر الهجوم عن مقتل ما يقرب من ١٢ شخصًا، وإصابة ١١ آخرين، والذى تمكنت قوات الأمن الفرنسية من تصفيتهما بعد الحادث بيومين، كما تسلمت السلطات الفرنسية من نظيرتها البلغارية، فى أغسطس ٢٠١٦، «مراد حميد»، شقيق زوجة شريف كواشى، الذى وجَّهت إليه اتهامات بالارتباط بمنظمة إرهابية.

وشارك الأخوان «إبراهيم وصلاح عبدالسلام»، فى سلسلة الهجمات الإرهابية التى تعرضت لها العاصمة الفرنسية باريس، فى نوفمبر ٢٠١٥؛ حيث قام الأول بتفجير نفسه فى أحد المطاعم أثناء الهجمات، على حين تمكَّن الثانى من الهرب إلى بروكسل، وتم القبض عليه فى مارس ٢٠١٦، وقامت السلطات البلجيكية بتسليمه إلى السلطات الفرنسية لتقديمه للمحاكمة لدوره فى تلك العمليات، إذ قام -وفق ما تناولته وكالات الأنباء العالمية- بنقل ثلاثة انتحاريين إلى استاد دو فرانس؛ حيث وقع الهجوم الذى أسفر عن مقتل ١٣٠ شخصًا.

أما العاصمة البلجيكية بروكسل، فقد شهدت تنفيذ عملية إرهابية فى مارس ٢٠١٦، قام بتنفيذها الأخوان إبراهيم وخالد البكراوى فى مارس ٢٠١٦، استهدفت مطار بروكسل الدولى.

أسباب متعددة

أسهمت العديد من العوامل فى تزايد انتشار نمط الإرهاب العائلى فى أوروبا، وهو ما يمكن إبرازه فى العناصر التالية:

تشديد الرقابة على وسائل التجنيد: مثل اتجاه العديد من الدول الأوروبية إلى تشديد الرقابة على وسائل التواصل الاجتماعى، كآليات للتجنيد استخدمتها التنظيمات الإرهابية والمتطرفة وفى مقدمتها داعش، الذى نجح فى استقطاب عدد كبير من الشباب الأوروبي؛ فاتجهت التنظيمات الإرهابية والمتطرفة إلى استحداث آليات جديدة تضمن إمدادها بعناصر بشرية تعوضها فقدانها لمقاتليها فى بؤر الصراعات المختلفة، فكان اعتمادها على الروابط الأسرية، باعتبارها حواضن اجتماعية بعيدة عن المراقبة الأمنية.

انتشار مناطق الجيتو: (وهو مصطلح يشير إلى منطقة يعيش فيها طوعًا أو كرهًا، مجموعة من السكان يعتبرهم أغلبية الناس خلفية لعرقية معينة أو لثقافة معينة أو لدين)، فقد استندت التنظيمات الإرهابية والمتطرفة فى توظيفها للعلاقات الاجتماعية لتجنيد عناصر جديدة على المناطق المُهَمَّشة والفقيرة، التى تُعرف بمجتمعات «الجيتو» فى البلدان الأوروبية، وهى تلك المجتمعات التى تنتشر كحزام منتشر حول المناطق المتقدمة، ويقطنها أغلب أبناء الجيل الثانى والثالث من المهاجرين، الذين فشلوا فى الحصول على قدر وافر من التعليم يمكنهم من الانخراط داخل المجتمعات الأوروبية بنجاح؛ ما أدى بهم إلى الانفصال والانغلاق داخل هذه المجتمعات.

لذلك فإن مجتمعات «الجيتو» تشعر بعزلة مجتمعية عن سياقها الأوروبى، وهى البيئة التى تلائم انتشار الأفكار المُتطرفة لتضم النواة الإرهابية فى مراحلها الأولى من الأشقاء ثم الأقارب، ثم الأصدقاء المقربين وأبناء الحي؛ ولذلك تبرز ظاهرة وجود خلايا كاملة فى مناطق النزاع، كسوريا أو العراق مثلًا، أو حتى خلايا نائمة تتكون من أقارب وأصهار وآخرين، تتفاوت درجات قرابتهم الأسرية من بعضهم البعض.

صعوبة الاختراق: تعتمد التنظيمات الإرهابية والمتطرفة على العلاقات الاجتماعية وصلات القرابة، كونها تُمَثّل صعوبة فى الاختراق، فوفقًا لاتجاهات عديدة، هى تعتمد على علاقات الأخوة وصلات القرابة، حتى تبقى أنشطتها فى إطار من الكتمان، وبالتالى الالتفاف على كل محاولات كشف عناصرها من قبل الأجهزة المعنية بمكافحة الإرهاب، وخطورة نمط الإرهاب العائلى تكمن فيما يمكن أن يحدثه من تأثير سلبى فى نطاق تحركه، وفى ظل التعاملات اليومية المعتادة بين أعضائه.

تسهيل التجنيد: تساعد علاقات القرابة، وصلات الصداقة، بين أعضاء الجماعات المتطرفة على القيام بالتجنيد وتنفيذ العمليات الإرهابية فى إطار من الثقة، بالاعتماد على عمليات التجنيد العائلى، وهو الأمر الذى يفسره الكثيرون بحرص التنظيمات الإرهابية والمتطرفة على تجنيد النساء، كونهن أكثر تأثيرًا فى محيطهن الأسرى، الأمر الذى قام به تنظيم «داعش»؛ حيث انتشرت المقاتلات من النساء بأفرع متعددة للتنظيم فى بؤر الصراعات، ووصفن فى كتابات عديدة بالداعشيات.

تشابه النسق القيمى للأقارب: يساعد تشابه النسق القيمى للأقارب فى تبنيهم رؤى متشابهة إزاء أنفسهم وإزاء الآخرين،، ولذلك فإن المتخصصين فى علم النفس يعتقدون أن إمكانية تأثير أحد الأشقاء على الآخرين تكون أيسر وأكثر فاعلية، وبالتالى تصبح العلاقة بينهم قائمة على درجة أكبر من الانصهار والانصياع.

 

زر الذهاب إلى الأعلى