كتب سنان أولغن، الدبلوماسي التركي السابق ورئيس مركز إيدام للأبحاث، في مقال بصحيفة “فايننشال تايمز” البريطانية، أن العملية العسكرية التركية في شمال سوريا تنذر باحتمال حصول مواجهة مباشرة بين دولتين حليفتين في الناتو، مشيراً إلى أن الأمر لا يتوقف فقط على النطاق المحدد لتلك الحملة العسكرية، وإنما أيضاً على قراءة واشنطن لنوايا تركيا الحقيقية.
ويوضح أولغن أن هدف أنقرة الأولي كان يتمثل في السيطرة على جيب عفرين الذي تسيطر عليه ميليشيات وحدات حماية الشعب الكردية السورية الـ (YPG) القريبة من حزب العمال الكردستاني، وهو الكيان الذي تعتبره تركيا والولايات المتحدة “منظمة إرهابية”، ولكن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أعلن أن العملية العسكرية سوف تمتد إلى منبج وربما إلى الشرق نحو روجافا، وهي الأقاليم الكردية السورية التي تسيطر عليها وحدات حماية الشعب الكردية.
سيناريو كارثي
ويقول أولغن: “ولكن على النقيض من عفرين، حيث يتوافر لروسيا النفوذ، فإن منبج وروجافا تُعد من الجيوب التي تستخدمها الولايات المتحدة في تدريب وتجهيز قوات وحدات حماية الشعب الكردية لمحاربة داعش، ويتمركز في هذه المنطقة أكثر من 2000 جندي أمريكي وأفراد من القوات الخاصة الأمريكية. ومؤخراً حذر الرئيس الأمريكي دونالد ترامب نظيره التركي في اتصال هاتفي من احتمال حدوث مواجهة عسكرية بين الجنود الأتراك والقوات الأمريكية على الأراضي السورية”.
وبات هذا السيناريو الكارثي للمواجهة بين اثنين من حلفاء الناتو يلوح في الأفق، بحسب أولجين الذي يتساءل أيضاً عما إذا كانت تركيا مستعدة فعلاً لتحدي الولايات المتحدة عسكرياً في سوريا، أم أن خطاب أنقرة العدواني هو مجرد جزء من جهد متضافر لردع الأمريكيين عن الانخراط بشكل أعمق مع الأكراد السوريين. وثمة تساؤل آخر على القدر نفسه من الأهمية وهو: هل تعتقد واشنطن أن تهديدات تركيا عبارة عن خدعة ولن يتم مهاجمة الأكراد في منبج أو خارجها؟
حسابات خاطئة
ويلفت أولغن إلى أن التاريخ يبين أنه عندما تتراجع الثقة يقع الحلفاء في حسابات خاطئة، والمثير للقلق أن العلاقات المؤسسية التي كانت ترتكز في السابق على العلاقة بين الولايات المتحدة وتركيا قد تلاشت، أما الروابط العسكرية فقد عفا عليها الزمن، كما تتزايد صعوبة إدارة الوضع الراهن بسبب ضعف الروابط بين مؤسسات السياسة الخارجية التقليدية في كل من أنقرة وواشنطن.
ويحذر أولغن من أن المواجهة المباشرة بين القوات التركية والأمريكية سيكون لها تداعيات خطيرة على الأمد الطويل بالنسبة لأمن الأطلسي، ونظراً لاهتمام موسكو وطهران وحتى دمشق بوقوع مثل هذا السيناريو، فإنه سيكون من الصعب تخفيف حدة مخاطر التدخل بعملية “وهمية أو كاذبة” تستهدف إثارة أزمة.
وفي مثل هذه الظروف، لن تقتصر تلك التداعيات على إلحاق ضرر لا يمكن إصلاحه في العلاقات الثنائية بين البلدين، ولكن مستقبل إلتزام تركيا تجاه حلف الناتو سيكون موضع تساؤل. والواقع أن الرأي العام التركي يتشكك بالفعل في فوائد عضوية تركيا في حلف الناتو؛ إذ أظهرت نتيجة استطلاع للرأي جرى في شهر نوفمبر الماضي أن 67% من الأتراك يعتقدون أن أمن تركيا يمكن ضمانه خارج الناتو.
الثقة الضائعة
وبحسب أولغن، يبدو هذا التشكك أكثر وضوحاً بين مؤيدي حزب العدالة والتنمية الحاكم، ووفقاً للاستطلاع المشار إليه أعلاه فإن 65% من الجمهور التركي و73% من الناخبين في حزب العدالة والتنمية يعتبرون الولايات المتحدة “دولة معادية”، و2% فقط يعتبرون الولايات المتحدة “دولة صديقة”.
ويحض أولغن الولايات المتحدة على تحديد مجالات الاهتمام المشترك مع أنقرة بدلاً من اختبار تصميم الأخيرة على شن هجمات عسكرية في شمال سوريا، ومبادرة الولايات المتحدة وتركيا إلى إنشاء ممر إنساني للمدنيين في عفرين الذين يواجهون الحرب أو الحصار لنقلهم إلى خارج مناطق الصراع.
ويختتم أولغن بأن التعاون المشترك بين الولايات المتحدة وتركيا قد يساعد على استعادة الثقة الضائعة بين الطرفين، وهو شيء أساسي لنجاح المفاوضات بين الحليفين حول مستقبل سوريا، فضلاً عن النظام الأمني الجديد في منطقة الشرق الأوسط.