«موت وخراب ديار».. النصب على أهالى المفقودين.. وعشرات الأسر تعرضت للابتزاز
"مصائب قوم عند قوم فوائد".. مقولة مأثورة يمكن استيعاب بشاعتها فى حالات الكراهية وحسابات المنافع والمصالح، لكن أن تكون المصيبة فى فقد "الضنا" واختفاء فلذات الأكباد والبحث عنهم بقلب محترق من اللهفة والخوف عليهم، ويأتى شخص يتعامل مع الأمر على أنه فرصة ربح جيدة، فهو بالطبع لا يستحق مسمى إنسان، وحتى وصف مجرم لا يليق ببشاعة ما يفعله بتلاعب بأعصاب الأهالى المكلومة، من أجل حصد حفنة أموال لا تغني ولا تثمن من جوع، لكن للأسف وجودهم واقع رصدناه فى عدد من حالات التغيب وفقد الأطفال، إذ تتعرض أسر من أصحاب تلك المعاناة إلى ابتزاز ونصب أمثال هؤلاء من عديمي الضمير.
والد "قتيلة المرج" تعرض للابتزاز
ومن آخر الحالات التى رصدها «التحرير» فى ذلك السياق هو ما تعرض له عوض النجار، والد الطفلة "نادية" ذات الـ11 عامًا، والتى أصبح الجميع يعلم الآن أن زوجة أبيها هى من قتلتها ذبحًا، وألقت جثتها فى الرشاح البلبيسي بمنطقة المرج، بسبب غيرة زوجة الأب من الطفلة، وخوفها من إبلاغها أبيها بأنها تعدت عليها بالضرب، فبعد قتل الطفلة والتخلص من جثتها بالرشاح زعمت زوجة الأب اختفائها، وأخذت تبحث مع باقى أفراد العائلة عن الطفلة، التى استمر غيابها لمدة أسبوع كامل، قبل اكتشاف حقيقة الجريمة بالوصول إلى ربة منزل أفادة بمشاهدتها زوجة والد "نادية" تلقى جوالًا يسيل منه الدم فى الرشاح.
وكشف والد الطفلة فى تصريح خاص للتحرير بعدما باتت الحقيقة معروفة، أنه تعرض للابتزاز خلال فترة اختفاء نجلته ومطالبته الأمن بالبحث عنها، ومناشدته كل من يعرف شيئا عنها أن يساعده، إذ استغل عديمي الضمير حرقة قلبه وتلهفه للوصول إلى ابنته ليحاولوا النصب عليه بأمل كاذب بأن نجلته بين أيديهم وعلى قيد الحياة، إلى أن ساقهم القدر إلى حقيقة مقتل "نادية".
وشرح الأب: "فوجئت بأشخاص لا تسمح لى غصة قلبى بوصفهم أنهم بشر، يتصلون علي، ويدعون أنهم اختطفوا ابنتي، وأنها حية ترزق بين أيديهم، ويطلبون فدية مقابل إطلاق سراحها، ولم يتوانى الأب الذى يرفض حتى الآن استقبال عزاء طفلته حتى إعدام زوجته التى قتلتها، فى الاستجابة لطلبات هؤلاء النصابين، قائلًا:«كلمنى أكثر من شخص وحضرت لهم الفلوس وأحدهم نصب علىّ فى مبلغ 4 آلاف جنيه حولتها له على البريد».
ويتابع الأب الذى غالبته الدموع خلال حديثه إلينا: «كنت فاكر إن بنتى عايشة، كنت ممكن أدفع فلوس الدنيا كلها، لكن اتنصب علىّ 3 مرات بذات الطريقة، ومباحث قسم المرج أكدوا لىّ أن نصابين استغلوا بطاقات مسروقة فى تحويل أموال عليها».
«أطفال مفقودة» تفضح حيل النصابين
وبالطبع ليس النصب على والد "نادية" وحده 3 مرات خلال 7 أيام هى الحالة الوحيدة، وإنما عشرات الأسر التى تعاني فقد أبنائها وتبذل الغالي والنفيس فى طريق البحث عنهم تعاني من أمثال هؤلاء النصابين، وهو ما تطرقت له صفحة أطفال مفقودة على موقع التواصل الاجتماعي فيس بوك، والمعنية بنشر مناشدات أسر الأطفال المفقودين، والأطفال الضالين الذين يجرى البحث عن أسرهم.
وحذرت الصفحة من أشخاص يتصلون بأهالى المفقودين، ويزعمون معرفة أماكن تواجد أبنائهم، ويتحصلون على أموالهم عن طريق البريد أو فودافون كاش، بحجج مختلفة، ذكرت الصفحة منها: "ادعاء الخطف على خلاف الحقيقة وطلب فدية، أو زعم معرفة مكان الابن وطلب تحويل أموال إليه ليرسل سائقا يستدعيه إليهم، أو يستخدم سائقا يقله إلى مكانه ليأتى به إلى مكانهم، وأحيانًا حينما يبادره الأهل بالاقتراب من المكان الذى وصفه لهم فى مكالمته خلال وقت قصير منها يخبرهم أنه كان يمزح، وأحيانًا يطلبون تحويل رصيد حتى يرسل إليهم صورًا ليتحققوا إن كان الذى يزعمه هو طفلهم من عدمها، وكما اتضح فى حالة الطفلة "نادية" لا حرج من ادعاء أى اسم ببطاقة مسروقة يتلقون بها الأموال من مكاتب البريد أو غيره.
وفى سياق استغلال الصفحات التى تنشر بيانات الأهالى لتسهيل الوصول إليهم فى رحلة البحث عن أبنائهم، تنصلت الصفحات من أى محاولة نصب أو جمع أموال، وأكدت «أطفال مفقودة» أنها لا تتقاضى أى أجر مقابل خدمات الصفحة، وكتب القائمون على الصفحة "تؤكد صفحة أطفال مفقوده أننا لا نتلقي أي مقابل مادي مقابل خدماتنا المجتمعيه بأي شكل من الأشكال.. و جميع ما نفعله و نقوم به على نفقتنا الخاصة بدون أي نفقات علي الأسرة قبل وبعد الوصول للمفقود .. ولم ولن نطلب أبدا أي مقابل لإرسال صور أو توصيل مفقود لأهله ويرجي ابلاغنا عن أي شخص يدعي أنه من فريق الصفحة ويطلب أموالا".
الخاطفون أيضًا ينصبون
وليست كل وقائع النصب على أسر المفقودين تكون من أشخاص مدعين لا صلة لهم بالضحية، ولكن البعض منهم يكونوا من عتيدى الإجرام، الذين يخطفون الأشخاص فعليًا، لكنهم يقتلونه وحتى بعد موته يتصلون بأهله لطلب فدية، وكأن موت الضحية ليس كافيًا لهم لكنهم أيضًا يريدون أموال أهله.
ومن وقائع طلب فدية بعد قتل المخطوف، شهدت مدينة الزنكلون بمحافظة الشرقية، فى شهر يونيو من العام الماضي، مقتل ناصر السيد عليوة، صاحب مزرعة دواجن، على يد عامل، يعمل لديه منذ 10 سنوات، وتوفى المجني عليه خلال اختطافه، ورغم ذلك أصر الجناة على طلب نصف مليون جنيه مقابل إطلاق سراح مالك المزرعة، لكن الشرطة اكتشفت مقتل الضحية وإلقاء جثته فى ترعة أبو الأخضر منذ 5 أيام قبل المساومة على المبلغ.
كل طالبى الأموال للمساعدة "نصابون"
وتعقيبًا على استغلال أصحاب تلك الحالات الإنسانية وخداعهم، أكد ياسر سيد أحمد، أن أى شخص يطلب أموالا مقابل رد طفل أو متغيب لأهله، يجب الحكم بأنه نصاب على الفور، مهما كان المبلغ الذى يطلبه زهيدًا، مطالبًا بعدم الاستجابة لهم، ومحاولة التنازل عن قيمنا العاطفية السائدة على وزن "الغريق يتعلق بقشاية" مقابل إعمال العقل والمنطق.
وأشار المحامى إلى أن النصاب لا أخلاق له، ولا يفرق معه إن كان ضحيته شخصا غنيا أم فقيرا يعانى من مأساة إنسانية أم أن ظروفه طبيعية، فكل ما يهمه هو جمع المال، ويلعب على نقاط ضعف ضحاياه واحتياجاتهم من أجل ذلك، ولعل من هؤلاء الضحايا أهالى المفقودين، إذ يكونوا متلهفين لأى خبر عنهم، كما أن بياناتهم وأدوات الاتصال بهم تكون متاحة للكافة من خلال إعلانات ومناشدات البحث عن المتغيبين.
ملاحقة "النصابين" قانونيًا
وأوضح المحامي أن أى شخص يدفع أموالا لمدعى العلم بمكان المختفين، يسهل إثبات ممارسته النصب، سواء من خلال أرقام التليفونات، أو البطاقات الشخصية خلال تسلم الأموال من البريد، أو حتى بمحاسبة موظف البريد الذى لم يتحقق من هوية هؤلاء الذين يستلمون التحويلات ببطاقات شخصية ليست تخصهم سواء مسروقة أو بالاتفاق مع صاحبها.
ووجه المحامى الأهالي بعدم تحويل أموال لأحد يدعى معرفة مكان ذويهم المخطوفين، ومقابلة من يدعى العلم والجلوس معه ومحادثته والتحرى مما يقوله بشكل مباشر، لأن أى شخص يطلب أموالا ويحاول إجبار الأهالى على دفع الأموال له سيكون نصابا ومستغلا.
عقوبة النصابين "سجن وتعويض"
وطالب ياسر سيد الأهالى الذين يقعوا ضحايا لعمليات النصب أن يتحلوا بالشجاعة للمطالبة بحقهم، وتقديم بلاغات رسمية ضد النصابين، لمحاسبتهم وحماية الغير من الوقوع فى شرك ضررهم المادى والمعنوي.
ووصف المتغاضون عن تحرير محاضر للنصابين فى تلك الحالات أو غيرها، بالفتيات اللاتي يتغاضين عن تحرير محاضر للتحرش بهن، فهذا يضيع حقهم، كما يساعد النصاب على الاستمرار فى جرائمه باستغلال الهوى الجامح للضحايا وهو فى هذه الحالة حاجتهم الإنسانية للوصول إلى ذويهم، فى حين لو تم تحرير محاضر ضدهم سيكون من السهل إثبات الاتهام، وتوقيع عقوبة تصل إلى السجن 3 سنوات للنصاب، بخلاف إلزامه برد المبلغ الذى استولى عليه، وتعويض الضحايا عن الأضرار النفسية التى لحقت بهم.