ذكر الموقع أنه بعد ما يقرب من عقد من الحرب الأهلية في ليبيا، يبدو أنه من المستحيل تخيل الاستقرار، فضلاً عن التوصل لتسوية سياسية، فالبلاد – كما كانت دائماً – ممزقة بين حكومة الوفاق الوطني المعترف بها من قبل الأمم المتحدة والمدعومة عسكرياً من تركيا، والقوات المتنافسة الموالية للجنرال “خليفة حفتر” والتي تعرف باسم الجيش الوطني الليبي والمدعوم من قبل (روسيا / الإمارات / مصر / فرنسا)، مضيفاً أن ليبيا التي كانت قبل الحرب من بين أكبر الدول المصدرة للنفط في العالم هي اليوم غنية بالنفط لكنها فقيرة في الإيرادات وتتأرجح على حافة انهيار لا يمكن إصلاحه، موضحاً أن العد التنازلي بدأ الآن لاتفاق وقف إطلاق النار الهش الذي يتم فيه تداول النفط مقابل الهدنة، حيث من المقرر أن ينتهي وقف إطلاق النار في (18) أكتوبر، مضيفاً أن الوقت وحده هو الذي سيحدد ما إذا كانت هذه الصفقة ستستمر لفترة كافية تسمح للأمم المتحدة بعقد قمة مقررة في تونس بين الأطراف الليبية المتحاربة في نوفمبر القادم.
وأضاف الموقع أن الاتفاق الذي تم التوقيع عليه الشهر الماضي بوساطة من “حفتر” ونائب رئيس الوزراء في حكومة الوفاق الوطني “أحمد معيتيق”، يدعو إلى إنهاء مؤقت لحصار قوات “حفتر” لموانئ النفط في شرق ليبيا التي تخضع اسمياً لسيطرة البرلمان المنافس في طبرق المؤيدة لـ “حفتر” والجيش الوطني الليبي، مشيراً إلى أن بعض المراقبين يؤكدون أن الاتفاق تم لأن “معيتيق” كان تحت ضغوط مادية، بينما كان “حفتر” يسعى إلى عدم فقدان دعم أكبر رعاته الأجانب (روسيا / الإمارات).
كما أوضح الموقع أنه مهما كان الوضع، فقد صمد الاتفاق على الرغم من الصعاب التي واجهته، فقد كانت السيطرة على حقول النفط الليبية والعائدات التي تدرها نقطة رئيسية شائكة في الصراع منذ سقوط الديكتاتور الليبي “معمر القذافي”، مشيراً إلى أنه بالإضافة إلى إثارة التدخلات من (الإمارات / روسيا / مصر / فرنسا) ، فقد أدى الصراع الدموي على الثروة النفطية الليبية إلى تقسيم البلاد بين فصائل مسلحة قبلية وشخصية بطبيعتها بقدر ما هي أيديولوجية، كما أدى إلى إحداث فجوة حادة بين اثنتين من المؤسسات الاقتصادية الرئيسية في البلاد (البنك المركزي الذي يتحكم في التمويل الذي يتدفق من نفطها / المؤسسة الوطنية للنفط المملوكة للدولة والتي تهيمن على صناعة النفط).
و ذكر الموقع أن رئيس مجلس إدارة المؤسسة الوطنية للنفط “مصطفى صنع الله” يراه العديد من المحللين الغربيين أنه أحد أكثر النخب الليبية كفاءة وحيادية، وقد تمكن حتى الآن من العمل برباطة جأش بيروقراطية في الأجواء المتقلبة المحيطة بهدنة النفط، على الرغم من حقيقة أن مؤسسة النفط العملاقة تكبدت (9) مليارات دولار خسائر جراء الحصار المستمر منذ (8) أشهر، لكن في المقابل حظى محافظ البنك المركزي “الصادق الكبير” بتقدير أقل في ضوء معارضته طويلة الأمد لتدقيق دفاتره ولإبقاء فرع للبنك في شرق ليبيا يعيش على مئات الملايين من الدينارات الليبية التي طبعت في روسيا، مشيراً إلى أنه يبدو أن الإعلان في منتصف يوليو عن المضي قدماً في مراجعة الحسابات الوطنية الليبية كان جزء مهم من اللغز في تحفيز “حفتر” على رفع الحصار عن آبار وموانئ النفط وإبرام الهدنة.
و أضاف الموقع أن رئيس الوزراء المنتهية ولايته في حكومة الوفاق الوطني “فايز السراج” عارض بشدة الاتفاق مع “حفتر” ولكن مع بقاء حوالي أسبوعين فقط قبل انتهاء فترة ولايته التي استمرت (5) سنوات، فإن نفوذه على مستقبل إنتاج النفط والسياسة بشكل عام في ليبيا يبدو الآن مشكوكاً فيه في أحسن الأحوال، مشيراً إلى أنه مع تزايد المظاهرات المناهضة لحكومة الوفاق الوطني في طرابلس وأماكن أخرى، ومع تفشي جائحة كورونا الذي أجهد الصحة العامة في ظل وجود حوالي خمس سكان ليبيا البالغ عددهم (6.8) مليون شخص في حاجة ماسة بالفعل للمساعدات الإنسانية وفقًا لبرنامج الغذاء العالمي، فإن ثقة الجمهور في حكومة الوفاق الوطني في تراجع، ويبدو أن فصيل “السراج” يتضاءل.
كما رأى الموقع أنه إذا كان هناك أي شيء، فهو أن الاتفاق الذي أنهى حصار موانئ النفط قد يكون أقوى علامة حتى الآن على أن حرب تركيا بالوكالة بأقل تكلفة في ليبيا قد أضعفت يد “حفتر ” – على الأقل مؤقتًا – وأن استراتيجية أنقرة بدأت تؤتي ثمارها، مشيراً إلى أنه لا شك في أن قيام تركيا بإرسال ما يقدر بـ (3500 : 3800 ) من المرتزقة السوريين في الربيع الماضي قد هز من عزم وتصميم المرتزقة الروس الذين أرسلوا في عام 2019 لزيادة هجوم “حفتر” على طرابلس، موضحاً أنه فقط بعد سلسلة من الانتكاسات الدراماتيكية في ساحة المعركة في أواخر هذا الصيف، توصل “حفتر” إلى فكرة أن الوقت قد حان لعقد صفقة، وليس من قبيل الصدفة أن انسحاب قوات المرتزقة من جميع الأطراف من منشآت النفط الليبية المعطلة منذ فترة طويلة هو شرط من شروط الهدنة.
و ذكر الموقع أن الاتفاق الهش قدم بالفعل دفعة تمس الحاجة إليها بالنسبة لمؤسسة النفط الوطنية، حيث أفادت تقارير بأن إنتاجها تضاعف (3) مرات إلى (260) ألف برميل يومياً منذ انتهاء الحصار، مضيفاً أنه في محاولة للحفاظ على هذه الفرصة النادرة، سارعت المؤسسة الوطنية للنفط لرفع حالة القوة القاهرة في عدد من المنشآت النفطية حول حوض سرت، وهي خطوة قانونية يُنظر إليها على أنها ضرورية لكثير من شركاء إنتاج النفط الأجانب في ليبيا حتى يتمكنوا من العمل هناك بأمان، كما أعلنت المؤسسة الوطنية للنفط أنها تخطط لإعادة الانتاج في حقل الشرارة النفطي الأكبر في ليبيا والذي يقع جنوب غرب البلاد، وربما شجعها جزئياً التقارير الإخبارية المتفرقة بأن المحادثات الجارية التي تدعمها الأمم المتحدة بين مختلف الأطراف الليبية المتنافسة في القاهرة تسير بشكل أفضل مما كان متوقعاً، لكنها خطوة محفوفة بالمخاطر بالنسبة للمؤسسة الوطنية للنفط، لأن تلك المفاوضات لم تبعث الكثير من الثقة حتى الآن في أن “حفتر” سيتخلى عن مطالبه بأن تنشئ ليبيا لجنة مستقلة للإشراف على توزيع عائدات النفط للمؤسسة الوطنية للنفط.
و أوضح الموقع أنه من المفترض أن إعادة الفتح المتعاقب للمنشآت النفطية تعني أن بعض المرتزقة الروس المنتشرين في جميع أنحاء ليبيا على الأقل قد قللوا من وجودهم في المناطق الرئيسية التي تثير قلق المؤسسة الوطنية للنفط، ومع ذلك ليس من المؤكد على الإطلاق أن الفرق الروسية المختلفة العاملة بموجب عقود للشركات الروسية التي تديرها الدولة – الذين يتوقون إلى الاستفادة من نظام سياسي جديد في طرابلس يكون أكثر ملاءمة لحفتر – سوف تنسحب من البلاد عما قريب، مضيفاً أنه في حين تم تحقيق الكثير على وجه الخصوص بشأن وجود مقاتلين روس منتسبين إلى ما يسمى بمجموعة فاجنر، إلا أن اتفاقية تعاون أُبرمت في أوائل عام 2017 بين مؤسسة النفط الروسية العملاقة (روسنفت) والمؤسسة الوطنية للنفط في ليبيا تعني أنه سيكون هناك المزيد من المنافسة على مناقصات حماية البنية التحتية للطاقة بين شركات الأمن الروسية البارزة مثل (Moran Security Group / RSB Group) وهما اثنتان من أكثر الشركات الخاصة الروسية العاملة في مجال الأمن العسكري الذين تم الاستشهاد بهم في تقرير للأمم المتحدة في مارس حول ليبيا، وهذا يعني أيضاً أنه سيتعين على جميع اللاعبين في الأزمة الليبية تقبل وجود أمني روسي طويل الأمد في ليبيا مهما حدث.
و ذكر الموقع أنه في الوقت نفسه، ونظراً للانكماش المتوقع على المدى الطويل في الطلب على النفط بسبب الركود العالمي الناجم عن وباء كورونا، فقد تضطر روسيا إلى مراجعة طموحاتها في ليبيا إلى حد ما، موضحاً أنه كما هو الحال الآن، فقد فقدت شركة التجارة والتعدين السويسرية الضخمة (جلينكور) – الشريك المفضل لروسيا في صفقات السلع النفطية – حقوقها الحصرية في تداول أنواع معينة من الخام الليبي العام الماضي، مضيفاً أنه كلما طالت فترة وقف إطلاق النار مقابل مواصلة إنتاج النفط، كلما اضطر المنافسون الأكثر تذبذباً مثل (Royal Dutch Shell) إلى توسيع شحناتهم المباشرة من ليبيا، موضحاً أنه قد تكون هذه أخباراً جيدة أيضاً للآخرين الذين يحاولون أن يكون لهم الأفضلية على “حفتر” وداعميه الروس على طاولة المفاوضات عندما تنتقل المحادثات إلى تونس الشهر المقبل، واختتم الموقع بالقول إنه كما يذكرنا الباحث في مؤسسة كارنيجي “فريدريك ويري”، فإن هناك عدد كبير جداً من اللاعبين المختلفين في ليبيا ولديهم العديد من أساليب اللعب المختلفة بحيث لا يمكننا التأكد حقاً من الخطوة التي ستحدد الشكل النهائي لطاولة المفاوضات، وبالتالي نهاية الحرب في نهاية المطاف.