استمرار الاحتجاجات الشعبية في العديد من المدن والمحافظات العراقية وسط و جنوب – ذات الأغلبية الشيعية – منذ الأول من شهر أكتوبر الماضي وحتى الآن ، احتجاجاً على تردي الأوضاع المعيشية وسوء الخدمات والمطالبة بمكافحة الفساد .. وتعتبر هذه التظاهرات غير مسبوقة ولم تنطلق بدعوة من حزب أو زعيم ديني كما تجرى العادة في العراق ، لكنها جمعت الشباب الغاضبين المحتجين على غياب الخدمات العامة والبطالة وانتشار الفساد .. ومع مرور الوقت تحولت هذه التظاهرات التي كانت تطالب بتحسين الظروف المعيشية ، إلى اعتصامات مفتوحة واضرابات تطالب بتغيير نظام الحكم ومحاسبة الفاسدين من الطبقة السياسية .. ويتلاحظ أن تلك الاحتجاجات اندلعت في المدن والمحافظات ذات الأغلبية الشيعية فقط دون المدن السنية و الكردية ، وذلك رغم تعاطف الكثير من العراقيين بالمحافظات السنية مع هذه الاحتجاجات ، ونلقي من خلال هذا الملف نظرة على الأوضاع هناك ، وأهم السيناريوهات المتوقع حدوثها خلال الأيام القليلة المقبلة:
1 – الأحداث الأمنية والميدانية :
أدى استمرار هذه الاحتجاجات وتدفق المتظاهرين إلى شوارع العاصمة بغداد والمدن الأخرى الشيعية ، إلى وقوع أعمال عنف مُفرطة من قبل قوات الأمن تجاه المتظاهرين ، استخدمت خلالها القنابل المسيلة للدموع وخراطيم المياه وفي بعض الأحيان إطلاق الرصاص الحي ، مما أسفر عن وقوع العديد من القتلى والتي وصلت إلى نحو (440) شخص وإصابة أكثر من (20) ألف آخرين بالإضافة إلى اعتقال المئات ، وذلك خلال شهرين ونصف فقط منذ بدء الاحتجاجات ، مما يدل على استخدام القوة المفرطة للقوات تجاه المتظاهرين مع إصرار المتظاهرين على تحقيق مطالبهم .
هذا، و في ظل هذه الأحداث الأمنية والعنف والاشتباكات ، فقد اتبع المتظاهرين طريقة أخرى للضغط على الحكومة والطبقة السياسية والأحزاب ، حيث قام المتظاهرين بأكبر عملية ( إضراب عام ) عن العمل ومنع الموظفين وطلاب المدراس والجامعات من التوجه إلى أماكن عملهم في العاصمة بغداد والمدن الأخرى ، وذلك تلبية لدعوة أطلقها الزعيم الشيعي مقتدى الصدر للضغط على الحكومة لتحقيق مطالب المتظاهرين المشروعة في أول خطوة من التيار الشيعي هناك لدعم المتظاهرين .. حيث تلاحظ أيضاً وقوف المرجع الشيعي علي السيستاني في صف المتظاهرين ومطالبة الحكومة بتحقيق مطالبهم ، ودعا البرلمان لمراجعة قراراته والتمهيد لإجراء انتخابات جديدة على خلفية الاضطرابات التي تجتاح أغلب المدن العراقية .
الأسباب التي منعت المحافظات ( السنية / الكردية ) من المشاركة في الاحتجاجات :
– في بداية الاحتجاجات شهدت مدينتي ( الأنبار / نينوى ) والمدن السنية الأخرى حملة اعتقالات وتوجيه تهديدات للنشطاء والإعلاميين فيها ، لمنع انضمامهم إلى حركة الاحتجاج أو حتى مساندتها .
– سكان المحافظات ذات الغالبية السنية يخشون من أن أي احتجاج سيفسر من قبل القوى الشيعية ، بأنه محاولة للانقلاب على النظام السائد ، وأن تنظيم داعش والتنظيمات المتطرفة الأخرى قد تستغلها لصالحها ، وبالتالي سيعود العنف إلى تلك المناطق ، وهو ما يرفضه الشارع السني .
– بالنسبة للمناطق الكردية ، فإن الحزبين الحاكمين في إقليم كردستان يرفضون أي توجهات تهدف إلى حل الحكومة الحالية التي هم شركاء أساسيون فيها ، كما أن هناك مخاوف للأكراد من أن يصبح إقليم كردستان وحقوقه المثبتة دستورياً ، ضحيةً لأي تغيير في النظام السياسي الحالي .
2 – استقالة رئيس الوزراء عادل عبد المهدي :
مع تصاعد واستمرار الاحتجاجات والضغط المتزايد من قبل المتظاهرين ، بالإضافة إلى عدم وجود جدوى حقيقية من الحكومة لتنفيذ مطالبهم في محاولة لتهدئة الأوضاع ، فقد قدم رئيس الوزراء العراقي عادل عبد المهدي استقالته رسمياً إلى مجلس النواب يوم (30) نوفمبر الماضي – بعد شهرين من بدء الاحتجاجات – ، وذلك في وقت لم يشهد فيه العراق رحيل رئيس حكومة قبل نهاية ولايته منذ رحيل صدام حسين عام 2003 ، وقد طالب عبد المهدي الحكومة في الاستمرار في مهامها حتى لا تترك فراغاً في السلطة ويتسنى لمجلس النواب اختيار رئيساً جديداً للوزراء ، وتأكيده على مبدأ التداول السلمي للسلطة .. إلا أن المتظاهريـن واصلـوا احتجاجاتهـم فـي العديد من المحافظات المختلفة ، معتبريـن أن استقالة عبد المهدي غير مُقنعة وأصروا على تنحية جميع رموز الفساد ، كما طالبوا رئيسي ( الجمهورية / البرلمان ) بتقديم استقالتهما أسوة برئيس الوزراء ، معتبرين أن الجميع كان شريكاً في الأوضاع الحالية والأزمات التي وصلت إليها البلاد .
3 – السيناريوهات المقبلة والمرشحون المحتملون لخلافة عبد المهدي :
** تُثير استقالة رئيس الوزراء عادل عبد المهدي – أحد قادة المجلس الأعلى للثورة الإسلامية الشيعي في العراق – التساؤلات حول ما إذا كانت هذه الاستقالة ستوقف نزيف الدم العراقي وتتيح التوصل إلى حلول للأزمة أم إلى تعقيدها .. حيث يخشى الكثير من العراقيين استمرار تصاعد العنف وسط حالة من الغضب لاستمرار سقوط القتلى والمصابين ، مع بطء تحرك الحكومة تجاه تنفيذ الإصلاحات التي دعا إليها المحتجين .
** من خلال متابعة حجم التظاهرات الغاضبة ضد الحكومة والطبقة السياسية الحالية ، فإنه من الصعب التكهن بشخص وهوية رئيس الوزراء المقبل ، لأن كل الكتل السياسية مهما كبر حجمها فهي كلها صغيرة أمام هذا الحجم من الاحتجاجات ، كما أن المتظاهرين يصرون على اختيار شخصية مستقلة نزيهة بعيدة عن ضغوط الأحزاب الحاكمة المتهمة بالفساد وحليفتها إيران .. إلا أنه من خلال المتابعة الدقيقة خلال السنوات الماضية ، فإن السياق المعتاد في العراق لتسمية رئيس وزراء جديد يعتمد على الكتلتين الأكبر الفائزتين في الانتخابات وهما ( الفتح ) بقيادة هادي العامري ( والتي تتضمن كتلته أغلب الفصائل المسلحة الموالية لإيران ) ، وكتلة ( سائرون ) بقيادة مقتدى الصدر ، وذلك بالتشاور مع الكتل السياسية .. ومن المتوقع أن تشهد المرحلة المقبلة العديد من الأزمات ، لأن هذه الكتل السياسية تعودت على ألا تتفق ، وهي دائماً متصارعة وكثيرة الخلافات ولا تحسم إلا بتدخل خارجي .
** من المتوقع أيضاً أن يكون للمجتمع الدولي دوراً هاماً في تسمية رئيس الوزراء المقبل ، وذلك للحد من النفوذ الإيراني والسيطرة على هوية رئيس الوزراء الجديد ، من خلال تعيين شخص تابع للنظام الإيراني واستمراره في التدخل في الشأن العراقي .
** بموجب التفاهمات وتوزيع المناصب داخل العراق ، فإن الرئاسات الثلاث يتم توزيعها كالتالي : ( الرئيس تابع للأكراد / رئيس الوزراء تابع للشيعة / رئيس مجلس النواب تابع للسُنة ) .
أبرز هذه الأسماء المطروحة لتولي منصب رئيس الوزراء العراقي الجديد :
– النائب في البرلمان محمد شياع السوداني – حزب الدعوة الإسلامية الشيعي – :
حيث تداول العديد من وسائل الإعلام العراقية اسمه كمرشح مُحتمل لتولي منصب رئيس الوزراء الجديد .. إلا أن هذه الأنباء قوبلت برد شعبي عنيف ، حيث أعرب المتظاهرون عن غضبهم ورفضهم لتولي السوداني للمنصب وقاموا بالتظاهر أمام منزله بمحافظة ميسان جنوب العراق وإضرام النيران فيه .
– رئيس الحكومة السابق حيدر العبادي – حزب الدعوة الإسلامية الشيعي – :
رغم التحفظات السياسية عليه ، ورغم الفساد الذي كان في عهده ، إلا أن له علاقات جيدة مع الدول الأوروبية فهو يحمل الجنسية البريطانية ، وأيضاً يُحسب له تحقيقه النصر على تنظيم داعش الإرهابي ، وكذلك تفاهماته مع التيارات الاحتجاجية وفي مقدمتها التيار الصدري .
– وزير النفط الأسبق إبراهيم محمد بحر العلوم :
حيث يدعمه قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني الجنرال قاسم سليماني .
– وزير التعليم العالي قصي السهيل ، وهو محسوباً على ( حزب الدعوة ) بقيادة رئيس الحكومة الأسبق نوري المالكي ، وحالياً محسوب على التيار الصدر منذ عامين .
فيما طرح المتظاهرون في ساحات التظاهر عدد من الشخصيات – بينهم شخصيات عسكرية متقاعدة – والتي تعبر عن تطلعاتهم ، ويطالبون أي منهم بتولي منصب رئيس الوزراء الجديد .. وجاءت هذه الشخصيات كالتالي :
– قائد جهاز مكافحة الارهاب الفريق الركن / عبد الغني الأسدي :
وهو من مواليد محافظة ميسان عام 1951 ، وتخرج من الكلية العسكرية العراقية عام 1972 .
– النائب السابق لقائد قوات جهاز مكافحة الإرهاب الفريق عبد الوهاب الساعدي – شيعي – :
حيث لعب دوراً كبيراً في هزيمة تنظيم داعش في العراق ، من خلال قيادته الناجحة للعديد من العمليات ضد عناصر التنظيم .. كما خرجت التظاهرات من أجل نصرته عندما أزاحه رئيس الوزراء المستقيل عادل عبد المهدي من منصبه .
– الرئيس السابق للجنة النزاهة بالبرلمان القاضي رحيم حسن العكيلي :
وهو من مواليد العاصمة بغداد عام 1966 ، وحصل على بكالوريوس وماجستير في القانون من جامعة بغداد .
– الدكتور / محمد توفيق علاوي :
له توجه إسلامي وقريب من المرجع الديني الشيعي السيد محمد باقر الصدر .. وانتخب عضواً لمجلس النواب بعد عام 2003 لدورتين .. وكان وزيراً للاتصالات لدورتين في حكومة رئيس الوزراء السابق نوري المالكي .