السياسة والشارع المصريعاجل

ننشر نص بيان مصر أمام الدورة الأربعين لمجلس حقوق الإنسان فى جنيف‎

ألقى سامح شكرى وزير الخارجية، اليوم الثلاثاء، بيان مصر أمام الشق رفيع المُستوى للدورة الأربعين لمجلس حقوق الإنسان والتى تعقد حالياً بمدينة جنيف السويسرية.

واستهل وزير الخارجية كلمته بتهنئةِ الحكومةِ السنغالية الشقيقية، ومندُوبُها الدائمُ على توليه منصب رئيس مجلس حقوق الإنسان، معرباً عن ثقةِ مصر الكاملة فى قدرته وهيئة المكتب على إدارة أعمال المجلس على أكملِ وجه، مؤكدا على أهمية الفلسفةِ السامية التى قام عليها المجلس، والرامية لتنسيق الجهود الدولية للدفع قُدماً نحو تعزيز احترام حقوق الإنسان.

وفيما يلى نص بيان جمهورية مصر العربية أمام الشق رفيع المستوى للدورة الأربعين لمجلس حقوق الإنسان فى جنيف‎:

السيدة نائبة رئيس مجلس حقوق الإنسان..

السيدات والسادة..

أستهل حديثى بتهنئةِ الحكومةِ السنغاليةِ الشقيقة، ومندُوبُها الدائمُ على توليه منصب رئيس مجلس حقوق الإنسان. وأعربُ عن ثقةِ مصرَ الكاملةِ فى قُدرتهِ وهيئةِ المكتب على إدارةِ أعمال المجلس على أكملِ وجه.

ويطيبُ لى أن أشارك فى الشقِ رفيعِ المستوى للمرة الثالثة على التوالى ويسعدنى أن أتواجد مجدداً فى هذه القاعة التى عملت بها وأن أتحدث إلى هذا المجلس الذى شاركت فى تأسيسه، والذى يُمثل مَحفَلاً مناسباً لتبادل الرؤى والحوار البنَّاء حول أوضاع حقوق الإنسان وتطوراتها على الأصعدة الوطنية والإقليمية والدولية. وأودُ أن أبدأ بالتأكيد على الفلسفةِ الساميةِ التى قام عليها المجلس، والرامية لتنسيقِ الجهود الدولية للدفع قُدماً نحو تعزيز احترام حقوق الإنسان، وبناء قدرات الدول وتقديم المُساندة لها، والاستفادة من أفضل الخبرات والمُمارسات.

إن تلك الفلسفةَ يجبُ أن تَظَلَ المُحركَ الرئيسى لأنشطةِ واهتماماتِ المجلس، فضلاً عن إسهامات الدول الأعضاء. ولقد حان الوقت لكى نُقيم سوياً ما آلت إليه الأمور للعمل على تصحيح بعض المُمارسات. فقد حاد البعضُ عن الهدفِ الأساسى من إنشاءِ المجلس، بالسعى لتحويله لساحةٍ لتصفيةِ الحسابات السياسية، وتبادل الاتهامات، والتنميط السلبى للثقافات المُغايرة، ومحاولة فرض رؤى ومفاهيم خلافية، بل وتعميق الاختلافات والتى ينبغى أن تكون مصدر ثراءٍ، وتحويلها إلى خلافات تزرع الشِقاق.

ونعيد التذكير بأن التعددية هى سِمَةِ البشرية منذ قديم الأزل، ولا يمكن صهر البشرية فى قالب واحد وإجبارها على الاتفاق على رؤية واحدة للعالم. وإن ما يجب أن نسعى إليه ونرسخه هو قبول التعددية والاختلاف، بل واحترام ذلك، فضلاً عن تعزيز القيم الإنسانية المشتركة.

كما تؤكد مصر أن حقوق الإنسان هى مجموعة مترابطة من الحقوق التى لا تقبل التجزئة، وعلى رأسها الحق فى الحياة، أسمى تلك الحقوق ونقطة ارتكاز كافة الحقوق الأخرى، والذى يتعرض لهجمة شرسة فى الوقت الراهن جراء انتشار خطر الإرهاب البغيض فى أرجاء العالم تحت ستار الأديان.

وإنه من المؤسف كذلك تعرض الحقوق الاقتصادية والثقافية والاجتماعية لقدر معتبر من الإهمال فى عالمنا اليوم، مما يدفعنا للعمل على تجديد الاهتمام بها، خاصة فى ظل استمرار معاناة نسبة كبيرة من دول العالم النامى من الفقر وافتقارهم إلى أبسط الضروريات الأساسية، مع الأخذ فى الاعتبار أن تأمين الحقوق الاقتصادية والاجتماعية هو الوسيلة لتمكين الأفراد من المطالبة بحقوقهم السياسية والمدنية.

إن هذا المجلس يضطلع بدور محورى فى الارتقاء بحقوق الإنسان على الساحة الدولية، ولذا تولى مصر اهتماماً كبيراً بمتابعة المبادرات الخاصة بتعزيز عمله، وتؤكد على ضرورة احترام حزمة البناء المؤسسى التى سبق وأن توافقت عليها الدول وتُمثلُ توازناً دقيقاً ينبغى الحفاظ عليه، والبعد عن أى مقترحات قد تؤدى إلى تعميق المُمارسات السلبية وزيادة الاستقطاب داخل المجلس بصورة تهدد مصداقيته وعالميته.

السيدات والسادة..

إن الشعوبَ تتطلع لهذا المجلس لكى يُسهم فى ترسيخ التعايش والتسامح ودعم التمتع بكافة حقوق الإنسان دون تمييز، ونبذ الاستعلاء الحضارى والثقافى والعنصرى الذى يمارسه ويدعو له البعض دون إدراك لمغبةِ تلك الصراعات على الاستقرار الدولى. ولذا يجب على الجميع التيقن من أنه لا يحق لأى طرف أن يجعل من نفسه مفتشاً يُقيم الآخرين أو يُنصب ذاته قاضياً. فإن عملية تعزيز حقوق الإنسان بطبعها عملية تراكمية ومتواصلة لم تصل فيها أى دولة إلى الكمال، فكل دولة تسعى لتحقيق أهدافها الوطنية فى مجال حقوق الانسان، والبناء على النجاحات وتصويب أى اختلالات، مع تفاوت الظروف والتحديات التى تجابهها الدول.

إن عالمَ اليوم يواجه تحديات مُتشابكة تستدعى تكاتف الجهود لمجابهتها، فظواهر مثل تنامى القوى الشعبوية واليمين المتطرف فى العديد من الدول المتقدمة تنذر بعواقب وخيمة وتهدد الإنجازات التى حققتها الحركة الحقوقية العالمية على مدار السنوات الماضية. فنرصد زيادة ملحوظة فى استخدام العنف من قبل قوات الشرطة فى تعاملها مع المواطنين، وحرمان المواطنين من الجنسية تعسفياً دون مبررات واضحة، فضلاً عن زيادة مُعدلات العنصرية وكراهية الأجانب، واستهداف المهاجرين واللاجئين. ونتطلع لتسليط مجلس حقوق الإنسان وآلياته المختلفة الضوء على تلك التحديات.

كما أن ما شهدته منطقة الشرق الأوسط من حالات انهيار للدولة الوطنية مع صعود لبعض الكيانات السرطانية من الجماعات المُسلـــــــحة والإرهــــابية تحت شعارات خادعة، يدفعنا لنقف طويلاً بالتدقيق والتحليل لما أسفرت عنه تلك الحالات من تداعيات كارثية على الأمن والاستقرار الدوليين. ويتعين علينا جميعاً العمل سوياً للخروج من تلك الحلقة المفرغة بالتصدى للإرهاب وداعميه ومموليه، بالتوازى مع تعزيز واحترام حقوق الإنسان، ونشر ثقافة التعايش والتسامح وقبول الآخر.

وتُشدد مصر على أهمية تعزيز التعاون الدولى فى إطار هذا المجلس لحماية حقوق الإنسان فى مناطق النزاعات، وتبنى مقاربات عملية لإنهاء معاناة الشعب الفلسطينى التى امتدت ليظل الشعب الوحيد بالعالم الذى يرضخ تحت الاحتلال الأجنبى، فضلاً عن تقديم الدعم المطلوب لتخفيف آثار الأزمة فى سوريا واليمن وليبيا على المدنيين.

وستحرصُ بلادى على المشاركة الفعالة لتعزيز حقوق الإنسان على المستوى الأفريقى كأولوية خلال فترة رئاستها الحالية للاتحاد الأفريقى خلال العام الجارى، وضمان تمتع أبناء القارة بكافة الحقوق ومن ضمنها الحق فى التنمية، ودعم تنفيذ أهداف الاتحاد الأفريقى، فى هذا السياق.

السيدات والسادة..

على الصعيد الداخلى، شهد العام المنصرم خطوات ايجابية واسعة اتخذتها الحكومة المصرية فى مجال حقوق الإنسان، انطلاقاً من اقتناعها الذاتى بمحورية حقوق الإنسان وبأنها مكون هام من استراتيجية التنمية الوطنية الشاملة. ويتمثل الهدف الأسمى لهذه الإصلاحات فى بناء الدولةِ الوطنيةِ المدنيةِ والحديثةِ التى يتمتعُ فيها المصريون بكافة الحقوق والحريات، وينعمون فيها بمستقبل أفضل يستحقونه ويليق بهم. ويطيبُ لى فى هذا الخصوص أن أحيط المجلس الموقر ببعض مما تحقق.

لقد صدر فى نوفمبر 2018 قرارٌ بإنشاء اللجنة العليا الدائمة لحقوق الإنسان لوضع استراتيجية وطنية لحقوق الإنسان ومتابعة تنفيذها، وبناء القدرات البشرية المتخصصة، وضمان التزام الدولة بتعهداتها الدولية ذات الصلة، بما فى ذلك تعزيز التواصل مع الآليات الوطنية والدولية لحقوق الإنسان.

وفى إطار هذا التوجه المنفتح، جاءت مبادرة السيد الرئيس بإطلاق حوار مجتمعى موسع بمشاركة كافة الأطراف ذات المصلحة لتعديل القانون المعنى بالمنظمات غير الحكومية، بهدف تعزيز دورهم كشريك للدولة فى تحقيق التنمية، فى إطار من المصداقية والشفافية.

ولا يفوتنى أن ألفتُ نظر المجلس المُوقر للتقدم الكبير الذى شهدته مصر على صعيد كفالة واحترام حرية الدين والمُعتقد، حيث دعا السيد الرئيس عبد الفتاح السيسى إلى تجديد الخطاب الدينى ونبذ التطرف والغلو فى الدين ومواجهة دعاوى الكراهية والعنف، وتم مؤخراً افتتاح أكبر كاتدرائية فى الشرق الأوسط وأكبر مسجد فى مصر فى العاصمة الإدارية الجديدة، وفق رؤية واضحة تقوم على ترسيخ مبادئ المواطنة والمساواة وعدم التمييز. فالتنوع والتعددية من سمات المجتمع المصرى، ويُمثلان مصدر قوة وثراء وحائط صد منيع ضد دعاة الفتنة والتطرف والإرهاب.

وعلى صعيد حرية الرأى والتعبير، تتمثل آخر التطورات فى تنظيم منتديات للشباب كمحفل للحوار المباشر والصريح لتناول مختلف الرؤى والآراء بحرية كاملة، وذلك بالإضافة لما تتمتع به وسائل الإعلام المتعددة من ممارسة حرية التعبير وممارسة دورها كالمؤسسة الخامسة من مؤسسات الدولة لتضطلع بدورها الرقابى فى المجال السياسى والاجتماعى فى جو من الحرية وما يكفله الدستور وخلو التشريعات الوطنية من أى رقابة على نشاطها.

السيدات والسادة..

 

تؤمن مصر أن بناء الانسان هو الأساس والهدف الحقيقى لكافة برامج التنمية، ويعد توفير تعليم لائق حجر زاوية لتعزيز قدرة المواطنين على التمتع بكافة حقوقهم. لذا اعتمدت الدولة برنامجاً شاملاً لتطوير التعليم ما قبل الجامعى، عبر تخصيص الموارد اللازمة لتأهيل وتدريب المعلمين، وتطوير وتحديث المناهج، وإنشاء وتطوير البنية التحتية للمدارس.

وتتواصل المساعى الوطنية لتعزيز خطوات تمكين المرأة المصرية اقتصادياً واجتماعياً وسياسياً من خلال استراتيجية تمكين المرأة 2030 والتى تتصدى لبعض الموروثات الاجتماعية الخاطئة مثل ختان الإناث والزواج المبكر والحرمان من الحق فى الإرث، فضلاً عن مكافحة مظاهر العنف ضد المرأة. كما اعتمد مجلس النواب القانون الخاص بالمجلس القومى لذوى الإعاقة بما يسمح للمجلس بممارسة صلاحياته والعمل على الارتقاء بذوى الاحتياجات الخاصة.

وعلى صعيد تعزيز التمتع بالحق فى الصحة، تم إطلاق مبادرة السيد رئيس الجمهورية للقضاء على فيروس الالتهاب الكبدى الوبائى (سي) والكشف عن الأمراض غير السارية. كما اعتمد البرلمان المصرى قانون التأمين الصحى الشامل، الذى يُعتبر خطوةً هامةً لضمان تقديم خدمات صحية لائقة للمواطنين.

وسعت الدولة أيضاً لتعزيز التمتع بالحق فى السكن اللائق من خلال خطة طموحة للقضاء على العشوائيات، حيث تم صياغة تصور شامل يعطى الأولوية للمناطق ذات الخطورة المرتفعة، ونجحت الدولة فى بناء عدد 21 مجتمعاً سكنياً جديداً فى مختلف المحافظات، تضم كافة الخدمات اللائقة.

 السيدات والسادة..

فى الختام، أود التأكيد على حرص مصر على الوفاء بالتزاماتها الدولية ومُتابعة تفاعلها البنَّاء مع مختلف الآليات الدولية لحقوق الإنسان، وعلى رأسـها هـذا المجلس والآليات التابعة لـه. وأودُ أن أشـير فـى هـذا الصدد لتوجيه مصر مؤخراً دعــوات لستة مقررين خاصين لزيـارة مصر، فضلاً عن التفاعل الإيجابى مع حَمَلة الولايات والرد على مختلف الشكاوى والمراسلات الواردة المختلفة. كما قامت مصر خلال الدورة السابعة والثلاثين للمجلس، ولأول مرة، بتقديم التقرير الطوعى لنصف المدة حول تنفيذ توصيات آلية المراجعة الدورية الشاملة، ونقوم حالياً بالإعداد لجلسة المراجعة الدورية لمصر فى نوفمبر القادم.

وقد حرصت مصر أيضاً خلال عضويتها بالمجلس – التى تنتهى هذا العام – على جذب اهتمامه للعديد من الموضوعات الملحة ومن بينها أثر الإرهاب على التمتع بحقوق الإنسان، والأثر السلبى لعدم استرداد الأموال المنهوبة على التمتع بحقوق الإنسان، والحق فى العمل، وحماية الأسرة باعتبارها الوحدة الأساسية والطبيعية للمجتمع، ودور الشباب وحقهم فى التمتع بحقوق الإنسان والحريات الأساسية التى كفلتها المواثيق الدولية. وتُقدر مصر أهمية الدور الذى تقوم به المفوضية السامية لحقوق الإنسان كجهاز تنفيذى تابع للمجلس، وتتطلع لتدارس سبل تعزيز برامج التعاون وبناء القدرات الخاصة بالأجهزة الوطنية الجارى تنفيذها حالياً بالتعاون مع المفوضية. وأودُ فى هذا السياق الإعراب عن تطلعنا لاستمرار التعاون مع المفوضة السامية، وتطوير علاقات بناءة معها، على أرضية تقوم على التقدير والاحترام والثقة المُتبادلة.

زر الذهاب إلى الأعلى