الركن الإسلامي

هل يعد الاحتفال بمولد النبي (صلى الله عليه وسلم) بدعة؟

هل يعد الاحتفال بمولد النبي (صلى الله عليه وسلم) بدعة؟ هل يعد الاحتفال بمولد النبي (صلى الله عليه وسلم) ب

هل الاحتفال بمولد النبي (صلى الله عليه وسلم) بدعة لم تكن في أيام النبي (صلى الله عليه وسلم) ولا في أيام الصحابة والسلف الصالح، ويقولون إنها بدعة منكرة وضلالة تؤدي إلى النار، فما هو الرأي الصحيح في ذلك، وكذلك في الاحتفال بموالد الأولياء؟

تجيب أمانة الفتوى بدار الإفتاء المصرية:

لا يعرف المؤرخون أن أحدًا قبل الفاطميين احتفل بذكرى المولد النبوي -كما قال الأستاذ حسن السندوبي – فكانوا يحتفلون بالذكرى في مصر احتفالا عظيما ويكثرون من عمل الحلوى وتوزيعها كما قال القلقشندي في كتابه ” صبح الأعشى”.

وكان الفاطميون يحتفلون بعدة موالد لآل البيت، كما احتفلوا بعيد الميلاد المسيحي كما قال المقريزي، ثم توقف الاحتفال بالمولد النبوي سنة 488 هـ وكذلك الموالد كلها، لأن الخليفة المستعلي بالله استوزر الأفضل شاهنشاه بن أمير الجيوش بدر الجمالي، وكان رجلا قويا لا يعارض أهل السنة كما قال ابن الأثير واستمر الأمر كذلك حتى ولي الوزارة المأمون البطائحي، فأصدر مرسوما بإطلاق الصدقات في 13 من ربيع الأول سنة 517 هـ وتولى توزيعها “سناء الملك”.

ولما جاءت الدولة الأيوبية أبطلت كل ما كان من آثار الفاطميين، ولكن الأسر كانت تقيم حفلات خاصة بمناسبة المولد النبوي، ثم صارت، رسمية في مفتتح القرن السابع في مدينة ” إربل ” على يد أميرها مظفر الدين أبي سعيد كوكبري بن زين الدين علي بن تبكتكين، وهو سُنِّى اهتم بالمولد فعمل قبابا من أول شهر صفر، وزينها أجمل زينة، في كل منها الأغاني والقرقوز والملاهي، ويعطي الناس إجازة للتفرج على هذه المظاهر. وكانت القباب الخشبية منصوبة من باب القلعة إلى، باب الخانقاه، وكان مظفر الدين ينزل كل يوم بعد صلاة العصر، ويقف على كل قبة ويسمع الغناء ويرى ما فيها، وكان يعمل المولد سنة في ثامن الشهر، وسنة في ثاني عشره، وقبل المولد بيومين يخرج الإِبل والبقر والغنم، ويزفها بالطبول لتنحر في الميدان وتطبخ للناس. ويقول ابن الحاج أبو عبد الله العبدري: إن الاحتفال كان منتشرا بمصر في عهده، ويعيب ما فيه من البدع.

وأَلفت كتب كثيرة في المولد النبوى في القرن السابع، مثل قصة ابن دحية المتوفى بمصر سنة 633 هـ، ومحيى الدين بن العربى المتوفى بدمشق سنة 638 هـ، وابن طغربك المتوفى بمصر سنة 670 هـ، وأحمد العزلى مع ابنه محمد المتوفى بسبته سنة 677 هـ.

ولانتشار البدع في الموالد أنكرها العلماء، حتى أنكروا أصل إقامة المولد، ومنهم الفقيه المالكي تاج الدين عمر بن علي اللخمي الإِسكندري المعروف بالفاكهاني، المتوفى سنة 731 هـ، فكتب في ذلك رسالته “المورد في الكلام على المولد” أوردها السيوطي بنصها في كتابه “حسن المقصد”.

ثم قال الشيخ محمد الفاضل بن عاشور: وقد أتى القرن التاسع والناس بين مجيز ومانع، واستحسنه السيوطي وابن حجر العسقلاني، وابن حجر الهيتمي، مع إنكارهم لما لصق به من البدع، ورأيهم مستمد من آية {وذكِّرهم بأيام الله} .. [إبراهيم : 5]. أخرج النسائي وعبد الله بن أحمد في زوائد المسند، والبيهقي في شعب الإِيمان عن أبي بن كعب عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه فسر الأيام بنعم الله وآلائه “روح المعاني للآلوسي” وولادة النبي نعمة كبرى.

وفي صحيح مسلم عن أبى قتادة الأنصاري قال: وسئل – النبي صلى الله عليه وسلم – عن صوم يوم الاثنين فقال ” ذاك يوم ولدت فيه، ويوم بعثت أو أُنزل عليَّ فيه ” روى عن جابر وابن عباس:

ولد رسول الله صلى الله عليه وسلم عام الفيل يوم الاثنين الثاني عشر من ربيع الأول، وفيه بعث وفيه عرج به إلى السماء وفيه هاجر وفيه مات أى في شهر ربيع الأول، فالرسول صلى الله عليه وسلم نص على أن يوم ولادته له مزية على بقية الأيام، وللمؤمن أن يطمع في تعظيم أجره بموافقته ليوم فيه بركة، وتفضيل العمل بمصادفته لأوقات الامتنان الإِلهي معلوم قطعا من الشريعة، ولذا يكون الاحتفال بذلك اليوم، وشكر الله على نعمته علينا بولادة النبى وهدايتنا لشريعته مما تقره الأصول، لكن بشرط ألا يتخذ له رسم مخصوص، بل ينشر المسلم البشر فيما حوله، ويتقرب إلى الله بما شرعه، ويعرِّف الناس بما فيه من فضل، ولا يخرج بذلك إلى ما هو محرم شرعا. أما عادات الأكل فهي مما يدخل تحت قوله تعالى {كلوا من طيبات ما رزقناكم واشكروا لله} .. [البقرة : 172] انتهى.

ورأيى أنه لا بأس بذلك في هذا العصر الذي كاد الشباب ينسى فيه دينه وأمجاده، في غمرة الاحتفالات الأخرى التي كادت تطغى على المناسبات الدينية، على أن يكون ذلك بالتفقه في السيرة، وعمل آثار تخلد ذكرى المولد، كبناء مسجد أو معهد أو أي عمل خيري يربط من يشاهده برسول الله وسيرته.

ومن هذا المنطلق يجوز الاحتفال بموالد الأولياء، حبًّا لهم واقتداء بسيرهم، مع البعد عن كل المحرمات من مثل الاختلاط المريب بين الرجال والنساء، وانتهاز الفرص لمزاولة أعمال غير مشروعة من أكل أو شرب أو مسابقة أو لهو، ومن عدم احترام بيوت الله ومن بدع زيارة القبور والتوسل بها، ومن كل ما لا يتفق مع الدين ويتنافى مع الآداب.

فإذا غلبت هذه المخالفات كان من الخير منع الاحتفالات درءًا للمفسدة كما تدل عليه أصول التشريع.

وإذا زادت الإِيجابيات والمنافع المشروعة فلا مانع من إقامة هذه الاحتفالات مع التوعية والمراقبة لمنع السلبيات أو الحد منها بقدر المستطاع، ذلك أن كثيرا من أعمال الخير تشوبها مخالفات ولو إلى حد ما، والكل مطالب بالأمر بالمعروف والنهى عن المنكر بالوسائل المشروعة “انظر الجزء الرابع من موسوعة الأسرة تحت رعاية الإسلام”.

يقول الزرقاني في شرح المواهب للقسطلاني: إن ابن الجزري الإمام في القراءات والمتوفى سنة 833 هـ علَّق على خبر أبى لهب الذى رواه البخاري وغيره عندما فرح بمولد الرسول وأعتق ” ثويبة” جاريته لتبشيرها له، فخفف الله عقابه وهو في جهنم فقال: إذا كان هذا الكافر الذي نزل القرآن بذمه جوزى فى النار بفرحه ليلة المولد فما حال المسلم الموحد من أمته حين يُسرُّ بمولده ويبذل ما تصل إليه قدرته فى محبته.

يقول الحافظ شمس الدين محمد بن ناصر: إذا كان هذا كافرا جاء ذمه * وتبَّت يداه في الجحيم مخلدا أتى أنه في يوم الاثنين دائما * يخفف عنه للسرور بأحمدا فما الظن بالعبد الذي كان عمره * بأحمد مسرورا ومات موحدا؟ رجح ابن إسحاق أن ميلاد النبي صلى الله عليه وسلم كان في ثنتي عشرة ليلة خلت من ربيع الأول من عام الفيل وروى ابن أبي شيبة ذلك عن جابر وابن عباس وغيرهما، وحكوا شهرته عند الجمهور.

زر الذهاب إلى الأعلى