ورد في السنة النبوية الشريفة أحاديث كثيرة في الأمر بتسوية الصفوف؛ منها ما جاء في الصحيحين ومنها ما جاء في غيرهما:
فمما جاء في الصحيحين: حديث أَنَسٍ بن مالك -رضي الله عنه-، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وآله وسلم قَالَ: «سَوُّوا صَفُوفَكمْ؛ فَإِنَّ تَسْوِيَةَ الصُّفوفِ مِنْ إِقَامَةِ الصَّلَاةِ».
وحديث أَنَسٍ -رضي الله عنه- أيضًا، أَنَّ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وآله وسلم- قَالَ: «أَقِيمُوا الصُّفُوفَ؛ فَإِنِّي أَرَاكُمْ خَلْفَ ظَهْرِي».
وفي الصحيحين أيضًا من حديث النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ -رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وآله وسلم-: «لَتُسَوُّنَّ صُفُوفَكُمْ، أَوْ لَيُخَالِفَنَّ اللَّه بَيْنَ وُجُوهِكُمْ».
وروى الإمام مسلم من حديث أبي مسعود -رضي الله عنه- قال: عن أبي مسعود -رضي الله عنه- قال: «كان رسولُ الله -صلى الله عليه وآله وسلم- يَمْسَحُ مَنَاكِبَنا فِي الصَّلاةِ ويقول: اسْتَوُوا وَلا تَخْتَلِفُوا فَتَخْتَلِفَ قُلُوبُكُمْ».
وروى الإمام أبو داود في «سننه» بإسناد صحيح من حديث ابن عمر -رَضِيَ اللهُ عَنهُما-: «أنَّ رَسُولَ اللهِ -صلى الله عليه وآله وسلم- قال: أقيمُوا الصُّفُوفَ، وَحَاذُوا بَيْنَ المَنَاكِبِ، وَسُدُّوا الخَلَلَ، وَلِينوا بِأيْدِي إخْوانِكُمْ، ولَا تَذَرُوا فُرُجَاتٍ للشَّيْطَانِ، وَمَنْ وَصَلَ صَفًّا وَصَلَهُ اللهُ، وَمَنْ قَطَعَ صَفًّا قَطَعَهُ اللهُ».
وتسوية الصفوف لها معنيان؛ كلاهما وارد في الأحاديث السابقة:
الأول: التسوية الحسية: وهي اعتدال القائمين فيها على سمت واحد؛ بحيث لا يتقدم بعض المصلين على بعض.
الثاني: التسوية المعنوية: وهي سد الفُرَج والخلل فيها؛ بحيث لا يكون فيها فرجة.
وقد اتفق العلماء على أن تسوية الصفوف هي من السنن المؤكدة في صلاة الجماعة؛ بل نص الحنفية وغيرهم على أنها واجبة على الإمام، غير أنه ينبغي أن تكون تسوية الصف بالتأليف والمحبة، خاصة بعد قلة العلم؛ فالأمر يتطلب مزيد الرفق بالناس لتعليمهم وتفقيههم، ولكن كل هذا لا يكون على حساب المقصود الأصلي من الصلاة، وهو حضور القلب وخشوعه، فالأكمل الاستنان بالسنن النبوية الظاهرة والباطنة، وإذا لم يمكن الجمع بينهما فالحفاظ على خضوع القلب للباري سبحانه في الصلاة والتآلف بين المسلمين أولى من الهدي الظاهر الخالي عن هذه الحقائق الأصيلة المقصودة لذاتها، على أن الهدي الظاهر مقصود لغيره، فما كان مقصودًا لذاته أولى مما هو مقصود لغيره عند التعارض، والكمال بثبوتهما معًا.
قال العلامة الكشميري الحنفي: «تسوية الصفوف واجبة على الإمام كما في «الدر المختار»، وتركُها مكروهٌ تحريمًا، وقال ابن حزم بفرضيتها، والاعتبارُ في التسوية الكِعَابُ، وأما ما في البخاري من إلزاق الكعب بالكعب فزعمه بعض الناس أنه على الحقيقة، والحال أنه من مبالغة الراوي، والحق عدم التوقيت في هذا بل الأنسب ما يكون أقرب إلى الخشوع».