فى ظل الأحداث اليومية المتلاحقة التى نتابعها جميعا كمصريين ومعنا العالم أجمع والخاصة بالانتخابات الرئاسية المقبلة. ورغم انهماك الكثيرين بمتابعة تلك الأحداث وتأثيرها فى مسار العملية الانتخابية؛ فإن الشاغل الأكبر منذ البداية وقبل معرفة من سيقوم بترشيح نفسه كان هو حجم المشاركة الجماهيرية فى العملية الانتخابية، وعدد الحضور، وهل سترقى إلى العدد الذى سبق وشارك فى انتخابات ٢٠١٤ أم سينخفض؟ وإذا انخفض فهل سيكون بنسبة كبيرة أم لا؟ وكيفية المحافظة على ارتفاع نسبة المشاركة وتوجيه الحشود الكبيرة للمشاركة؟
هذه التساؤلات يعود سببها إلى أن الشارع المصرى فعليا لا يجد على الساحة السياسية من يمكنه أن يقدم نفسه بديلا للرئيس السيسى أو منافس له، سواء بقدراته الشخصية على إقناع الناخب أو ببرنامج انتخابى واضح وواقعى قابل للتنفيذ ومميز أكثر مما يتم تنفيذه حاليا على يد الرئيس.
حجم المشروعات التى تم تنفيذها خلال السنوات الثلاث الماضية رغم إمكانات الدولة المتواضعة فى ظل تراجع الدخل من العملات الأجنبية جعل المهمة صعبة على كل من يفكر فى الدخول لساحة المنافسة فى الانتخابات الرئاسية المقبلة، وجعل الكثيرين مقتنعون بأن فوز الرئيس السيسى هى مسألة وقت فقط، وعليه توجه الاهتمام للسؤال عن العدد المتوقع للمشاركين فأصبحنا فى حالة أقرب إلى أجواء الاستفتاء.
لكن ما أتعجب منه فعلا هو الهجوم الكبير الذى يتعرض له الرئيس السيسى نفسه واتهامه بأنه المسئول الأول والأوحد عن المشهد الحالى وعن عدم وجود منافسين له فى الانتخابات المقبلة وكأن من مسئولياته اختراع بدلاء لشخصه، وتفصيل منافسين أقوياء لينافسوه على السلطة، وكأن اختراع الرؤساء هو مسئولية رأس السلطة التنفيذية.
أتعجب كذلك من الذين يضربون المثل بالانتخابات فى ٢٠١٢- طبعا معروف توجهاتهم- وكيف أنها كانت مثالا للديمقراطية- على حد قولهم- لكثرة عدد المتنافسين فيها، فهل بالفعل كانت كذلك أم أننا نتغافل عن الحقيقة ونتناسى ما كنا نقوله وقتها من أنها كانت منافسة لعواجيز السياسة المصرية الذين جهلوا بأوضاع الناس ومطالبهم، ظنًا أن الساحة خالية لتحقيق أحلامهم فى وراثة مبارك، فخسر شفيق وموسى لأنهما ببساطة لم يكونا جاهزين للتنافس من الأساس- رغم أنهما من نفس المدرسة والتوجهات- ولم يكن لأى منهما برنامج حقيقى يتميز عن الآخر، كان السباق طمعًا فى السلطة، وليس سباقًا لتحقيق مطالب شعب بخطط حقيقية فتفتت الأصوات بينهما من الجبهة الواحدة.
السيناريو نفسه جرى أيضا بين صباحى وأبو الفتوح، وكم من وساطات جرت بين الرجلين ليخوضا الانتخابات معا، أحدهما على مقعد الرئيس والآخر كنائب له حتى يستطيعا منافسة ما كان يسمى وقتها «جبهة الإخوان» و«جبهة الدولة العميقة»، لكن كلاهما طمع فى أكثر مما تستطيع قوته وأفشل كل منهما الآخر بسذاجة وعدم قدرة على دراسة الأوضاع الانتخابية، والقدرة التى حشدها الإخوان آنذاك، والأموال التى تدفقت على الإخوان لتنتصر كل أكاذيبهم على إرادة الشعب.
يزداد تعجبى عندما نرجع إلى انتخابات ٢٠١٤، ونتذكر صباحى مرة أخرى والذى حصل على عدد أصوات أقل من عدد الأصوات الباطلة فهل كان منافسًا شكليًّا.
نغمة الإخراج السيئ للمشهد الانتخابى غير منطقية من الذين أطلقوها فهل كل من ذكرناهم سابقا كانوا أدوات فى أيدى اللجان العليا للانتخابات السابقة، وهل جميعهم كانوا يشاركون ليكملوا المشهد فقط؟ وإذا كان استبعاد بعض المرشحين المحتملين نتيجة لهذا الإخراج السيئ وليس لأسباب قانونية، فهل كان استبعاد عمر سليمان- رحمة الله عليه- من قبل ضمن هذا الإخراج السيئ، ولماذا لم يقولوا وقتها إنه تجهيز للبلاد كى ترثها جماعة معينة مثلما يقولوا الآن إنه ترتيب للمشهد كى يفوز به الرئيس السيسى.
حقيقةًّ الإخراج السيئ هو بدعة المدعين الذين ظنوا أن الرئيس سينعم عليهم بالعطايا والمناصب وسيعقد الصفقات السياسية، وحين ضاعت تلك الأحلام راحوا يراهنون على آفة النسيان المصاب بها شعبنا.
لكن الجانب الأهم مما كشفت عنه أحداث الفترة الماضية هو فى تقديرى مدى استعداد الدولة وأجهزتها، والاندفاع نحو تحقيق نتيجة مبهرة تخطف أبصار العالم والذى جاء بنتائج عكسية تماما؛ لأن كل ما اعترض طريق هذا الهدف تم التعامل معه دون تقدير لآثاره على الرأى العام الذى لم يعد يرضى بالاستهتار بذكاء الناس وفطنتها وإحساسها بالمسئولية نحو الوطن، حتى داخل الدوائر المؤيدة للرئيس السيسى الذى حرص فى كلمته الختامية أمام مؤتمر «حكاية وطن» على حث المواطنين على الإدلاء بأصواتهم كى تظهر مصر بصورة جيدة أمام العالم.
فى النهاية ما زلت متمسكا بالتفاؤل، ورغم كل ما خلفته الفترة الماضية من خسائر سوف يكون لها آثار وتداعيات إيجابية على عودة الوعى والنشاط السياسى رغم التحديات التى تواجهه، وأن من يسعى لصالح البلد حقيقة عليه أن يعيد تقييم ما جرى فى الأعوام الماضية، وإدراك أن هذا البلد لن ينهض إلا بشراكة أبناء وبنات الوطن، وأن الاستمرار فى تضييق أبواب النشاط السياسى هو الذى يهدم مؤسسات البلد ويعرقل فرصته فى التقدم.