قال الدكتور محمد مختار جمعة وزير الأوقاف إن الفتوى ليست كلأ مباحا لغير المؤهلين ، وأن الدعوة إلى الله (عز وجل) يجب أن تكون كما أمرنا سبحانه وتعالى بالحكمة والموعظة الحسنة ، وهي علم وفن يحتاج إلى مهارات خاصة .
واكد وزير الأوقاف، في بيان، أن الدعوة إلى الله (عز وجل) يجب أن تكون عن علم ووعي وفهم و بصيرة وإدراك ، لا عن جهل ولا هوى، مؤكدا أن دور العلماء هو البلاغ لا الهداية ولا الحساب ، فالهداية والحساب أمرهما إلى الله وحده وبيده وحده .
وأضاف، الوزير، أنه تحقيقا لهذا الفهم جعلنا قضية بناء الوعي المستنير وبناء الشخصية والتكوين العلمي والمهاري للأئمة والواعظات وتكثيف برامج التدريب والتأهيل والتثقيف أولى أولويتنا في معركة الوعي ومكافحة التطرّف والإرهاب من جهة ومواجهة الجمود والتحجر الفكري من جهة أخرى ، وجعلنا من قضية فهم المقاصد و فقهها أولوية فكرية وبحثية ، وعملنا على الاستفادة من التنوع الثقافي من خلال بروتوكولات التعاون والعمل المشترك مع الجامعات المصرية والمؤسسات الإعلامية والثقافية والتربوية.
وتابع: ننطلق في منهجنا الدعوي من ثوابت راسخة ، حيث يقول الحق سبحانه وتعالى في كتابه العزيز مخاطبًا نبينا (صلى الله عليه وسلم) : ” قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ”, والبصيرة تعني العلم والدراية والرؤية والبينة , وقد حذر نبينا (صلى الله عليه وسلم) من التجرؤ على الفتوى أو على القول في دين الله (عز وجل) بغير علم ولا بينة ولا بصيرة , فقال لمن أفتوا للرجل بدون علم فاغتسل على جرحه فمات: “قَتَلُوهُ قَتَلَهُمُ اللَّهُ , أَلَا سَأَلُوا إِذَا لَمْ يَعْلَمُوا فَإِنَّمَا شِفَاءُ الْعِيِّ السُّؤَالُ , إِنَّمَا كَانَ يَكْفِيهِ أَنْ يَتَيَمَّمَ وَيَعْصِرَ أَوْ يَعْصِبَ عَلَى جَرْحِهِ ثُمَّ يَمْسَح عَلَيْهِ وَيَغْسِل سَائِرَ جَسَدِهِ “.
ويقول نبينا (صلى الله عليه وسلم) : ” أجرؤكم على الفُتيا أجرؤكم على النار” , ويقول (صلى الله عليه وسلم) : ” إنَّ اللَّهَ لا يَقْبِضُ العِلْمَ انْتِزَاعًا يَنْتَزِعُهُ مِنَ العِبَادِ، ولَكِنْ يَقْبِضُ العِلْمَ بقَبْضِ العُلَمَاءِ، حتَّى إذَا لَمْ يُبْقِ عَالِمًا اتَّخَذَ النَّاسُ رُؤُوسًا جُهَّالًا، فَسُئِلُوا فأفْتَوْا بغيرِ عِلْمٍ، فَضَلُّوا وأَضَلُّوا” , وكان أصحاب النبي (صلى الله عليه وسلم) يسألون فيحيل الواحد منهم إلى الذي يليه , حتى يرجع السؤال للأول مرة ثانية , إذ كانوا يستشعرون عظم أمر الفتوى .
وشدد على أن شأن الإفتاء عظيم وأمره جلل إذ ينبغي للمفتي أن يكون عالما بكتاب الله (عز وجل) وسنة نبيه (صلى الله عليه وسلم) , وأن يكون عارفًا بمسائل الإجماع , عالمًا بلسان العرب , عالمًا بعلم أصول الفقه, عارفًا بالناسخ والمنسوخ , وفقه الأولويات , وفقه الواقع وأحوال الناس وأعرافهم .
وذكر أن هناك أناسًا لا علم لهم ولا فقه , ولا هُمْ من المجتهدين ولا حتى من أهل الاختصاص أو دارسي العلوم الشرعية من مظانها المعتبرة يسرعون في رمي المجتمــع بالتبديع، ثم التجهيل، فالتكفير، حتى وصــل الأمر بغلاتهم إلى التفجير واستباحة الدماء وترويع الآمنين ، يسمون إفسادهم في الأرض جهادا ظلما وعدوانا وافتراء على الله ورسوله ؛ مما يتطلب حركة سريعة وقوية وغير هيّابة لمواجهة الجمود والفكر المتطرف معًا، حتى نخلِّص المجتمع والإنسانية من خطر التطرف الفكري وما يتبعه من تبني الإرهاب منهجًا وسلوكًا .
أما في مجال الدعوة فإن البصيرة تقتضي الحكمة والموعظة الحسنة , حيث يقول الحق سبحانه وتعالى : ” ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ” .
وهو ما علمنا إياه نبينا (صلى الله عليه وسلم) في دعوته التطبيقية , فعن معاوية بن الحكم السلمي قال : بيْنَا أنَا أُصَلِّي مع رَسولِ اللهِ (صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ) ، إذْ عَطَسَ رَجُلٌ مِنَ القَوْمِ، فَقُلتُ: يَرْحَمُكَ اللَّهُ فَرَمَانِي القَوْمُ بأَبْصَارِهِمْ، فَقُلتُ: واثُكْلَ أُمِّيَاهْ ، ما شَأْنُكُمْ؟ تَنْظُرُونَ إلَيَّ، فَجَعَلُوا يَضْرِبُونَ بأَيْدِيهِمْ علَى أفْخَاذِهِمْ، فَلَمَّا رَأَيْتُهُمْ يُصَمِّتُونَنِي لَكِنِّي سَكَتُّ، فَلَمَّا صَلَّى رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ، فَبِأَبِي هو وأُمِّي، ما رَأَيْتُ مُعَلِّمًا قَبْلَهُ ولَا بَعْدَهُ أحْسَنَ تَعْلِيمًا منه، فَوَاللَّهِ، ما كَهَرَنِي ولَا ضَرَبَنِي ولَا شَتَمَنِي، قالَ : إنَّ هذِه الصَّلَاةَ لا يَصْلُحُ فِيهَا شيءٌ مِن كَلَامِ النَّاسِ، إنَّما هو التَّسْبِيحُ والتَّكْبِيرُ وقِرَاءَةُ القُرْآنِ ” .
وأكد أننا في حاجة اليوم إلى التأدب بأدب الإسلام في الفتوى بعدم الجرأة عليها بدون علم ولا تأهل ولا اختصاص , وفي الدعوة بأن تكون دائما بالحكمة والموعظة الحسنة .