تحقيقات و تقارير

4 روايات مختلفة لرحيل «ناصر»..ماذا حدث في 28 سبتمبر 1970 داخل بيت الزعيم

للبعيدين عنه وهم كثر كان الرحيل مفاجئا بكل المقاييس، لكن القريبين منه، أصدقاءه، أسرته، دراويشه، يعرفون أن الرجل يعاني من أمراض مزمنة، ومحنات مرضية، فقط فداحة لحظة الفراق هي من جعلت حزنهم كبيرًا لا أكثر.

المحنات المرضية كانت لها مواعيدها، إصابة بمرض السكر في أزمة 1956، أزمات مرضية أخرى مع أزمات سياسية يمكن من خلال ذلك ضبط إيقاع حياة رجل جاء ورحل ايضًا في لحظة فارقة، وكان السؤال كيف لرجل لم تتحمل صحته عدوانا ثلاثيا يتحمل الهزيمة؟ ومن أين له بمعاندة كل الأطباء من أجل التوفيق بين أوضاع العرب، لم يتحمل كل ما حدث فرحل، ذلك ما يمكن وصفه عن 28 سبتمبر ذكرى رحيل جمال عبد الناصر

أيلول الأسود
الأيام السابقة لرحيله كانت تنذر بأنه لن يتحمل، فهناك صراع طاحن بين منظمة فتح الفلسطينية والقوات الأردنية فيما عرف بـ«أيلول الأسود» وكان ناصر يُدرك إنه لا تحرير للأرض بدون إجماع عربي، لذلك كان همه الأول والأخير لم الشمل،وقد استطاع ذلك في 5 أيام قضاها في القاهرة بين الزعماء العرب بعدها رحل، ذلك الرحيل الذي فتح دفتر حكايات كثيرة، بعضها يشير لقتل الزعيم وآخرون يؤكدون رحيله بصورة طبيعية، ومن بين تلك الروايات ترصد فيتو أبرز الروايات عن رحيل جمال عبد الناصر.

1- هيكل
البداية كانت من الكاتب الراحل محمد حسنين هيكل، صديق الزعيم ورجله المقرب وحامل نظريته خلال أكثر من 4 عقود،والشاهد على جميع الأحداث الكبيرة في الحقبة الناصرية.

في كتابه «عبد الناصر والعالم» يروي «هيكل» وقائع الإثنين 28 سبتمبر 1970، يقول «خرج عبدالناصر من مؤتمر القمة منهكًا، وأثناء توديعه لأمير الكويت صباح السالم آخر الزعماء العرب المغادرين أرض المطار، طلب أن تأتى السيارة ليستقلها، حيث كانت طبيعته أن يسير هو إليها، لكن شعوره بالألم كان أقوى منه»

ويضيف « تم تنفيذ طلب جمال من سكرتيره محمد أحمد، وتم إحضار الطبيب الخاص به، الصاوى حبيب، ولما حضر تأكد أنها نوبة قلبية جديدة يعانى منها قلب الزعيم، فاستدعى طبيبين آخرين، وعددا ممن سيروا أمور البلاد خلال غياباته المتكررة، يصف «هيكل» رحيل جمال بقوله أسلم روحه لله بهدوء شديد، حتى إنه لم يهتز إلا عندما أرسل جهاز الصدمة الكهربائية ثلاث شحنات راعدة، عبر جسده الطاهر، فكان المرجو أن تؤدى هذه الصدمات إلى دفع قلبه أن يخفق من جديد، لكن قضاء الله قد حل»

ويكمل« في تلك اللحظة غطى الطبيب وجه الزعيم بملاءة بيضاء وانطلق ينتحب، دون أن يحاول السيطرة على نفسه، ثم أبلغ زوجته السيدة تحية، التي دخلت إلى الحجرة، وأزاحت الغطاء لتقبله على جبينه، ووقف حسين الشافعي يركع ويصلي، أما أنور السادات فوقف خلف السرير المسجى عليه جسد الزعيم، وأخذ يتلو آيات من القرآن، أما هيكل نفسه فأخذ يردد كلمات مثل «يا رب.. مش معقول» زلزل جميع من بالغرفة، وأنين الزوجة يتردد في الآذان.

2- قتل الزعيم
تلك الرواية لـ«هيكل» لم تكن هي الوحيدة فهناك رواية أخرى، أشار فيها تلميحًا إلى إمكانية تورط الرئيس الراحل أنور السادات في قتل جمال عبد الناصر، وإن كان «الأستاذ» لم يؤكد لكن طرحه كان له أكبر الأثر في الحياة السياسية المصرية قبل ثورة يناير.

وتعود القصة لآخر حلقات «هيكل» ببرنامج «تجربة حياة» حين قال إن اليوم الأخير في حياة جمال عبد الناصر التقى الأخير ياسر عرفات في جناح إقامته بفندق هيلتون النيل، ودارت بينهما مناقشة حادة أغضبت عبد الناصر وتطوع السادات ودخل إلى المطبخ لإعداد قهوة للرئيس، وأخرج المسئول عن مطبخ الرئيس محمد داوود.

واستطرد هيكل مشيرا إلى أنه قيل إن فنجان القهوة كان مسموما، ثم عاد بعد ذلك، مستبعدا أن يكون السادات قد قتل عبد الناصر، لأسباب نفسية وإنسانية.

3- نجم: «مات مقتولًا»
الشاعر الراحل أحمد فؤاد نجم كان هو الآخر من أنصار اغتيال جمال عبد الناصر، ففي أكثر من لقاء قبل رحيله قال إن «ناصر» مات مقتولا بالسم، وإن قاتله اعترف له بالجريمة خلال وجودهما معا في السجن.

وقال «نجم»، أن الدكتور على العطيفي عميد معهد العلاج الطبيعي والمدلك الخاص بالرئيس جمال عبد الناصر اعترف للفاجومي أنه من قتل «ناصر» وذلك بعد أن تم سجن «العطيفي» في قضية تجسس.

وأوضح الشاعر الراحل أن «العطيفي» قام بجريمته بالسم من خلال تدليكه، حيث انتشر السم في جسده وبدأ في قتل خلاياه تدريجيا حتى مات، لافتًا إلى أنه أكد ذلك في أكثر من رواية، ولم يطلب أحد التحقيق في ذلك.

4- الرواية المنسية
وفي وسط تلك الروايات تبقى هناك رواية منسية لخالد جمال عبد الناصر، الابن الأكبر للزعيم يرويها الكاتب الصحفي عبد الله السناوي، وبحسب الرواية يقول «خالد» : «قبل ذهاب والدى لمصحة «تسخالطوبو» في الاتحاد السوفييتى عام ١٩٦٨ للاستشفاء قضى شهرًا كاملًا في فيللا المعمورة بالإسكندرية فوق سرير المرض، متأثرًا بمضاعفات مرض السكر، كان أبى وأمى يعيشان بالدور الثالث، ودخلت عليه في غرفة النوم. وجدته يتأوه من الألم وحين رآنى، حاول أن يخفى علامات الألم، كنا نحس به، ولكنه نجح ـ لحد كبير ـ في خداعنا والتهوين علينا»

ويضيف «في الساعة الخامسة من مساء ٢٨ سبتمبر ١٩٧٠ كنت انتهيت لتوى من تدريب كرة يد بنادي هليوبوليس في ضاحية مصر الجديدة، جلست مع أصدقائى في «ألتراس» نحتسى الشاى والقهوة وعلى المائدة المقابلة «داليا فهمي» زوجتى فيما بعد، لم يكن هناك شيء غير عادى، مؤتمر القمة الطارئ انتهى بنجاح، أبى يعود اليوم للبيت بعد أربعة أيام قضاها في فندق هيلتون النيل، للمشاركة في القمة، لم أكن أعرف أنه لم ينم ولم يرتح طوال هذه الأيام لوقف نزيف الدم الفلسطينى في عَمان»

ويتابع «رأيت أمامى فجأة «عصام فضلي»، وهو ضابط من قوة الحراسة الخاصة بالرئيس، لم يحدث من قبل أن أرسل والدى لاستدعائى ضابطًا من حرسه الشخصى، قال لى: «تعال.. عايزينك في البيت». لم يزد حرفًا، وفى أقل من خمس دقائق وصلت، صعدت سلم البيت قفزًا بتساؤل يكاد يشل الروح: «ماذا حدث؟». فكرت في كل احتمال، لم يخطر على بالى ما حدث»

ويكمل خالد جمال عبد الناصر «حركة غير عادية في الدور الثانى بغرفته، وحين وصلت كان أبى أمامى على السرير مرتديًا بيجامة، طبيبه الخاص الدكتور «الصاوى حبيب»، يحاول إنقاذ حياته بصدمات كهرباء للقلب، السيد «حسين الشافعي» بزاوية الحجرة يصلى ويبتهل إلى الله، الدكتور «الصاوي» قال بلهجة يائسة كلمة واحدة: «خلاص»ـ الفريق أول «محمد فوزي» نهره بلهجة عسكرية: «استمر»، ثم أخذ يجهش بالبكاء، نفذ أمر الله»

ويضيف في شهادته «أخذت الأصوات ترتفع بالنحيب، أمى أخذتها حمى أحزانها، أخذت في البكاء والنحيب كأى زوجة تنعى رجلها وجاء «أنور السادات» وتبعته، أما عن قتل والده فقال «خالد» لم يقتل لقد مات من التعب.

زر الذهاب إلى الأعلى