ثلاثة إخوة أشقاء يعيشون معا في سكن واحد ومعيشة واحدة منذ وقت طويل، ثم حصل بينهم شقاق أدى إلى أن أمسك الأخ الكبير بالمصحف الشريف وأقسم على الوجه الآتي: “أحلف بالمصحف الشريف أنني لا تدخلوا منزلي ولا أدخل منزلكم ولا تعامل بيننا، وإذا توفيت لا تسيروا وراء جنازتي ولا أسير وراء جنازتكم، وإذا دخلتم في أي معركة لا أدخل معكم ولا تدخلوا معي في أي معركة وكأني لاني منكم ولا أنتم مني”. ثم توسط الأهل والأقارب للصلح بينهم. وطلب السائل الإفادة عن حكم هذا اليمين، وبيان كفارته.
أجاب علي هذا السؤال الشيخ جاد الحق علي جاد الحق – مفتى الجمهورية الأسبق -:
إن الحلف على المصحف يمين بالله تعالى قال صاحب مجمع الأنهر: “وفي الفتح: ولا يخفى أن الحلف على المصحف الآن متعارف فيكون يمينا”، وقال العيني: “لو حلف على المصحف أو وضع يده عليه، أو قال: وحق هذا، فهو يمين ولا سيما في هذا الزمان الذي كثر فيه الحلف”، وإذن فيكون القسم الذي أقسمه الحالف على المصحف بأنهم لا يدخلون منزله ولا يدخل منزلهم ولا تعامل بينهم… إلخ اليمين هو يمين منعقدة، وتجب فيها الكفارة إذا حنث الحالف في يمينه بأن دخل بيت أحد إخوته أو دخل واحد منهم بيته أو تعامل معهم… إلخ، ولما كانت صلة الرحم مما أمر الله بوصلها فإنه يجب على الحالف أن يحنث في يمينه ويدخل بيت إخوته ويدخلهم بيته ويتعامل معهم، ثم يكفر عن يمينه؛ لقول الرسول صلى الله عليه وسلم لعبد الرحمن بن سمرة: ((إذا حلفت على يمين ورأيت غيرها خيرا منها فأت الذي هو خير وكفر عن يمينك)) وكفارة اليمين هي الواردة في قوله تعالى: ﴿لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الْأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾.. [المائدة : 89]، فكفارة اليمين كما تدل عليها الآية الكريمة هي إطعام عشرة مساكين، ويجزئ في إطعام كل مسكين ما يجزئ في صدقة الفطر، وذلك بإعطاء كل مسكين نصف صاع من القمح، والصاع بالكيل المصري هو قدحان وثلث، ويجوز عند الحنفية إعطاء القيمة نقدا وذلك بإعطاء كل مسكين نحو عشرة قروش، فإن لم يطعم العشرة المساكين فليكسهم الكساء المتعارف، فإن لم يستطع الطعام ولا الكسوة فليصم ثلاثة أيام متتابعات.
ومما ذكر يعلم الجواب إذا كان الحال كما ورد بالسؤال. والله أعلم.