التعالى على الشباب ووصفهم بالجهل.. والاستعلاء عليهم والحديث من المنصات عن حالهم قمة العبث، فمن أراد استجلاء الحقيقة عليه بالنزول إليهم واقتحام الشباب فى مجالسهم أينما كانوا. فى معرض القاهرة الدولى للكتاب جمعنا لقاء للحديث عن دور الثقافة فى عام الشباب، وباتت كلمات الإنذار والتحذير تحمل كثير من عبارات التهكم والسخرية والإدعاء بابتعاد الشباب عن الثقافة، واتهامات إليهم بالعزوف عن الإقبال على المواقع الثقافية، وكأن المشكلة فى الشباب.
سمعت كثيرا من وجهات النظر المتشائمة عن حال الشباب وتعاملهم مع الثقافة.. رنت كلمات كأجراس خطر تدق وكأن الشباب يقفون على قضبان أمام قطار كاد يدهسهم. كلمات لا تعبر عن الحقيقة.. وتشخيص يغرق فى التفاصيل ووصف الحالة أكثر مما يبحث عن حلول عملية للوصول بالثقافة إلى شبابنا. هؤلاء لم يروا فتيات وشبان فى طوابير أمام معرض الكتاب، لم يروا حجم التفاعل الشبابى على شبكات التواصل الاجتماعى.. شباب أقبلوا على الحفلات فى الساحات والمسارح المكشوفة.. شباب يتزاحمون لزيارة شارع المعز ويعزفون الموسيقى أمام سبيل محمد على بالنحاسين. المتأمل للحالة جيدا سيعرف أن الإشكالية فى أسلوب توجيه الخطاب الثقافى للشباب.
ذلك الأسلوب الغارق فى طراز ستينيات القرن الماضى. الشباب واكبوا العصر وطوروا أسلوب وشكل الثقافة لكن كثير من القائمين على أمور الشباب والثقافة لم يفهموا هذا، ويتعاملون معهم من منظور ستيناتى عتيق يسير ببطء ولم يطور نفسه. كثير ممن يتحدثون عن الشباب ربما لا يفهمون لغتهم ولا أذواقهم ولا يتعاملون مثلهم عبر وسائل التكنولوجيا الحديثة.. كثير منهم كتاب عظام لهم كل احترام وتقدير لكنهم لم يطوروا من أنفسهم فلم يواكبوا العصر، يتحدثون من خلف نظارات سوداء عن حال الشباب، لا يقتربون منهم، يريدون كل شاب أن يحج إليهم. تناسوا أن العصر اختلف، فصار كل فى واد، الشباب فى عالمهم يصنعون ما يريدون، ومن يتحدثون عن حالهم أو يديرون مؤسسات مفترض أنها المعنية بالوصول إلى الشباب، فى واد آخر، لا يرون الأمور على حقيقتها. اقتحام الشباب فى تجمعاتهم ثبت أنه أنجح أسلوب للوصول إليهم. . ومثال على ذلك نجاح تجربة مسرح الميدان ومهرجانات الرسم على الأسفلت وكرنفالات الشارع ومسارح قهوة بلدى وغيرها من الفعاليات التى تنفذ داخل الأوساط الشبابية بفكر شبابى يعرف كيف تصل الرسالة.
بل نجاح معرض الكتاب فى تحقيق جذب جمهور الشباب ليس السبب فيه التنظيم الجيد وتنوع الكتب فقط.. لأن تنظيم فعاليات فنية وحفلات موسيقية وكرنفالية بفرق شبابية جعل من المعرض وجبة ثقافية وفنية متكاملة استطاعت جذب الكبار والصغار. نجاحات معرض الكتاب هذا العام كان أحد أسبابها أفكار الشباب، التى ظهرت فى تطبيق عم أمين الإلكتروني، الذى وضعه شباب جامعى عرف كيف يروج لأنشطة المعرض ويجعل من الكتاب سلعة للجميع. أفكار الشباب وجهدهم فى معرض الكتاب – أيضا – كان وراء تبنى وزارتا التموين والثقافة مبادرة “رغيف وكتاب” ، التى كانت نتاج عمل المجتمع المدنى ومؤسسة بتانة مع الشباب. نهاية الكلام.
لا داعى للتعالى على الشباب والنظر إليهم بعين الحسرة. وعلى السادة المسئولين صياغة أفكار برؤى شابة واقتحام تجمعات الشباب فى المولات وشبكات التواصل الاجتماعى والجامعات والحدائق، وابتكار أفكار لتسويق المنتج الثقافى للوصول للجمهور. فالمتتبع للمزاج الثقافى للشباب يستطيع أن يصل برسالته إليهم أيا كانت، فالخطأ ليس فى الشباب ولكن فى أسلوب عتيق ممزوج بروح شباب وأفندية جيل “الشارلستون”.