6 محطات تكشف مخطط الصهاينة لتدمير «أولى القبلتين»
كتب- أحمد مطاوع
الصراع الإسرائيلي الغاشم مع المسجد الأقصى، هو الأعقد في مخطط الاحتلال الصهيوني ضمن سلسلة الاعتداءات على المقدسات الإسلامية التاريخية بفلسطين منذ عام 1948، في إطار محاولات مستميتة لنزع الهوية العربية الإسلامية عن عدد من المدن وخصوصًا القدس التي تسعى حكومة تل أبيب إلى تهويدها تمهيدًا لتحويلها إلى عاصمة لدولتهم المزعومة، بعد فرض الطابع اليهودي عليها، بوسائل ومخططات مختلفة أبرزها الاستيطان ومصادرة الأراضي من الفلسطينين وتهجيرهم وإعادة التخطيط وأخطرها التدمير.
الأوضاع المشتعلة في القدس، منذ إغلاق إسرائيل أبواب المسجد الأقصى في 14 يوليو الماضي، ومنع الصلاة داخله، في سابقة لم تحدث منذ 5 عقود تقريبًا، ثم الإعلان عن تركيب بوابات إلكترونية عند مداخل المسجد، جاء بمثابة حيلة جديدة مرتبطة بمخطط تدمير المعالم الإسلامية، من خلال التقدم نحو عمق الأقصى، بعد تحقيق مستهدفات كثيرة في محيطه، وتحدث عنها الشيخ رائد دعنا مدير دائرة الوعظ والإرشاد في دائرة الأوقاف بالقدس.
وقال دعنا، عقب إزالة البوابات الإلكترونية من محيط باب الأسباط، أمس، واستبدالها بكاميرات، إن قوات الاحتلال غيرت من معالم الباب التاريخية بعد أن خلعت عددًا من الأحجار من أجل تثبيت المنصات التي ستركب عليها الكاميرات الذكية الإضافية، كما قطعت عددًا من أشجار الزيتون المعمرة.
جبل الهيكل.. أبرز محطات مخطط تدمير الأقصى
"لا قيمة لليهود بدون إسرائيل، ولا قيمة لإسرائيل بدون القدس، ولا قيمة للقدس بدون الهيكل"، مقولة ديفيد بن جوريون مؤمسس دولة إسرائيل المزعومة، والتي تفسر سر الاستقتال من أجل الاستيلاء على القدس وتدمير الأقصى.
في عام 1967، استولت فرقة عسكرية إسرائيلية على المدينة القديمة في القدس، وقال قائدها موتا جور، عبارته الشهيرة "جبل الهيكل في أيدينا"، وأصبحت شعارًا موثقًا ترفعه حركة كبيرة من المستوطنين المغتصبين المتطرفين، تدعى "أمناء جبل الهيكل"، ذات الحضور القوي في حزب الليكود الحاكم في إسرائيل ويدعمها أكثر من نصف أعضائه، وتهدف إلى بناء معبد هيكل سليمان مكان المسجد الأقصى، وتحول الهدف إلى جزءًا من برنامج الحزب، الذي أكد أنه سيعمل على إيجاد حل يسمح بحرية العبادة لليهود على جبل الهيكل.
وبدأت إسرائيل، منذ اللحظات الأولى، تنفيذ مخطط تدميري لمعالم المدينة التاريخية سعيًا لإعادة صبغة هويتها من الإسلامية إلى اليهودية، بعد احتلال إسرائيل للقدس الشرقية والبلدة القديمة، مع اتباع منهجية التوسع في بناء المستوطنات.
وكانت أولى المحاولات الفعلية لتدمير الأقصى، مع اقتحام الأسترالي الصهيوني دينيس مايكل، بدعم من العصابات اليهودية في القدس، ومحاولة إحراق المسجد، وبالفعل تمكن من الوصول إلى المحراب، وإضرام النار فيه، وطالت النيران مساحة واسعة من المسجد؛ إلا أن الفلسطينيين استطاعوا وقف امتدادها إلى أنحائه المختلفة.
وفي عام 1984، تزامنًا مع تأسس حركة إسرائيلية متطرفة سمت نفسها "مخلصي الحرم"، بعلم حكومة الاحتلال، اكتشف حراس الأقصى المسلمون، عددًا من الإرهابيين اليهود في الساحات المحيطة بالمسجد، وهم يجهزون لعملية نسف تامة له، مستخدمين قنابل ومتفجرات وموادًا متفجرة تزن 120 كجم من نوع "تي. إن. تي".
ومنذ احتلال القدس، قامت إسرائيل بحفريات كبيرة في منطقة القصور الأموية جنوبي المسجد الأقصى، في سبيل إثبات أي حق لليهود هناك، واستمرت على هذا النهج، وفي عام 2001، وبفعل الحفريات، تشقق جزء من السور الجنوبي للمسجد الأقصى في المنطقة الواقعة بين الباب الثلاثي والباب المفرد بامتداد حوالي 30 مترًا.
وفي 2011، أكدت مؤسسة "الأقصى للوقف والتراث" الفلسطينية الناشطة داخل إسرائيل، أن السلطات الإسرائيلية تصعد من خطوات تدمير قصور الخلافة الأموية جنوبي المسجد الأقصى في مدينة القدس، موضحة أن عمليات التدمير تتم من خلال حفر وطمس للمعالم التاريخية الإسلامية ومد شبكة من الجسور والدرج الحديدية في أنحاء المنطقة الأثرية الملاصقة للمسجد، مشددة على أن الاحتلال يسارع خطواته في محاولة لبناء "الهيكل المزعوم" ومرافقه على حساب المسجد وتهويد مدينة القدس.
وقالت المؤسسة، وفي 2015، إن الاحتلال الإسرائيلي حول عددًا من المعالم والعقارات الإسلامية التاريخية العريقة في منطقة جسر أم البنات في منطقة حي باب المغاربة الواقعة على بعد نحو 50 مترًا غربي المسجد الأقصى، إلى حمامات عامة لليهود والسياح الأجانب الذين يرتادون منطقة ساحة البراق، والتي يستعملها الاحتلال كساحة للصلوات اليهودية.
ومع الشهور الأولى من العام الجاري، واصلت إسرائيل مخطط تهويد القدس، وتغيير معالم المدينة المقدسة، وفي مقدمتها الأماكن الأثرية المحيطة بالمسجد الأقصى، وكان آخرها القيام بأعمال إنشائية في منطقة القصور الأموية، بعد أن كانت كلها أعمال حفر في السابق.
انتهاكات لمعاهدة السلام وتحدي لليونسكو
أدان وزير الدولة الأردني لشؤون الإعلام المتحدث باسم الحكومة محمد المومني، في مارس الماضي، الإنشاءات الإسرائيلية في منطقة القصور الأموية المجاورة للجدار الجنوبي للمسجد الأقصى المبارك، مطالبًا بوقفها على الفور، وإعادة الوضع لما كان عليه في السابق.
وأضاف المومني، أن هذه الإجراءات تمثل انتهاكًا واضحًا لالتزامات إسرائيل -القوة القائمة بالاحتلال- والقانون الدولي، والقانون الإنساني الدولي، ومعاهدات السلام بين البلدين، بحسب وكالة الأنباء الأردنية "بترا".
وتعترف تل أبيب بموجب معاهدة السلام مع الأردن، الموقعة عام 1994، بوصايته على المقدسات في القدس الشرقية التي كانت ضمن مدن الضفة الغربية الخاضعة للسيادة الأردنية قبل أن تحتلها إسرائيل عام 1967.
ومثلت الاعتداءات الأخيرة، والخاصة بتغيير المعالم التاريخية لباب الأسباط، مع عملية تركيب وإزالة البوابات الإلكترونية واستبدالها بمزيد من كاميرات المراقبة، عند مدخل المسجد الأقصى، تحديًا صارخًا لـ12 قرارًا سابقًا للمجلس التنفيذي لليونسكو، و8 قرارات سابقة للجنة التراث العالمي، كان آخرها في الدورة 41 يوم 4 يوليو الجاري.
والقرارات جميعها تنص على أن تعريف الوضع التاريخي القائم في القدس هو ما كان عليه تراث المدينة المقدسة قبل احتلال القدس في العام 1976، كما ضمت اليونيسكو عام 2016 المسجد الأقصى رسميًا ضمن قائمة التراث الإسلامي، مؤكدة على رفض المصطلح الإسرائيلي "جبل الهيكل".