– تشهد جامبيا حالة من عدم الاستقرار السياسي مؤخراً ، حيث تلاحظ أنها على مشارف تدخل عسكري جديد سيضيف لقارة أفريقيا مزيداً من التعقيدات ويخلق بؤرة جديدة من التوترات ، وذلك بسبب رفض الرئيس المنتهية ولايته ” يحيى جامع ” الذى تولى حكم البلاد لمدة (22) عام – من عام 1994 : 2016 – ، تسليم السلطة للرئيس الجديد المنتخب ” أداما بارو ” .
– في ظل تعقد الأزمة ، من المنتظر دخول البلاد لدوامة الفوضى والحرب ، حيث أخذت الأزمة خلال الساعات القليلة الماضية منحنى متصاعداً بعد أن أكد مصدر عسكري نيجيري أمس أن بلاده تعمل مع دول أخرى فى غرب أفريقيا على تشكيل قوة مشتركة للتدخل عسكرياً فى جامبيا إذا أصر ” يحيى جامع ” على عدم التخلي عن السلطة ..وذلك بالتزامن مع إعلان رئيس جامبيا المنتهية ولايته ” جامع ” في كلمه له عبر التلفزيون الرسمي للبلاد حالة الطوارئ في البلاد لمدة (90) يوم ، وأعرب عن أسفه للأجواء العدائية غير المبررة التي تهدد السلام والاستقرار في البلاد ، مشيراً إلى مستوى كبير جداً من التدخل الخارجي لا سابق له في العملية الانتخابية في البلاد ، كما حذر من أي أعمال خارجة عن قانون جامبيا أو إثارة للعنف أو أي أعمال تهدف للإضرار بالأمن العام والسلام .. وحسب دستور البلاد ، فإن حالة الطوارئ يفترض أن تبقى قائمة لمدة (7) أيام في حال أعلنها رئيس الجمهورية ، إلا أنها يمكن أن تمدد حتى (90) يوماً في حال وافقت عليها الجمعية الوطنية .
– جاء ذلك قبل يومين من موعد تسليم السلطة ، حيث من المقرر أن يشهد غداً
( الخميس ) مراسم تنصيب الرئيس الجديد ” أداما باور ” وأداء اليمن الدستورية ، ورغم ضعف الآمال حول مرور هذا اليوم بسلام بسبب تصاعد التوترات في العاصمة
( بانجول ) ، إلا أن الرئيس المنتخب – والذى غادر جامبيا إلى السنغال بسبب الاضطرابات ويٌتوقع أن يعود غداً – يصر على أن مراسم أداء اليمين ستمضى قدماً .
– وفي تطور للأزمة ، بدأ بعض وزراء حكومة جامع التخلي عنه ، والهروب إلى الدول المجاورة ، حيث أعلن التليفزيون الرسمي أمس واليوم أن وزراء ( المالية / الخارجية / السياحة / الثقافة / التجارة / البيئة / الإعلام ) ، في حكومة جامع ، قدموا استقالتهم ، وفروا للدول المجاورة ، وذلك عقب ساعات من امتناع كبير قضاة المحكمة العليا بجامبيا عن إصدار حكم فى التماس كان قد تقدم به ” جامع ” طعناً على هزيمته فى الانتخابات .
– أيضاً لم يترك ” جامع ” أي فرصة لحل الأزمة سلمياً ، حيث أفشل جهود جميع الوسطاء الذين حاولوا التدخل وفى مقدمتهم بعثة الوساطة التى قامت بمفاوضات فى العاصمة ( بانجول ) برئاسة ( رئيس نيجيريا بخاري / رئيسة ليبيريا إلين جونسون ) ، حيث تردد أن ” بخاري ” عرض عليه اللجوء السياسي إذا ما وافق على تسليم السلطة ، كما فشلت محادثات مع المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا (ايكواس) فى ديسمبر الماضي في العدول عن قراره .. الأمر جعل نيجيريا وبعض القوي الإقليمية – ( السنغال / المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا – إيكواس ) – إلى بذل جهوداً كبيرة لنيل الموافقة الرسمية على إرسال جنود لجامبيا فى حال أصر ” جامع ” على عدم تسليم السلطة ، وفق ما أعلن ” محمد بن شمباس ” المبعوث الخاص للأمم المتحدة لدي دول غرب أفريقيا ، كما أعلنت مصادر أمنية أن مجموعة الإيكواس ، اختارت السنغال لتقود أي تدخل عسكري ، إذا لم يسلم الرئيس ” جامع ” السلطة يوم (19) يناير الجاري عند انتهاء مدة رئاسته .
– في السياق ذاته ذكر موقع ( بريميوم تايمز ) النيجيري أن الجيش النيجيري أحضر كتيبة كاملة من الجيش لتنتشر في جامبيا ، لإرغام الرئيس ” جامع ” من تسليم السلطة إذا فشلت مساعي إجباره على التنحي ، وأضاف الموقع أن قيادة الجيش النيجيري أصدرت تعليمات للضباط للدفع بأكثر من (800) جندي من جنود مكافحة الإرهاب والتمرد إلى جامبيا ، وزودت الجيش بالخدمات اللوجستية والأسلحة والذخائر وغيرها لنجاح هذه العملية .
وفيمـــا يلي خلفيـــة عن الأزمـــة بشــكل عـــام :
1 – تشهد جمهورية جامبيا حالة من عدم الاستقرار السياسي ، وذلك عقب تراجع الرئيس ” جامع ” عن اعترافه بنتيجة الانتخابات الرئاسية التي جرت خلال شهر ديسمبر 2016 ، ، والتي لقي فيها هزيمة أمام منافسه ممثل المعارضة ” أداما باور ” ، فبعد اعترافه بالنتيجة بأقل من أسبوع ، خرج ” جامع ” ليشكك في نزاهة الانتخابات ، مبرراً ذلك بحدوث أخطًاء في عملية الفرز .. الأمر الذي أسفر عن إدانات ( إقليمية / دولية ) واسعة ، بالإضافة إلى فرار الآلاف إلى دول ( السنغال / غينيا بيساو / موريتانيا ) خشية حدوث اضطرابات في بلادهم الغارقة في أزمة سياسية منذ أكثر من شهر .
2 – أيضاً أثار قرار إعلان جامبيا دولة إسلامية من قبل الرئيس المنتهية ولايته ” جامع ” جدلاً دولياً واسعاً ، ومنذ ذلك الوقت بدأت التوترات والاضطرابات تظهر في بلاده ، حيث كثرت المظاهرات المعارضة التي شهدتها العاصمة الجامبية ( بانجول ) ضد نظام ” جامع ” ، بعد شهور قليلة من إعلان بلاده ( دولة إسلامية ) ، ومنذ هذه الفترة يواجه الرئيس الجامبي انتقادات واسعة من ( الأمم المتحدة / الولايات المتحدة / الاتحاد الأوروبي ) لوضع حقوق الإنسان في بلاده ، حيث اتهمت القوى الغربية أكثر من مرة بطريقة رسمية أو عبر إعلامها الرسمي والخاص الحكومة الجامبية بانتهاك حقوق الإنسان وقمع المعارضة حتى ظهرت المظاهرات الأخيرة بالبلاد .
3 – وبخلاف ما سبق هناك عداء غربي واضح لجامبيا منذ التحول في العلاقة بين ( جامبيا / الولايات المتحدة ) عام 2002 ، فبدأت منذ ذلك الحين الولايات المتحدة تحارب جامبيا ، وتتدخل في سياستها ، حتى تدهورت كثيراً في السنوات الأخيرة ، ووجهت انتقادات دولية لجامبيا ، بعدما أعدم سجناء عام 2012 ، إلا أن ” جامع ” في ذلك الوقت اتهم ( الولايات المتحدة / بريطانيا ) بالتحريض على محاولات انقلاب ودعم المعارضة ، وفي عام 2014 علق الاتحاد الأوروبي بشكل مؤقت أموال المساعدات لجامبيا ، بسبب ما وصفته أوروبا بسوء سجلها في مجال حقوق الإنسان .
موقف المعارضة من قرار الرئيس المنتهية ولايته :
طالب ائتلاف المعارضة الذي يدعم الرئيس المنتخب في جامبيا ” أداما بارو ” ، الرئيس المنتهية ولايته ” يحيى جامع ” ، بالتنحي على الفور وتسليم السلطة .
أبـــرز ردود الفعـــل بشكل عام :
1 – أدانت ( الولايات المتحدة ) رفض رئيس جامبيا نتائج الانتخابات ، حيث أكدت الخارجية الأمريكية أن هذه محاولة فاضحة لتقويض العملية الانتخابية في مسعى للبقاء في السلطة بطريقة غير شرعية ، حذرت من انزلاق جامبيا للفوضى ، مطالبة ” جامع ” بتسليم السلطة لخلفه ، وأكد المتحدث باسم الخارجية الأمريكية ” جون كيربى ” ، رداً على سؤال عن موقف واشنطن من إعلان جامع حالة الطوارئ فى البلاد أن الرئيس ” جامع ” يفوت فرصة احترام كلمة الشعب الجامبى وفرصة انتقال سلمى للسلطة يفترض أن يحصل الخميس مع الرئيس المنتخب ، وأضاف أن تسليم ” جامع ” السلطة للرئيس المنتخب يتيح له أن يرحل مرفوع الرأس وأن يحمى الشعب الجامبي من فوضى محتملة ، محذراً من أنه إذا تمسك ” جامع ” بالسلطة فإنه بذلك سيعرض للخطر إرثه السياسي وجامبيا بأكملها .
2 – أكد الرئيس السنغالي ” ماكــي ســال ” فى مقابلة بثتها شبــكة التلفزيــون الفرنسيــة ( فرانس 24 ) أمس ، أن تدخلاً عسكرياً فى جامبيا لإجبار الرئيس المنتهية ولايته ” يحيى جامع ” على تسليم السلطة لن يكون إلا حلاً أخيراً ، وأضاف أنه واثق من امكانية اقناع ” جامع ” عبر الحوار وطمأنته بشأن مصيره وخصوصاً فى ما يتعلق بملاحقات قضائية ممكنة ، وأكد رئيس السنغال البلد الوحيد المجاور لجامبيا والذي تدخل فيها عسكرياً فى 1981 لإعادة الرئيس ” داودا جاوارا ” إلى السلطة بعد انقلاب أن اللجوء للقوة لن يكون إلا حلاً اخيراً عندما تخفق الجهود الدبلوماسية بالكامل ، وأضاف : ( لا أعتقد أنه من المنطقي للرئيس جامع وحلفائه خوض اختبار القوة ) ، وأوضح
: ( آمل أن يعود الرئيس جامع إلى رشده ليتفق مع المجتمع الدولي على انتقال للسلطة مع الرئيس المنتخب ) ، وأضـــاف ” ( حدثت جرائم بالتأكيد .. لكن اذا خضنا اختباراً للقوة ، من الواضح ان نتائجه ستكون اسوأ بكثير ) ، مشيراً بذلك إلى الدعم الذى يتمتع به جامع داخل الجيش ، كما أدانت حكومة السنغال هذه الخطوة ، ودعت لعقد اجتماع طارئ لمجلس الأمن الدولي ، كما حثت الخارجية السنغالية الرئيس ” جامع ” على احترام نتيجة الانتخابات .
3 – أكد ممثل الأمم المتحدة الخاص لغرب أفريقيا ” محمد بن شمباس ” أنه لن يُسمح لـ ” جامع ” بالبقاء في السلطة بعد انتهاء ولايته في الشهر المقبل ، وإلا سيواجه عقوبات مشددة .
4 – حث مجلس الأمن الدولي الرئيس المنتهية ولايته على تسليم السلطة للرئيس المنتخب ” بارو ” ، ودعاه لاحترام إرادة الناخبين والتراجع عن موقفه الرافض لنتائج الانتخابات .
5 – وصف الاتحاد الأفريقي بيان رئيس جامبيا ” يحيى جامع ” الذي رفض فيه خسارته في الانتخابات الرئاسية التي أجريت في الأول من ديسمبر بأنه باطل لأنه سبق واعترف بالهزيمة ، وأكدت رئيسة مفوضية الاتحاد الأفريقي ” نكوسازانا زوما ” : ( أحضّ الرئيس جامع على تسهيل انتقال سلمي للسلطة وتسليمها ) ، ودعت قوات الأمن إلى البقاء على الحياد .
كيف صعد ” يحيى جامع ” للحكم :
1 – تمكن ” جامع ” من الوصول للحكم بانقلاب عسكري أطاح بنظام الرئيس ” داوودا جاورا ” ، ثم منح نفسه ترقية من رتبة ملازم إلى عقيد بالجيش ، على اعتبار أنه المنقذ من حالة الفوضى ، وبذلك أصبح الحاكم الثاني للبلاد منذ استقلالها عام 1965، والذي كان يبلغ حينها من العمر (29) عاماً فقط ، وبعد ذلك أوقف النشاط السياسي إلى أن وضع دستوراً جديداً للبلاد في عام 1996 ، ثم انتخابات رئاسية في نفس العام الذي فاز فيه ” جامع ” .
2 – تصفه القوى الغربية ، بأن عهده لم يكن فيه مساحة لحرية الرأي ، وفي كل فترة تخرج تقارير غربية تؤكد بأن حكمه يتسم بالتعذيب والاختفاء القسري والاعتقالات التعسفية ، كما وجهت له اتهامات حقوقية متعددة من المنظمات الدولية ، لكن من الناحية الأخرى دائماً ما يعدد هو ومؤيدوه الكثير من الإنجازات التي قيل إنها نفذت في عهده ، حيث يقول ” جامع ” في السابق أنه اخترع علاجاً لمرض نقص المناعة المكتسب ( الإيدز ) ، وبتاريخ (11) ديسمبر 2015 أعلن الرئيس ” جامع ” تحويل دولته لجمهورية إسلامية ، في خطوة أكد أنها تهدف لتخليص بلاده بشكل أكبر من ماضيها الاستعماري ، معتبراً أنه طالما المسلمون يمثلون الأغلبية (90٪) ، فإن جامبيا لا تستطيع مواصلة الإرث الاستعماري .
3 – اشتهر منذ توليه الرئاسة بإصداره إعلانات وصفها الكثير بالمفاجئة ، منها سحب بلاده من الكومنولث عام 2013، واصفاً إياه بأنه استعمار جديد ، وأعلن أيضاً في 2014 حظر اللغة الإنجليزية كلغة رسمية ، معتبراً أنها إرث استعماري .
لمـــاذا تراجع ” جامـــع ” عن الاعتراف بهزيمتــه :
برر الرئيس المنتهية ولايته ” جامع ” رفضه للانتخابات بقوله : ( كما أعلنت بولاء قبولي للنتائج معتقداً أن اللجنة الانتخابية مستقلة ونزيهة ، أرفض الآن النتائج بأكملها ، مشيراً إلى أخطاء غير مقبولة ارتكبتها السلطات الانتخابية ، متهماً القائمين على الانتخابات بعدم الحيادية والانحياز .. سنعود لصناديق الاقتراع ، لأنني أريد التأكد من أن كل جامبي يصوت تحت سلطة لجنة انتخابية غير منحازة ومستقلة وحيادية ، ولا تخضع لأي تأثير أجنبي ) .
معلومات عن الرئيس المنتخب ” بـــاور ” :
الاسم : ” آداما بارو ” .
السن : (50 عاماً وعدة أشهر ) .
معلومات عامة :
1 – انتقل قبل أشهر من أمين الخزينة في الحزب الديمقراطي الوحدوي المعارض ، إلى مرشح منتخب للمعارضة للانتخابات الرئاسية في جامبيا .
2 – درس الابتدائية بمدينة كوبا كوندا ومن ثم التحق بالإعدادية في العاصمة بانجول ، وأكمل الثانوية بمعهد إسلامي ثانوي ، وبعد حصوله على شهادة كفاءة متوسطة في العلوم الشرعية .
3 – أثبت ” أداما باور ” أنه معارض قوي يستند لتحالف معارض ودعم غربي واسع ، حيث عمل على تشكيل ائتلاف من (8) أحزاب تدعم منافساً واحداً في الانتخابات التي جرت في الأول من ديسمبر 2016 ، وتم اختياره ليكون المنافس ، وأصبح رئيساً لجامبيا بعد أن حصل على (45.5%) من الأصوات ، مقابل (36.7%) .
أبرز المعلومات المتيسرة عن جمهورية جامبيا :
1 – إحدى دول غرب إفريقيا وهي أصغر دولة في القارة ، حيث يبلغ عدد سكانها أقل من (2) مليون نسمة ويحدها من الشمال والشرق والجنوب السنغال ، ويخترقها نهر جامبيا الذي يصب في المحيط الأطلسي الذي يحد البلاد من الغرب ، وتعتبر وجهة هامة ومميزة للسياح الأوروبيين ، نظراً لأنها تطل على ساحل المحيط الأطلسي .
2 – حصلت على استقلالها من المملكة المتحدة عام 1965 ، وتولي ” داودا جاوارا ” من حزب الشعب التقدمي رئاسة الوزارة على رأس نظام ديمقراطي يطبق التعددية الحزبية ، وأصبحت البلاد ، جمهورية وتولى ” جاوارا ” رئاستها عام 1970 .
3 – وقعت محاولة انقلابية تم إحباطها بمساعدة السنغال عام 1981 ، وتشكل بعد ذلك اتحاد لفترة قصيرة بين ( جامبيا / السنغال ) ، أطلق عليه اسم ( سينيجامبيا ) ، خلال في الفترة ما بين ( 1982 – 1989) ، ووقعت الدولتان معاهدة تعاون وصداقة بينهما عام 1991 .
4 – تشتهر بالانقلابات ، ففي عام 2006 خلال حكم الرئيس ” جامع ” تعرضت الدولة مرة أخرى لمحاولة انقلاب ، قادها رئيس الأركان السابق العقيد ” ندوري تشام ” ، ولكنها باءت بالفشل ، وأيضاً في (30) ديسمبر عام 2014 تم إحباط محاولة انقلاب ، وذلك استغلالًا لغياب الرئيس ، الذي كان في زيارة بالخارج ، وتم قتل (3) من منفذي العملية واعتقال محرك الحملة .