مصير الريـال اليمني بيد «السوق السوداء» بعد قرار التعويم
A A يمنيون ينتظرون الحصول على خبز مجاني من منظمة خيرية في العاصمة صنعاء أمس (إ.ب.أ) قرر «البنك المركزي اليمني» تعويم سعر الريال، ليصبح تحديد سعر العملة الوطنية أمام العملات الأخرى بيد السوق السوداء، وسط توقعات بأن ترتفع أسعار السلع المستوردة بعد هذه الخطوة.
وموازاة مع قرار البنك المركزي، وصل سعر الدولار الأميركي أثناء تعاملات الصرف الحرة في السوق المحلية، أمس، إلى 375 ريالاً يمنياً، فيما وصل سعر الريال السعودي إلى 98 ريالاً يمنياً، وسط توقعات بأن يتذبذب سعر الصرف خلال الفترة المقبلة قبل أن يستقر.
ويأتي ذلك بعد أن أصدرت إدارة البنك المركزي اليمني قراراً بتعويم الريال مقابل الدولار الأميركي، من يوم أمس، ليكون بذلك سعر صرف الريال مقابل الدولار خاضعاً لمتطلبات السوق المحلية. وأعلن البنك المركزي سعر صرف الدولار أمام الريال بعد التعويم بـ370.71 ريال، وسعر صرف الريال السعودي بـ97 ريالاً.
وفيما تمثل هذه الخطوة إلغاء سعر الصرف الرسمي المحدد سابقاً للدولار بـ250 ريالاً، وللريال السعودي بـ66.7 ريال، أظهرت التعاملات، أمس، أن الأسعار الرسمية بعد التعويم لم تبتعد عن الأسعار المحددة سلفاً في السوق السوداء.
يشار إلى أن تعويم العملة جعل سعر صرفها محرراً بشكل كامل، بحيث لا تتدخل الحكومة أو المصرف المركزي في تحديده بشكل مباشر، وإنما يتم إفرازه تلقائياً في سوق العملات، من خلال آلية العرض والطلب التي تسمح بتحديد سعر صرف العملة الوطنية مقابل العملات الأجنبية.
وقال الدكتور يوسف سعيد أحمد، وهو أكاديمي اقتصادي خبير في تعاملات أسعار الصرف، إن الأمر المهم بعد تعويم الريال هو أن تنجح السلطة النقدية في جعل سعر الصرف متسماً بالاستقرار النسبي، والتحرك البطيء، وبصورة تسمح للبنوك اليمنية بالاستقرار، ومنح الائتمان، وللمستثمرين باتخاذ قراراتهم المستقبلية. وأضاف أن قرار التعويم الحر الذي حل محل التعويم المدار لا يحقق الأهداف الاقتصادية، ولا استقرار سعر الصرف، بل على العكس، لأن «هذا القرار لم يأتِ بناء على دراسة الاحتياجات الاقتصادية، وتطور مؤشرات الطلب الكلي والعرض الكلي للعملة الأجنبية بناء على هذه الاحتياجات». وأوضح أن سعر الصرف المعوم هو السائد في السوق عملياً منذ فترة طويلة، كما أن البنوك، وفي أجواء عدم اليقين، تتعامل مع التعاملات الآجلة والشيكات بسعر، ومع المقاصة بسعر آخر، ومع النقد بسعر مختلف أيضاً، وهذا طبيعي في ظل استمرار تدهور سعر صرف الريال.
ولفت أحمد إلى أن قرار التعويم لن ينهي حالة عدم اليقين، وبهذا فإن قرار البنك المركزي يعد تحصيل حاصل، ما يعني أن «القرار ليس إلا خطوة أراد بها البنك المركزي أن يخلي مسؤوليته رسمياً في الدفاع عن سعر الصرف، وهو تعبير عن عجز حقيقي للبنك نتيجة تآكل احتياطيات النقد الأجنبي، وعدم تأمين موارد خارجية لتعزيز هذه الاحتياطيات».
واعتبر أحمد أن القرار اتخذ في الوقت الخطأ، وفي بيئة اقتصادية مضطربة، واقتصاد متراجع يعتمد على عوامل خارجية، مشيراً إلى أن قرار البنك المركزي من شأنه التأثير على أسعار الضريبة الجمركية في الموانئ والمنافذ، مما يعني إمكانية حدوث موجة جديدة من ارتفاع الأسعار، وبالتالي ارتفاع مستوى القلق، وتزايد الشكوك والمخاطر، وتراجع الثقة بالسلطة النقدية، وبالعملة اليمنية.
وفي السياق ذاته، قال مصطفى نصر، رئيس مركز الدراسات والإعلام الاقتصادي في اليمن، إن ارتفاع قيمة الجمارك بنسبة 45 في المائة سيكون واحداً من أبرز سلبيات القرار، وهو ما سيقود تلقائياً إلى ارتفاع أسعار السلع المستوردة، بعد الهبوط الحر لسعر العملة المحلية أمام العملات الأخرى. وعن إثر قرار التعويم على البنوك، أفاد نصر بأن «القرار لن يؤثر كثيراً على البنوك، على اعتبار أنها عملياً تتعامل بسعر السوق السوداء، وهي أسعار حرة، لا تخضع لتعليمات البنك المركزي، بل تعتمد على العرض والطلب».
ووصف عبد الرحمن الإرياني المسؤول الاقتصادي بالسفارة اليمنية في واشنطن تعويم العملة بأنه خطوة تهدف للإصلاح الاقتصادي وتعالج التباين الكبير بين سعر الصرف الرسمي والسعر غير الرسمي.
وأدى الصراع المسلح في البلاد إلى توقف صادرات النفط المتواضعة لليمن التي كانت تمثل من قبل معظم ميزانية البلاد والإيرادات بالنقد الأجنبي والاحتياطيات التي تتناقص. وقالت أمل ناصر، وهي اقتصادية يمنية، إن تحرير سعر الصرف فرصة كبيرة من أجل تحقيق استقرار في الاقتصاد لكن التحدي المقبل للبنك هو أن يظهر قدرته على توفير نقد أجنبي كافٍ. اليمن