تحقيقات و تقاريرعاجل

مظاهرات بفرنسا احتجاجاً على قانون العمل …و تعامل قسي من الأمن الفرنسي .. ملف كامل

نظمت جمعيات ونقابات عمال فرنسية أمس مظاهرات حاشدة وإضرابات في باريس وكبرى المدن الفرنسية ، احتجاجاً على تعديل قانون العمل الذي يتمسك به الرئيس ” ماكرون ” رغم معارضة النقابات العمالية ، وقد شارك في تلك المظاهرات (223) ألف شخص حسب بيانات وزارة الداخلية الفرنسية – ، وذلك في أول احتجاجات يواجهها ” ماكرون ” عقب فوزه بالانتخابات الفرنسية ، وقد تعاملت قوات الأمن الفرنسية بعنف شديد مع المتظاهرين ، حيث لجأت الشرطة إلى قنابل الغاز المسيلة للدموع ورزاز الفلفل الحار وخراطيم المياه لتفريق المتظاهرين في شوارع ( باريس / مرسيليا ) ، وعلى خطى الولايات المتحدة ، التي دائماً ما تتعامل مع المظاهرات بالقوة والردع الفوري ، دون النظر إلى حقوق الإنسان أو غيره ، باعتبار أن نظامها وأمنها العام فوق كل الاعتبارات والحقوق ، اتخذت فرنسا نفس الخطى ، دون أي إدانة من المجتمع الدولي .

و قررت الحكومة الفرنسية تبني إصلاح قانون العمل المثير للجدل ، بدون التصويت عليه في البرلمان ، وسط انتقادات شعبية حادة للقانون ، وفرض تعديل قانون العمل في غياب الأغلبية ، حيث أعلنت الحكومة أنها ستلجأ إلى مادة في الدستور – المادة ( 49 -3 ) – التي تسمح لها بالاعتماد على مسئوليتها واقرار نصها بدون التصويت عليه في الجمعية الوطنية ( البرلمان ) ، حيث تتيح تلك المادة من الدستور للحكومة تبني مشروع القانون بدون موافقة البرلمان ، – هذه المادة استخدمت مرة واحدة سابقاً في عهد ” هولاند ” ، من أجل تحرير بعض الأنشطة الاقتصادية ، من بينها تمديد ساعات عمل المتاجر أيام الأحد –  .. يشار إلى أنه وبعد المصادقة على نص القانون من قبل الجمعية العامة ( البرلمان ) ، سيمرر إلى مجلس الشيوخ الذي تسيطر علي أغلبية حزب اليمين ، وهو ما يعرضه لتعديلات من قبل مجلس الشيوخ ، وبالتالي ستضطر الحكومة مرة أخرى لاستخدام تلك المادة لتمريره مجدداً .

و بموجب هذه الطريقة التي تُندد بها النقابات ، فإن البرلمان لن يناقش الإصلاحات التي تدخل على قانون العمل ، ولكنه سيكتفي بالاطلاع عليها في بداية العملية ونهايتها فقط ، الأمر الذي جعل المعارضة الفرنسية تتحرك ضد هذه الخطوات الحكومية ، وأطلقت على هذه الإصلاحات بأنها ( قانون لتدمير المجتمع ) ، ودعت النقابات العمالية إلى التحرك لمواجهة هذه الخطوات الحكومية . 

ومن أهم ما سيتضمنه الإصلاح الجديد لقانون العمل هو :

  • وضع سقف إجباري لقيمة العطل والضرر جراء صرف تعسفي .
  • السماح للمجموعات التي لا يعتبر نشاطها مربحاً في فرنسا بالصرف ، حتى لو كانت هذه الشركات مزدهرة جداً على مستوى العالم .
  • وضع عقود عمل جديدة تتيح الصرف في نهاية عمل محدد .

هذه البنود أثارت غضب النقابات العمالية ، والتي اعتبرت أن هناك خطوط حمراء لا يجب تخطيها كمرونة عقود العمل لفترة زمنية محددة ، وعقود العمل لأجل غير محدد الذي يجري العمل به في قطاع البناء ، والتفاوض بدون ممثل نقابي في الشركات الصغرى والمتوسطة ، حيث تأمل الحكومة في أن يتفاوض ممثل عن العمال مباشرة مع رئيس العمل ، وبالرغم من أن هذه البنود تثير تخوف غالبية الموظفين والنقابات العمالية ، إلا أن أصحاب الأعمال يرغبون في تطبيقها لأنهم تصب في صالحهم ، حيث وجدوا فيها الكثير من المزايا التي تترك لهم هامش أكبر من الحرية في التعامل مع موظفيهم.

  مبررات الحكومة الفرنسية لتلك الإصلاحات : –

أ – أكد الرئيس ” ماكرون ” على أن الهدف من إصلاحه لقانون العمل هو خفض نسبة البطالة في فرنسا من (9,4%) حالياً إلى (7%) في نهاية ولايته عام 2022 ، وأيضا اكتساب ثقة ألمانيا مجدداً التي تطالب بإصلاحات في فرنسا منذ فترة طويلة ، كما أن فرنسا تريد المضي في قيادة أوروبا بالتعاون مع ألمانيا في الوقت الذي تبتعد فيه الولايات المتحدة عن المشهد ، وتنوي الحكومة الفرنسية العمل سريعاً على إقرار هذه الإجراءات التي ستؤدي إلى إعطاء مزيد من الحرية ومزيد من الحماية للشركات ، وتنوي وزارة العمل تقديم تفاصيل الإصلاح إلى المنظمات النقابية ومنظمات أصحاب العمل ، على أن تدخل حيز التنفيذ على الفور ، شرط قيام البرلمان لاحقاً بالموافقة عليها .

ب – عرض رئيس الوزراء ” إدوارد فيليب ” وجهة النظر الحكومية تجاه هذه الإصلاحات ، حيث أكد أن الإصلاح المرتقب يهدف بالأساس إلى تحرير سوق العمل وجعله أكثر مرونة ، ولكنه يحمي في الوقت ذاته الموظفين ، مؤكداً أن مهمته هي تنفيذ تعليمات الرئيس ” ماكرون ” للنهوض بالبلاد ، كما أشار ” فيليب ” إلى أن القانون يحتوي على نقاط إيجابية للموظفين أيضاً وليس لأصحاب العمل فقط ، مثل زيادة التعويضات في حال الفصل التعسفي ، موضحاً أننا نريد تسهيل العلاقة بين صاحب العمل والعامل ، وعدم الذهاب إلى محاكم العمل التي تستغرق وقت طويل في البت في القضايا ، والضبابية حول القيمة التعويضية ليست في صالح العامل ولا صاحب العمل .. وحول التظاهرات التي نظمتها النقابات والمعارضة ، أكد أن الشعب الفرنسي في حاجة إلى حلول ، وليس إلى مزيد من العقبات ، وإصلاح قانون العمل كان أحد الوعود الانتخابية للرئيس ” ماكرون ” .

و من المقرر أن تنظم المعارضة الفرنسية مظاهرة أخرى في (23) سبتمبر الجاري ،جدير بالذكر أن  عدد من  النقابات العمالية في فرنسا قد نظموا مظاهرات يوم (9) مايو الماضي في ساحتي ( الجمهورية / الباستيل ) مناهضة للرئيس المنتخب ” ماكرون ” وسياساته الاقتصادية ، خاصة فيما يتعلق بإصلاح قانون العمل .

وأظهرت نتائج استطلاع للرأي أجراه معهد ” أوبنيون واي ” أن (68%) من الفرنسيين يعتقدون أن إصلاحات قانون العمل ستكون في صالح أصحاب الأعمال ، وستؤثر سلباً على حقوق الموظفين والعمال ، وأعرب (63%) منهم عن اعتقادهم أن التعديلات المقترحة غير ملائمة لسوق العمل ، وكان قد وجه الرئيس الفرنسي السابق ” هولاند ” تحذيرًا شديدًا إلى الرئيس ” ماكرون ” ، للمرة الأولى منذ تولي الأخير الرئاسة، وحثه على عدم إجراء تعديل في قانون العمل ، و عدم الطلب من الفرنسيين تقديم تضحيات غير مفيدة ، كما أشار ” هولاند ” إلى عدم جعل سوق العمل أكثر مرونة ، خوفاً من الوقوع في التعثر .

أبرز نقاط الخلاف في المشروع بين ( الحكومة / النقابات ) :

أ – ساعات العمل اليومية : حيث يسمح قانون العمل الفرنسي بحد أقصى (12) ساعة عمل يومياً في حالات مؤقتة بناء على اتفاق بين الموظف وجهة العمل ، أما القانون الجديد فينص على ألا تتجاوز ساعات العمل اليومية (10) ساعات ليصبح الحد الأقصى ، في حالات نمو النشاط إلى (12) ساعة يومياً .

ب – ساعات العمل الأسبوعية : حيث يسمح القانون الحالي بحد أقصى (60) ساعة عمل أسبوعياً في حالات استثنائية ، أما في الأوقات العادية فلا يمكن أن تتجاوز (44) ساعة ، لمدة (12) أسبوع فقط ، في حين يُحدد القانون الجديد الساعات الأسبوعية بـ (35) ساعة ، والحد الأقصى (48) ساعة في الأسبوع ، كما يمكن أن تصل إلى (60) ساعة أسبوعياً وفق شروط محددة ، ودائماً لمدة أقصاها (12) أسبوع .

جـ – الساعات الإضافية : حيث يُحدد القانون الحالي أجور الساعات الإضافية بزيادة (25%) للساعات الـ (8) الأولى ، و(50%) للساعات اللاحقة ، ويجري حسابها أسبوعياً في مدة أقصاها عام ، أما القانون الجديد فقد اعتمد نسبة (10%) كحد أدنى لتعويض الساعات مع إمكانية تعويضها من ساعات دوام الموظف ، أو دفعها خلال مدة زمنية أقصاها (3) سنوات ، الأمر الذي سيؤدي إلى خسارة عدد كبير من العاملين لمدخول إضافي ما عدا عن إطالة المهلة المحددة لدفع الأجور الإضافية .

د – المدة القصوى لتشغيل المتدربين : حيث يُحدد القانون الحالي مدة عمل المتدربين دون سن الـ (18) عاماً بـ (8) ساعات يومياً ، إلا في حالات استثنائية ، حيث يسمح لهم بالعمل (5) ساعات إضافية أسبوعياً ، فيما ينص التعديل الجديد على إمكانية عمل القاصر أكثر من (8) ساعات يومياً ( حتى 10 ساعات )، وأكثر من (35) ساعة أسبوعياً ، ونتيجة الاحتجاجات ، تم حذف هذه المادة ، وأضيف تعديل ينص على أنه يمكن للقاصر أن يعمل أكثر من (8) ساعات يومياً شرط ألا يتجاوز عدد الساعات الإضافية (5) ساعات أسبوعياً .

هـ – التعويضات في حال الفصل : حيث لم يحدد القانون الحالي سقفاً للتعويضات في حالة الفصل التعسفي ، وإنما وضع حداً أدنى فقط ( راتب 6 أشهر ) ، بالإضافة إلى تعويضات الفصل القانوني ، في حين يحدد القانون الجديد سقوف التعويضات حسب القِدم الوظيفي ، وبحد أقصى أجر (15) شهراً إذا كانت لدى العامل أكثر من (20) سنة خدمة ، حتى وإن رفع العامل دعوى وربحها ، وأدت الاعتراضات الشديدة إلى حذف المادة ، وأصبحت المحكمة هي من يحدد مبلغ التعويض في حالة الفصل التعسفي .

و – الفصل لأسباب اقتصادية : حيث وضع القانون الحالي تعريفاً محدداً وواضحاً للفصل لأسباب اقتصادية ، في حين حدد مشروع القانون الجديد أسباب التسريح الاقتصادي بانخفاض الطلب ، أو انخفاض رقم الأعمال على مدى (4) فصول متتالية ، ونقص الخزينة ، الأمر الذي اعتبره معارضو القانون ، ولاسيما النقابات ترخيصاً بفصل الموظفين بحجة الصعوبات الاقتصادية ، أو انخفاض رقم الأعمال وتقلص حجم الطلبيات ، حيث أعطوا مثالاً لذلك بالشركات المتعددة الجنسيات ، التي يمكن أن تتخذه ذريعة للتخلص من موظفيها في حال كان الفرع الفرنسي وحده من يعاني من صعوبات اقتصادية ، وسوف يسهل هذا البند على المؤسسات فصل موظفيها بحجة المصاعب الاقتصادية التي يمكن اتخاذها ذريعة لإجراءات تقشفية ، ومن ضمنها التسريح .

  أبرز استطلاعات الرأي بخصوص شعبية ” ماكرون ” : –

أ – أظهر استطلاع للرأي أجراه معهد “يوجوب” يوم (4) أغسطس 2017 ، تراجع شعبية ” ماكرون ” ، حيث بلغت نسبة من لهم رأي سلبي تجاه ماكرون (49%) بارتفاع (13) نقطة .

ب – أظهر استطلاع للرأي أجراه مركز ” هاريس انتريكاتيف “ في (28) يوليو الماضي انخفاض شعبية ” ماكرون ” إلى (51%) ، بينما انخفضت شعبية رئيس وزرائه ” إدوارد فيليب ” إلى (49%) .

جـ – أظهر استطلاع أجراه المعهد الفرنسي للرأي العام ” ايفوب “ في (23) يوليو الماضي تراجع شعبية ” ماكرون ” (10) نقاط حيث وصلت إلى (54%) في يوليو الماضي ، بعد أن كانت (64%) في يونيو الماضي ، كما أظهر الاستطلاع أن شعبية رئيس الوزراء تراجعت بقوة حيث انخفضت نسبة الراضين عن أدائه بنسبة (8%) في شهر واحد من (64%) إلى (56%) .

 

 

 

 

زر الذهاب إلى الأعلى